تكتسب مصر أهميّة جيوسياسية كبيرة بالنسبة لروسيا خصوصا في ظلّ استعار الصّراع بين موسكو والغرب نتيجة محاولات الولايات المتحدة وشركائها في حلف شمال الأطلسي الناتو تطويق روسيا وعزلها

لقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حفاوة كبيرة من قبل نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته في النّسخة الثانية من القمّة الروسيّة الإفريقية التي عقدت في سانت بيترسبرغ في روسيا بين 27 و 30 تموز والتي شهدت مشاركة 49 دولة إفريقية.

هذه الحفاوة عكست الأهمّيّة التي توليها روسيا لتوثيق العلاقات مع مصر، لما لهذا البلد من مكانة جيوسياسية واقتصادية بالنّسبة لروسيا. وقد حرص الرّئيس الروسي على عقد قمة مع نظيره المصري الذي أكّد حرصه على تعزيز التعاون الثنائي بين بلاده وروسيا، معتبراً أنّ القمة ستكون لها نتائج عظيمة بالنسبة لروسيا والبلدان الإفريقية. وقد رحّب السيسي بدعم بوتين لإنشاء محطّة الضبعة النووية، وإقامة منطقة صناعية روسية في مصر. من جانبه، أكّد بوتين أنّ مصر احتلّت جزءاً كبيراً من التبادل التجاري مع إفريقيا، مشيراً إلى أنّ حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا، ارتفع بنسبة تفوق الـ 35 بالمئة هذا العام.

ومن شأن توثيق العلاقات بين مصر وروسيا أن يقلب التّوازن في منطقة الشرق الأوسط لغير صالح الولايات المتحدة، التي تسعى للهيمنة المطلقة على هذه المنطقة بغية منع روسيا والصين من الوصول إلى شرق المتوسط، والعبور منها إلى القارة الإفريقية التي ستشكّل ساحة صراع رئيسية بين الولايات المتّحدة والقوى الغربية المنضوية في إطار حلف شمال الأطلسي من جهة، والقوى الأوراسية المنضوية في منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة بريكس وعلى رأسها روسيا والصين من جهة ثانية.

الأهمّيّة الجيوسياسية لمصر بالنسبة لروسيا

تكتسب مصر أهميّة جيوسياسية كبيرة بالنسبة لروسيا خصوصاً في ظلّ استعار الصّراع بين موسكو والغرب نتيجة محاولات الولايات المتحدة وشركائها في حلف شمال الأطلسي الناتو تطويق روسيا وعزلها. وتشمل الأهمّيّة الجيوسياسية لمصر بالنّسبة لروسيا جوانب عدّة من ضمنها التّعاون العسكري والوصول إلى الأسواق الدولية، إضافة إلى دور موقعها في تعزيز النّفوذ السياسي والاقتصادي للدول التي تتحالف معها. وبالّنسبة لروسيا فإنّ مصر تتمتّع بموقع استراتيجي على مفترق طرق أوروبا وإفريقيا وآسيا ولها موقع مهمّ جدا يطلّ على البحر الأبيض المتوسّط، وهو ما يمكن أن يتيح لروسيا الوصول إلى طرق الملاحة البحرية العالمية والأسواق الدولية، وهو أمر ضروري لصادراتها من الطّاقة وحضورها البحري في المنطقة. كذلك فإنّ مصر تعتبر لاعباً رئيسياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمكن أن تمنح روسيا القدرة لتقوية روابطها السياسية وتعزيز مصالحها في المنطقة، لا سيما مع سوريا وليبيا ودول المشرق العربي بشكل عام.

وخلال عهد الرئيس السيسي طوّرت مصر علاقات عسكرية قويّة مع روسيا التي أصبحت أكبر موّرد للسلاح لمصر. ففي العام 2014 وقّعت روسيا اتفاقية بقيمة 3.5 مليار دولار مع مصر لتزويدها بمعدّات عسكرية متطورة، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والمروحيات والصواريخ المضادة للدبابات. بالإضافة إلى ذلك، قدّمت روسيا التدريب والمساعدة للجيش المصري، وأجرت تدريبات عسكرية مشتركة مع مصر. وفي العام 2018 وقّعت روسيا ومصر اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة، تشمل التعاون العسكري، والتدريبات المشتركة، واستخدام السفن والطائرات الروسية للقواعد العسكرية المصرية. وقد وقّع البلدان على صفقة أسلحة جديدة بقيمة ملياري دولار تضمّنت تزويد مصر بطائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي متطورة. وفي السنوات الأخيرة لجأت مصر بشكل متزايد إلى روسيا للحصول على الدّعم العسكري نتيجة تواصل الصّراع المسلّح في ليبيا وتدهور العلاقات بين مصر والولايات المتّحدة الأميركية. كذلك فإنّ التنسيق بين البلدين انتقل إلى مجال التعاون لمكافحة الإرهاب، الذي عانت منه روسيا وتعاني منه مصر اليوم. وقد دعمت روسيا جهود مصر في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك توفير المعلومات الاستخبارية والتدريب لقوّات الأمن المصرية. ويتّفق البلدان على عدد من القضايا في منطقة الشرق الأوسط بما فيها دعم سورية في مواجهة الحرب التي تشنّ ضدها من قبل الولايات المتحدة والغرب، إضافة إلى معارضة توسيع حلف شمال الأطلسي الناتو.

العلاقات الاقتصادية بين روسيا ومصر

إضافة إلى البعد الجيوسياسي والاستراتيجي فإنّ العلاقات الاقتصادية الروسية المصرية شهدت تطوراً كبيراً في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. وتشمل هذه العلاقات التّعاون في مجال الطّاقة حيث وقّعت شركة "روس نفت" الروسية للطاقة المملوكة للدولة عدّة اتفاقيات لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز في مصر. كذلك ففي العام 2015 وقّعت شركة "روس اتوم" النووية الروسية اتفاقية بقيمة 30 مليار دولار مع مصر لبناء محطة الضبعة للطاقة النووية، والتي من المتوقّع أن تكون واحدة من أكبر المشاريع النووية في الشرق الأوسط وقد وقّعت مصر وروسيا العديد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية في مختلف القطاعات، مثل الطاقة والزراعة والصناعة. تعتبر روسيا شريكًا مهمًا لمصر في مشروعات التنمية الكبرى مثل إنشاء المحطة النووية وقناة السويس الجديدة. وقد أبدت روسيا اهتمامًا بالاستثمار في مختلف قطاعات الاقتصاد المصري مثل تطوير البنى التحتية وقطاعي الصناعة والزراعة في مصر.

وقد شهد حجم التجارة بين البلدين نمواً كبيراً وسجل نحو 9 مليار دولار في السنوات الأخيرة. وتشمل الصادرات الروسية إلى مصر الآلات والمنتجات المعدنية والمعادن والكيماويات والمنتجات الغذائية. في المقابل فإنّ الصادرات المصرية إلى روسيا تشمل المنتجات الزراعية بالدرجة الأولى. وقد نمت الاستثمارات الروسية في مصر بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة حيث بلغت نحو 10 مليارات دولار في السنوات الأخيرة بما فيها الاستثمار في قطاعات الطاقة والمقاولات والصناعة والسياحة، علماً أنّ مصر تعتبر وجهة سياحية رئيسية بالنسبة للسيّاح الرّوس ما يدرّ عائداً كبيراً على خزينة الدولة المصرية.

العلاقات الاقتصادية الروسية المصرية شهدت تطوراً كبيراً في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي

مصر: القطب الثالث في استراتيجية روسيا الإفريقية؟!

في حال تمكّنت روسيا من اجتذاب مصر إلى شراكة استراتيجية معها فإنّها بذلك تكون قد استكملت الأضلاع الثلاثة لاستراتيجيتها الآيلة لتوسيع نفوذها في إفريقيا على حساب النفوذ الأميركي والفرنسي. فيمكن لروسيا أن تنطلق من مصر لتعزيز حضورها في شرق المتوسط، والانطلاق منها لتعزيز حضورها في وادي النيل والقرن الإفريقي. وهذا سيتضافر مع جهود موسكو لتعزيز العلاقة مع الجزائر التي تشكّل منطلقاً لروسيا لتعزيز حضورها في غرب المتوسط والانطلاق منها لتعزيز حضورها في شمال وغرب إفريقيا.وإذا أخذنا بالاعتبار أنّه تربط جنوب إفريقيا بروسيا شراكة استراتيجية بحكم عضوية بريتوريا في منظمة البريكس، فإنّ روسيا تكون بالتالي قادرة على نشر نفوذها في منطقة إفريقيا جنوب خط الاستواء، بما يعزّز قدرتها على نشر نفوذها في القارّة السمراء.

في المقابل فإنّ علاقات قويّة مع موسكو تتيح للقاهرة تنويع تحالفاتها الدولية للتفلّت من الهيمنة الأميركية المفروضة عليها منذ أواسط السبعينات من القرن الماضي والتي أضرّت كثيرا بعناصر الأمن القومي المصري. كما يمكن أن تشكّل روسيا دعامة لدور مصري أنشط في شمال وشرق إفريقيا، وهو الدور الذي تآكل كثيراً في الآونة الأخيرة نتيجة السياسات الأميركية الآيلة إلى تغيير الأنظمة في المنطقة العربية ومن ضمنها مصر.