جرى قبيل وصول لودريان استطلاع آراء بعض القوى السياسية المؤثّرة في الاستحقاق حول أمكانية الخروج من المبادرة الفرنسية الأولى إلى مبادرة جديدة تستبعد رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية.

من المرجّح أن يعود الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان إلى باريس مثلما أتى، من دون أن يحقّق أيّ تقدّم ملموس لا على مستوى المبادرة الفرنسية، ولا على مستوى أيّ مبادرة جديدة. فجميع الأفرقاء اللبنانيين ما زالوا في المربّعات الأولى للأزمة، ولكنّ الجديد بعد اجتماع الدوحة الخماسي الأخير أنّ مؤيدي معادلة المبادرة الفرنسية سيستمرّون متمسّكين بها، فيما معارضوها سيتمسّكون بأهداب البيان الخماسي، لفرض مبادرة أو معادلة جديدة، معتقدين أنّ هذا البيان "نسف" المبادرة الفرنسية. ولذا فإنّ الفراغ الرئاسي الذي كان يمكن انهاؤه الشهر الماضي، سيطول ويطول... وربّما سيدوم ويدوم.. خصوصاً إذا سوّيت الفراغات المصرفيّة ولاحقاً العسكرية..

احتمالان يتجاذبان مهمّة لودريان الجديدة في جولتها اللبنانية الثانية اليوم، يقول قطب كبير، وهما:

أوّلاً: الاستمرار في تسويق المبادرة الفرنسية على قاعدة أنّها ما تزال الأكثر واقعية من بين بقيّة الطروحات، وأنّ اجتماع الدوحة الخماسي، لم يُعلن صرف النّظر عنها على الرغم ممّا احتواه بيانه الختامي من إلقاء المسؤولية على "القيادة اللبنانية" للإسراع في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وحضّ مجلس النواب على انتخاب رئيس جديد. تحت طائلة اتّخاذ "إجراءات بحق المعرقلين...".

ثانياً: طرح مبادرة فرنسية جديدة ربما تكون نفسها المبادرة الأولى بشكل منقّح، أو تنسفها وتكون مبنيّة على معادلة مماثلة يختلف فيها إسما رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، في اعتبار أنّ الخماسية مقتنعة بنحو أو بآخر بأنّ انجاز الاستحقاق الرئاسي يجب أن يكون ضمن صفقة تضمّ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والحكومة وهو ما عبّر عنه السفير السعودي الاسبق لدى لبنان علي عواض العسيري في حوار متلفز مساء الأحد الفائت.

الثنائي الشيعي: "لا يمكن القبول بالمعادلة التي اعتمدت عام 2008"

ولكن، وفي المعلومات، فقد جرى قبيل وصول لودريان استطلاع آراء بعض القوى السياسية المؤثّرة في الاستحقاق حول أمكانية الخروج من المبادرة الفرنسية الأولى إلى مبادرة جديدة تستبعد رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، فكان جواب الثنائي الشيعي تحديداً الآتي: "لا يمكن القبول بالمعادلة التي اعتمدت عام 2008 التي جاءت بموجب "اتفاق الدوحة" بقائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، لأنّ هذه المعادلة كانت في السنوات الثلاث الأولى من عهده معادلة ذهبية (جيش وشعب ومقاومة) ثم تحوّلت في السنوات الثلاث الأخيرة إلى "معادلة خشبية"، فمن يحلم بتكرار هذه التجربة عليه أن يتوقّف عن أيّ حلم من هذا النوع".

ولذلك، يقول القطب، أنّه سيتمّ الاستماع إلى لودريان وما يحمله من مقترحات وأفكار ولكن ذلك لن يكون ملزماً، على الأقلّ لـ"الثنائي الشيعي" الذي لن يكرّر تجربة 2008 مهما كلّف الأمر، ومهما طال أمد الفراغ الرئاسي.

وفي ضوء كلّ هذه المعطيات، يعتقد هذا القطب السياسي أنّ اللقاء الخماسي العربي ـ الدولي أثبت بعد اجتماعه الثّاني في قطر أنّه منقسم بشدّة على نفسه من جهة، ولكنّه في مطاوي مواقف بعض دوله من جهة ثانية دلّ إلى أنّه يعزف على وتر واحد يسير خلف استبعاد أن يكون رئيس الجمهورية من ضمن ما يسمونه "المنظومة" أو من مناخها، وهنا يظنّ البعض أنّ الموقف القطري الذي يعزف لمصلحة مرشّح آخر غير فرنجية، وهو قائد الجيش العماد جوزف عون، ليس بعيداً عن مناخ الموقف السّعودي الذي ما يزال في منطقة حياد إيجابي أو رمادي بما يشبه الموقف الإيراني، فيما الموقف الأميركي يتخفّى خلف الموقفين القطري والمصري، وقد ضغطت المواقف الثلاث في اجتماع قطر في اتجاه اقناع الجانب الفرنسي بابتكار مبادرة أو أفكار جديدة. فيما الفرنسي بنى منذ البداية مبادرته على شبكة مصالح راهنة ومستقبلية في لبنان والمنطقة في ظلّ اقتناع راسخ لديه أنّه لا يمكن أن يتمّ الاتفاق على رئيس للجمهورية ما لم يحظ بقبول "الثنائي الشيعي" وحلفائه.

ومن هنا تسجّل بعض الأوساط السياسية تجدّد الحملة على "الثنائي" في اتجاه اتهامه بأنّه هو المعطّل للاستحقاق الرئاسي، وقد جاء كلام بيان اجتماع الدوحة عن تلويح بـ"اجراءات" ضدّ من يعرقلون الحلّ، وهو مصطلح أريدَ منه أن يكون "الاسم الحركي" للعقوبات، لتترجمه بعض القوى السياسية المعارضة لترشيح فرنجية على أنّ المقصود به هو رئيس مجلس النواب نبيه بري، تأسيساً على العقوبات التي لوّح بها الاتحاد الاوروبي في الآونة الاخيرة.

ولذلك، سارع "الثنائي" بمستوياته المختلفة إلى الرّدّ على هذه الحملة أوّلاً برفضه أيّ خيار رئاسي أو حلّ للأزمة يُفرض من الخارج، ويقصد هنا دول اللقاء الخماسي، كذلك سارع إلى تأكيد تمسّكه باتفاق الطّائف، مؤكّداً أن ليس لديه أيّ نيات انقلابية على هذا الاتفاق تحدث عنها خصومه، معتبرين أنّه يخفي نيّات مبيّتة ضدّ النّظام وأنّ دعواته إلى الحوار تستبطن طرح " اتفاق الطائف" على بساط البحث مقدّمة لنسفه، وبالتالي إظهار الثنائي بأنّ لديه مشروعاً لتغيير نظام "الطائف" عبر فرض مؤتمر تأسيسي، في الوقت الذي لم يستكمل تنفيذ هذا "الطائف" بعد، حتّى يتمّ البحث في تعديله أو تغييره. ولكنّ خصوم الثنائي يحاولون من حملتهم هذه استدراج حملة خارجية عليه، وتحديداً إحداث وقيعة بينه وبين المملكة العربية السعودية التي تعتبر "اتفاق الطائف" الذي رعت انجازه خطّاً أحمر وترفض بشدّة المسّ به.

غير أنّ اللافت في خضمّ هذه الحملة أنّ وزير الخارجية عبدالله بوحبيب لم يجد عضاضة في القول تعليقاً على بيان المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية الأخير: "أعتقد أنّهم إذا تركونا لحالنا نقدر على كلام بعضنا مع بعض". مضيفاً "الاجتماع الخماسي المقبل في أيلول، أعتقد أنّ هذه الاجتماعات تمنع اللبنانيين من العمل بجدّيّة لانتخاب رئيس".


قطر ستنشط بكلّ أمكاناتها في تسويق ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون بدعم بعض أطراف "الخماسيّة"

وقد ذهب فريق من السياسيين إلى القول أنّ هناك تفسيران لا ثالث لهما للبيان الخماسي الختامي، وهما: إمّا أنّ الخماسيّة العربيّة ـ الدوليّة قرّرت الاستقالة من التدخّل في الشّأن اللبناني وترك الاستحقاقات اللبنانية لأصحابها لينجزوها على طريقتهم. وإمّا أنّها تريد إمرار مرحلة من الوقت الضائع لضرورات تبدّت لديها تتجاوز بأهمّيتها لبنان واستحقاقاته، على أن تعاود بعد فترة غير محدّدة اهتمامها بشؤون الوطن الصغير الذي من المؤكّد، وخلافاً لأيّ نصّ آخر، إنّه يعني لها الكثير. ولذلك فوّضت إلى الجانب الفرنسي عبر الموفد الرئاسي لودريان الاستمرار في مسعاه لإمرار فترة من الوقت الضّائع قبل أن تعود الى الجلسة اللبنانية، والعمل بروحيّة المبادرة الفرنسية مجدداً، بدليل كلام السفير السعودي السابق علي عوّاض العسيري في حوار متلفز قبل يومين، شدّد فيه على أنّ انتخاب الرئيس يجب أن يرافقه الاتفاق على رئيس حكومة وحكومة مطعّمة باختصاصيين. وهذا ما تقول به المبادرة الفرنسية القائمة على الاتّفاق على رئيس جمهورية ورئيس حكومة، وهي تسمّي فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام (أو تمام سلام) رئيساً للحكومة، ولكنّ العسيري جزم بأنّ مرحلة فرنجية وجهاد أزعور "انتهت" وأنّ المرحلة اليوم هي "مرحلة اختيار رئيس يقبله الداخل والخارج على حدّ سواء"، معرباً عن اعتقاده أنّ لودريان "سيحمل جديداً ومبادرة تختلف عن الماضي، وأنّ إيران لا علاقة لها بالمشكلة اللبنانية، خصوصاً إن صدقت النيّات في ما يقوله المسؤولون الإيرانيون".

على أنّ الانطباع السائد بعد اجتماع الدّوحة أنّه في موازاة حراك باريس في شأن مبادرتها القديمة ـ الجديدة، فإنّ قطر ستنشط بكلّ أمكاناتها في تسويق ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون بدعم بعض أطراف "الخماسيّة"، وفيما قيل أنّها فشلت في استمالة رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل إلى جانب خيارها هذا، فإنّ الاهتمامات منصبّة على الحوار الدائر بمستويات مختلفة بين باسيل وحزب الله، في ظلّ اقتناع بأنّ باسيل بدأ يقترب من لحظة الاختيار بين فرنجية وجوزف عون. حتّى إذا اختار أيّ منهما ستصبح المعركة الرئاسية عندها معركة تأمين نصاب أكثرية الثلثين لانعقاد الجلسة الانتخابية بدورتيها الأولى والثانية.