عمد نوّاب الحاكم إلى تقديم خطّة مفصّلة للمرحلة القريبة المقبلة، تكفل بدء مشوار التعافي الذي طال انتظاره على المدى المتوسط (6 أشهر)

رمى نوّاب حاكم مصرف لبنان الأربعة وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين وألكسندر موراديان، "حجر" شروطهم لاستلام مهام الحاكم، في "بركة" الأزمة الرّاكدة؛ وجلسوا ينتظرون نتائج اتّساع الدّوائر. لم يقطع نوّاب الحاكم "خيط" سلامة الغليظ، الذي وصله مع السّلطة السياسيّة، إنّما مدّدوه بشروط إصلاحيّة ولفترة زمنيّة قصيرة، ليعود في ما بعد وينقطع تلقائيّاً.

أخذت الجلسة الثانية لنوّاب حاكم مصرف لبنان مع لجنة الإدارة والعدل النيابية بُعداً عملياً تنفيذياً. إذ عمد نوّاب الحاكم إلى تقديم خطّة مفصّلة للمرحلة القريبة المقبلة، تكفل بدء مشوار التعافي الذي طال انتظاره على المدى المتوسط (6 أشهر). وقد حرصوا ألاّ تشكّل الإصلاحات صدمة في سوق القطع، تقفز بالدّولار إلى معدّلات خياليّة على المدى القريب. أي بعد انتهاء ولاية الحاكم في الحادي والثلاثين من تموز الحالي. "فنحن نسعى لأن تشكّل التّحدّيات الكبيرة التي نواجهها لوقف الممارسات النقديّة الحاليّة، فرصة نحو الانتعاش"، قال نوّاب الحاكم في ورقتهم الإصلاحية. مع اعتقادهم الرّاسخ أنّ تطبيق ما طرحوه سيكون "حجر الأساس في مسار التعافي".

 "نحن نسعى لأن تشكّل التّحدّيات الكبيرة التي نواجهها لوقف الممارسات النقديّة الحاليّة، فرصة نحو الانتعاش"، قال نوّاب الحاكم في ورقتهم الإصلاحية

مصير سعر الصرف

سنبدأ من الموضع الذي تتطلع إليه بصيرة المواطنين قبل أعينهم؛ سعر الصرف. بحسب الخطّة لن يعاود سعر الصرف ارتفاعه، كما هو متوقّع. لأنّ المركزي سيستمرّ بتدخّله بسوق القطع بائعاً للدولار لفترة محدّدة. وذلك من خلال "استخدام جزء من المبلغ المصدّق عليه من قبل البرلمان خلال الأشهر القليلة المقبلة لتحقيق الاستقرار قدر الإمكان في (سعر صرف موحّد) على صيرفة". كما سيواصل مصرف لبنان وفقاً للخطّة "شراء الدّولار الأميركيّ في السّوق عندما يكون ذلك ممكناً وفقاً للمادّتين 75 و83 من قانون النّقد والتّسليف، لتخفيف الضّغط على احتياطاته من العملات الأجنبية".

هذان الاجراءان لا يرتبطان بضرورة تشريع البرلمان استعمال النّقد الأجنبيّ لتدخّل المركزي بائعاً للدّولار في السوق فحسب، إنّما يجب أن يترافقا مع:

- فرض وزارة الاقتصاد خلال شهر التسعير والبيع في سوق التجزئة بالليرة، وليس بالدّولار كما هو حاصل راهناً. وأن يتضمّن قانون "الكابيتال كونترول" المُطالب بإقراره "مادّة تفرض على جميع المستوردين شراء الدّولار من المؤسسات الماليّة المصرّح بها. الأمر الذي سوف يخلق حجماً أكبر من التداول في منصّة التبادل، ما يساعد في اكتشاف الأسعار بشكل أفضل.

- استخدام مصرف لبنان آلية المزاد على المنصّة لردع المضاربة على الليرة.

الإصلاحات الماليّة

تحقيق هذه الشروط، يتطلّب بحسب خطّة نوّاب الحاكم أن يكون مترافقاً مع:

- إقرار قانون الكابيتال كونترول.

- إقرار قانون إعادة هيكلة المصارف.

- الاتّفاق على آليّة لكيفية توزيع الخسائر، وتشريعها بقوانين.

- مصادقة البرلمان على موازنة 2023 المقترحة قبل نهاية آب.

- إعداد موازنة 2024 مع التّعديلات المطلوبة وتقديمها قبل نهاية تشرين الأوّل 2023.

- الموافقة على موازنة 2024 قبل نهاية تشرين الثاني 2023.

العوائق التي تواجه طروحات خطّة نوّاب الحاكم

سيسمع نوّاب حاكم مصرف لبنان من المشرّعين عبر التّصاريح ووسائل الإعلام، نفس الكلام الذي سمعوه منهم بالمباشر: الخطوات المطروحة مطلوبة ومنطقيّة، إنّما المشكلة ليست عندنا. فـ "من الملفت أنّ نواب الحاكم يطلبون من مجلس النوّاب النّظر والموافقة على خطّة، هي من مسؤولية الحكومة"، تقول عضو لجنة الإدارة والعدل الدكتورة غادة أيوب. فالبتّ بالمراحل الإصلاحيّة المطلوبة بالخطّة، ما زالت خارج يد مجلس النوّاب، منها: مشروع موازنة العام 2023 الذي حوّل حديثاً من وزارة المالية إلى مجلس الوزراء، ومن غير المعروف على وجه التّحديد متى يفرغ الأخير من دراسته لتحويله إلى البرلمان لدراسته في اللجان المختصّة وتحويله إلى الهيئة العام للإقرار. وبالتالي ليس مجلس النواب من يعطّل الموازنات سواء كانت للعام 2023 أو للعام القادم، إنّما الحكومة التي لم تلتزم وتحترم المهل الدستورية.

أمّا في ما يتعلّق بتشريع قانون للكابيتال كونترول، انطلاقاً من أنّ تحرير سعر الصّرف مرتبط بهذا القانون، فإنّ مجلس النوّاب أنهى مناقشة القانون في اللجان المشتركة، وحوّله إلى رئاسة المجلس لعرضه أمام الهيئة العامّة للتّصويت. إلّا أنّ إقفال البرلمان أمام التشريع، باعتبار أنّ الاولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية حال دون إقراره. "ذلك مع العلم أنّه كان بإمكان الرئيس بري (رئيس مجلس النواب نبيه بري) عرض القانون للتّصويت في الجلسة التي جرى فيها تمديد البلديات"، تقول أيوب.

أمّا في ما يتعلّق بإعادة هيكلة القطاع المصرفيّ وضمان الانتظام الماليّ، فإنّ مقترحات القوانين التي قدّمت من قبل النائبين جورج بوشيكيان وأحمد رستم، بدلاً عن حكومة تصريف الأعمال التي لا يحقّ لها التقدّم بمشاريع قوانين، فقد "أعيد سحبهما"، تؤكّد أيوب. "ولم تتمّ مناقشتهما بحجّة أنّ الحكومة غير راضية عنهما".

تآمر الحاكم والحكومة

إذاً، كلّ ما يطلبه نوّاب حاكم مصرف لبنان "ليس بيد مجلس النوّاب"، تكرّر أيوب. ورمي الكرة في مجلس النوّاب هو إيهام للرّأي العام أنّ المشكلة في البرلمان، في حين أنّ أصل العقدة هو في الحكومة المستقيلة من دورها". ومن الملفت أنّ ما جرى في الجلسة السّابقة لجهة تأكيد نوّاب الحاكم إرسالهم كتب اعتراض على سياسات رياض سلامة إلى مجلس الوزراء عبر وزير المالية، قد مرّ مرور الكرام. مع العلم أنّ مثل هذا الادّعاء هو إخبار يبين "حجم التواطؤ بين رياض سلامة والحكومة"، برأي أيوب. "وبأنّهما شركاء في حال الفوضى على الصعيد الماليّ والنّقديّ، التي أدّت إلى استنزاف الاحتياطي على سياسات الدّعم غير المدروسة".

في الوقت الذي يطالب فيه نوّاب الحاكم بالإصلاحات، "بُري" لسان الإصلاحيين في الدّاخل والجهات الدّوليّة في الخارج بالمطالبات نفسها منذ أربع سنوات، من دون أيّ نتيجة. فالاستعصاء عن الإصلاح ليس ظاهرة حديثة في لبنان، بل هو أشبه بحالة مرضيّة تختلط فيها المصالح الطائفية، مع الإقطاع السياسي، والفساد الإداري، والخوف الأمني، وسواد عقلية بأنّ الدولة ليست لنا، فلنستفد منها ما استطعنا.

أمام هذا الواقع فإنّ مصير الدوّامات الناتجة عن "حجر" نوّاب الحاكم، لن تكون أقوى من مثيلاتها التي نتجت عن "صخور" البنك الدولي وصندوق النّقد.. وغيرهما من الجهات التي رميت في بركة الجمود الإصلاحيّ، من دون أن تخلق موجات إصلاحيّة. وعليه فإنّ الدّوائر، مهما عظمت، سرعان ما ستتلاشى ليعود كلّ شيء مثلما بدأ.