منذ بدأ الحديث بموضوع عودة النّازحين بقيت العراقيل نفسها: غياب خطّة العمل والإحصائيات والتوزيع الجغرافي للنّازحين وعدد مكتومي القيد من بينهم

بعد انقضاء شهرين على فتح باب العودة الطّوعية للنّازحين إلى سوريا لم يسجّل عودة أكثر من 1500 نازح سوري، سجّل دخولهم إلى سوريا لكن ربما عادوا بطرق غير شرعيّة وهي كثيرة. الكلام حول العودة كثير. لكنّ الرّغبات شيء والوقائع شيء آخر. وفي لبنان كلّ في الحكومة يغنّي على ليلاه وعينه على الغرب وعقوباته.

رغم كونه لم يقل جديداً، حرّك تقرير البرلمان الأوروبي ملفّ النّازحين السّوريين المقيمين على الأراضي اللبنانية. أثار حفيظة المسؤولين نوّاباً ووزراء وأحزاب سياسية، هبّوا هبّة واحدة وسارعوا إلى شجب واستنكار ما ورد في فقرة من التقرير قالت أنّ عودة النّازحين السوريين الطّوعيّة لم تكتمل شروطها بعد، وأوصت الجمعيّات والمنظّمات المعنيّة إلى مساعدتهم كما مساعدة المجتمع اللبناني المضيف لتحمّل أعباء استضافتهم. قبل التقرير كان سفراء دول الإتحاد الأوروبي وفي مقدّمهم فرنسا وألمانيا يمانعان العودة إلّا في ضوء حلّ سياسيّ. وذهب السفير الألماني أبعد من ذلك، حيث كان ينبّه من العودة ويعمل للحؤول دونها، ووصل حدّ التّلاسن مع وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، ولم تحرّك الحكومة ساكناً.

ما قاله التّقرير بالجملة كان يتناهى إلى مسامع المسؤولين في لبنان بالمفرّق. ولم يكن يتمّ التصدّي له، وأبعد من ذلك والأخطر هو رفض مفوّضيّة شؤون اللاجئين في لبنان تسليم الدوائر المعنيّة داتا المعلومات المتعلّقة بالنازحين التي بحوزتها، في وقت لا إحصاءات رسميّة لدى الدّولة ولا أرقام حقيقية عن عدد النّازحين وعدد الولادات وعدد مكتومي القيد.

وليس التّقصير مقتصراً على التّعاطي مع المؤسّسات الأممية بقدر ما هي مشكلة تضارب الصلاحيّات بين الوزارات المعنيّة بقضيّة النازحين، والحاجة إلى قرار حكوميّ رسميّ يفتح باب التنسيق مع سوريا، وليس عبر مبادرات فردية لوزراء تربطهم علاقات وطيدة مع المسؤولين السّوريّين.

حرّك تقرير البرلمان الأوروبّي ملفّ النّازحين، لكنّ المعطيات بين لبنان وسوريا لم تزل على حالها. تضارب معلومات وغياب التّنسيق، والسّبب غياب الجهّة المعنيّة بالملفّ، وتضارب الصلاحيّات الذي خرج مؤخّرا إلى العلن بإعلان وزير المهجّرين عصام شرف الدين التوجّه في عداد اللجنة الوزارية لزيارة سوريا، والتي تضمّ في عدادها وزراء الزراعة والطّاقة والمهجّرين ويرأسها وزير الخارجية، الذي انسحب من رئاستها واعتذر عن ترؤس الوفد بسبب "السّفر المتكرّر". ضمناً لم يرق لوزير الخارجية أن يكون في عداد لجنة تضمّ وزراء غير معنيّين بملفّ النّازحين. وهو قال مبرّراً إنّ "دور وزير الخارجية بما يتعلق بالنّازحين السوريين في لبنان هو بالتواصل والقيام بالاتّصالات الدبلوماسية والسياسية مع الأشقّاء العرب وبالأخصّ السّوريين وسائر الدّول الصديقة"، موضحاً أنّه الأمر الذي يقوم به حاضراً ومستقبلًا وبالتنسيق مع رئيس الحكومة، وسيتابعه باستمرار. ولاحقاً أبلغ بوحبيب القائم بالأعمال السوري علي دغمان أنّ وفداً من وزارة الخارجية اللبنانية يعتزم التوجّه إلى سوريا لفتح النقاش حول قضايا ثنائية عدّة ومن ضمنها ملفّ عودة النازحين.

وزير المهجرين الذي زار سوريا قبل مدّة عاد مستبشراً بأنّه اتّفق مع السّوريين على إعادة 180 ألف نازح إلى سوريا. رقم مبالغ فيه بحسب مصادر وزاريّة شكّكت في أن تكون سوريا حاضرة لعودة النّازحين في الوقت الراهن.

ما حصل بشأن اللجنة الوزارية كشف أنّ الملف رهن حكومة عين رئيسها على العقوبات الأميركية وقانون قيصر من جهة، ووزراء لكلّ غايته ومقاصده.

شرف الدين صديق سوريا متحمّس لتحقيق خطوة على مستوى هذا الملفّ، مستفيداً من رصيد علاقة مرجعيته السياسية أي النّائب السابق طلال أرسلان، وبوحبيب حامل الجنسيّة الأميركية والمرشّح الرئاسي الذي يجد أنّ الأسلم لموقعه التنسيق مباشرة مع نظيره السوري، وليس أن يكون في عداد وفد، ولذا فإنّه بإنتظار جواب القائم بالأعمال على طلب الموعد، الذي لم يتسلّم جواباً عليه بعد.

وفق ما هو واضح فإنّ البتّ بالزيارة لأي من الوزراء مرهون بعودة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من قضاء إجازته الخاصّة على متن يخته في سردينيا في الـ 24 من الجاري للبحث في أمر الزيارة ومضامينها.

مصدر معنيّ بملفّ النازحين وترتيباته ما بين لبنان وسوريا يقول أنّ كلّ ما نسمعه في الإعلام لم يتبلور في صيغة عمليّة بعد. أصل الخلل غياب التوافق في الحكومة اللبنانية وعدم الإتفاق على تشكيل وفد واحد، للبحث بالموضوع وغياب ورقة العمل التي يفترض الاتفاق بشأنها ومناقشتها مع الجانب السوري. فبينما يريد شرف الدين اضفاء تعديلات طفيفة على الورقة التي سبق وأعدّها سلفه رمزي مشرفية والتي كان مجلس الوزراء رفض مناقشتها، يفضّل بوحبيب النّقاش مع نظيره السوري ويتّفق معه مباشرة.

منذ بدأ الحديث بموضوع عودة النّازحين بقيت العراقيل نفسها: غياب خطّة العمل والإحصائيات والتوزيع الجغرافي للنّازحين وعدد مكتومي القيد من بينهم. كلّ من عمل على هذا الملف لم يركن عمله إلى أسس يمكن البناء عليها، بل هو تهافت للإنفتاح على سوريا من باب النازحين.

مصادر مطّلعة على الموقف السّوري قالت إنّ قرار عودة النّازحين ليس بالسّهولة التي يتصوّرها البعض، فأيّ عودة تحتاج إلى تمويل وإلى تأمين بنى تحتيّة وتقديم تسهيلات لتحفيز العودة. لغاية اليوم فإنّ اللجنة العربية التي شكّلت على أساس إعداد خطّة لعودة النازحين لم تحرّك ساكناً بعد. زيارة الوفد الأردني ثمّ الوفد العراقي إلى سوريا كرّس العمل الثنائي وليس الجماعي. وحتّى اليوم لا يبدو أنّ هناك خطّة عربيّة للعودة ولا مشروع كامل متكامل، وما يمكن تلمّسه أنّ التنسيق بملفّ النازحين شبيه بالتنسيق العربيّ بملفّ الغاز والكهرباء واستجراره من مصر إلى لبنان. أُعلن عن الخطوة لكنّها تعطّلت بفعل قانون قيصر والعقوبات الأميركية على سوريا. واليوم يتكرّر السيناريو ذاته حيث يلمس البعض برودة عربيّة في التّعاطي، وسط شدّ الخناق الإقتصادي على سوريا الذي يجعلها ترزح تحت وطأة أزمة تهدّد مستقبلها، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا مواد أوّلية، ما يجعل عودة أيّ نازح شبه مستحيلة. فالنّازح الذي يتقاضى بدلاً بالعملة الصّعبة، ويعتاش عيشة كريمة في لبنان مدعوماً من منظّمات أممية، ما الذي سيجبره على العودة إلى بلد لم يعد ينتمي إليه جيل كامل من السوريين سوى بالاسم.

تقول المصادر إنّ سوريا لم تتلقّ حتّى الساعة أيّ طلب لبناني رسمي لبحث قضية النازحين، وهي سبق وطلبت أرقاماً لم تتسلّمها بعد. للسّوريين مآخذ على لبنان يتقدّمها غياب الأرقام والخطّة، وفي كلّ مرّة يوقف الجيش نازحين غير شرعيين يتمّ إعادتهم إلى سوريا، ثم يعودون إلى لبنان بطرق غير شرعية. الخلاصة السورية أن لا جدّيّة لبنانية ولا توافق للتنسيق بموضوع النازحين. وتقول المصادر المطّلعة أنّ الملفّ ورغم كلّ ما شهده، وما أثاره تقرير البرلمان الأوروبي فإنّ أيّ خطوات جديدة وجدّيّة لم تحصل بعد، ولا نقاش جدّي بشأن النازحين. وحتّى الردّ اللبناني على نقاشات البرلمان الأوروبي ومقرّراته كانت خجولة، في ظلّ غياب أيّ موقف رسميّ، لتختم بالقول إذا أراد أي وفد وزاري زيارة سوريا فأهلاً وسهلاً. لكنّ العودة يلزمها إمكانيات وقرار دولي لرفع العقوبات، ومساهمة بإعادة الإعمار، وهذا لم يتوافر بعد لبلد يعيش على المعونات المتواضعة من الإمارات، ووعود المساعدات العربية التي لم تتحقّق بعد.

تريد الحكومة أعادة النّازحين بالشعارات، ويرغب الوزراء بالانفتاح على دمشق بالتنظير، سوريا تنتظر، أمّا الغرب فيفعل ما يشاء.