بوتين اجتمع في موسكو مع 35 قائداً من فاغنر يتقدّمهم بريغوجين نفسه!! 

العلاقة التي تجمع الرئيس الرّوسي فلاديمير بوتين بقائد ميليشيا فاغنر يفغيني بريغوجين أحجية، وكلّما فُكّ حرف من حروفها ظهرت أحجية أخرى أشدّ تعقيداً. العلاقة بين الاثنين سرّية جداً، ويكتنفها الكثير من الغموض والإلتباس. بريغوجين يسمّى "طباخ" بوتين وكان مكلّفا بمهمّات خاصّة في الداخل والخارج، وأُرسل دائماً إلى المكان حيث لا يجرؤ الآخرون. خصّص له الرئيس ولمجموعته العسكريّة التي تضمّ نخبة من المرتزقة العسكريين المحترفين مخصّصات ماليّة تفوق الميزانية الدفاعية لدول متوسّطة.

فجأة ينقلب الجندي على القائد، ويغادر مواقعه في خنادق الحرب الأوكرانية متوجهاً إلى مدينة روستوف الروسية، مهدّداً باجتياح أسوار الكرملين في موسكو. الرّئيس يصف التمرّد بالطّعنة في الظهر، ويتّهم قائد "فاغنر" بخيانة روسيا. تشتعل النّار وفجأة تخمد وينتهي كلّ شيء. التمرّد أُخمد وانتقل قائده إلى بيلاروسيا التي تدخّل رئيسها ألكسندر لوكاشينكو لإطفاء الحريق. ومن دون مقدّمات وفي الوقت التي أظهرت وسائل الإعلام الروسية مشاهد لاقتحام قصر بريغوجين الفخم في بطرسبرج ، يخرج لوكاشينكو ليعلن أنّ القائد المتمرّد ليس في بيلاروسيا! ثم تظهر المفاجأة الكبرى في الإعلام الغربي بأنّ بوتين اجتمع في موسكو مع 35 قائداً من فاغنر يتقدّمهم بريغوجين نفسه!! الكرملين اضطر بعد عشرة أيّام من اخفاء الخبر إلى الاعتراف به بعدما فضحت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية تفاصيله!!!


جدل كبير في موسكو بعد الاجتماع بين "الثنائي العجيب" الذي يضفي المزيد من الغموض ليس فقط على وضع بريغوجين، واستمرار وجوده في روسيا رغم التمرّد، بل وعلى آلية إدارة الحكم في روسيا، وكيفية صنع القرار في أكبر دولة نووية في العالم، وانفراد القيصر الجديد، باحتكار كلّ السّلطات والمؤسّسات. النّاطق باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، اضطرّ إلى استخدام الهاتف لمواجهة الصّحافة تجنّباً للإحراج. قال أنّ الاجتماع عُقد فعلاً، وأنّ الرّئيس التقى من كان يصفهم بالمتمرّدين لمناقشة المزيد من الخيارات لعملهم، وأنّه سمع منهم أنّهم "مستعدّون لمواصلة القتال من أجل الوطن الأمّ"!

جواب بيسكوف، يزيد الالتباس التباساً، ويجعل الغموض أكثر إثارة، ويظهر المواطنون الروس كالزوج المخدوع، كآخر من يعلم. لاسيما وأنّ بيسكوف نفسه كان في 29 حزيران، أي في اليوم نفسه للّقاء المشوّق بين بوتين وبريغوجين، يصرّح أنّ "الكرملين ليس لديه معلومات عن مكان وجود قائد فاغنر".

طبعاً بوتين كان لا يريد لهذا اللقاء أن يخرج إلى العلن، لأنّه لا يملك ما يقول لعائلات الجنود والطيّارين الروس الذين قضوا برصاص رجال "فاغنر" أثناء تقدّمهم من روستوف إلى موسكو!

بوتين يحتاج إلى "جزار ينتف الدجاج" على جبهات القتال، وبريغوجين يحتاج إلى من يمدّه بالمال وعدّة النتف

لقاء سريالي ومثير للدّهشة، لا يحصل حتّى في أفلام الخيال العلمي، ذلك أنّ مصير المتمرّدين في الجيوش هو السجن في أفضل الأحوال، وليس في القصور القيصرية، فكيف إذا كان في حضور القياصرة أنفسهم؟ وهكذا فإنّ السؤال الأول الذي يتبادر إلى الاذهان بعد هذا اللقاء المدوّي: هل لا يزال بريغوجين "يطبخ" لبوتين ومن معه، وماهي الوجبة التالية على المائدة؟ ولمن ستُقدّم؟

ربّ قائل أنّ كلا الاثنين يحتاجان إلى بعضهما البعض، بوتين يحتاج إلى "جزار ينتف الدجاج" على جبهات القتال، وبريغوجين يحتاج إلى من يمدّه بالمال وعدّة النتف. كما أنّ سحق قائد "فاغنر" ليس مفيداً للكرملين في هذا الوقت الحرج بالذات. والبعض قال إنّ اللقاء أيضاً إشارة إلى النّخبة الأوليغارشية الرّوسية هدفها نشر الطمأنينة بعدما بدأ الكثير من روّادها بالفرار من البلاد. موقع R.Politik الرّوسي المستقل، ووفق ما أوضحت مؤسّسته تاتيانا ستانوفايا: "أنّ رجال الأعمال الرّوس كانوا في حالة من التيه، وتساءلوا إذا كان بريغوجين معنا أو ضدّنا". مشيرة إلى أنّ الهدف من الاجتماع "إيصال الرسالة التالية لهم: "بريغوجين لا يزال ذئباً أوليغارشياً نظامياً".

غير أنّ ما حدث، أعاد فتح دائرة النّقاش حول بوتين ورئاسته، وهل انتهت آماله بالترشّح لولاية رئاسية جديدة، وبدأ البحث بالفعل عن خليفة له، أم أنّ بوتين لا يزال ممسكاً بقبضة قوية على زمام الأمور في الدّاخل الروسي، وما جرى لا يتجاوز زوبعة في فنجان؟

بالنّسبة لأستاذة الشؤون الدولية، حفيدة الزعيم السوفياتي السّابق نيكيتا خروتشوف، نينا خروشيفا، أنّ موقف الرّئيس بوتين أصبح أضعف وأضعف، على رغم كونه "المنتصر" على يفيغيني بريغوجين في نهاية أعمال التمرّد. لكن خروشيفا تحذّر من توقّع حدوث تغيير سريع، بالقول "نشأت في ظلّ حكم خليفة خروتشيف وبريجنيف. بدا الأمر وكأنّ حكمه سينهار تماماً في أيّ لحظة، لكنّ الأمر استغرق نحو 18 سنة، لكي ينهار".