في ما يتعلّق بالبعد الجيوسياسي فإنّ انضمام إيران إلى منظّمة شنغهاي للتّعاون سيساهم إلى حدّ كبير في تدعيم موقف روسيا والصّين
بعد عام من موافقة الدول الأعضاء في منظّمة شنغهاي للتّعاون على انضمام إيران بشكل كامل إلى المنظّمة، وقّع وزير الخارجيّة الإيرانيّ حسين أمير عبد اللهيان وجانغ مينغ الأمين العام لمنظّمة شنغهاي، مساء الأربعاء الواقع فيه 12 تموز 2023 في سمرقند في أوزبكستان على مذكّرة تضمن لإيران العضويّة الكاملة في المنظّمة. وقد أتت هذه الخطوة بعد نحو 16 عاماً من انضمام إيران إلى المنظّمة بصفة عضو مراقب، ممّا سيكون له أثر كبير على التوازنات في أوراسيا على الصعيدين الجيوسياسي والاقتصادي، وقلبها لصالح القوى الأوراسية في مواجهة القوى الغربيّة بقيادة الولايات المتحدة الأميركيّة.
أثَر انضمام إيران على البعد الجيوسياسي
في ما يتعلّق بالبعد الجيوسياسي فإنّ انضمام إيران إلى منظّمة شنغهاي للتّعاون سيساهم إلى حدّ كبير في تدعيم موقف روسيا والصّين، خصوصاً لجهة ضمان الأمن والاستقرار في منطقة وسط آسيا، بما يجعل موسكو تؤمّن ظهرها وهي تواجه الغرب في أوكرانيا وشرق أوروبا وشرق المتوسط، ويجعل بكّين تؤمّن ظهرها في وسط آسيا لتركّز جهودها على مواجهة محاولات التّطويق، التي يحاول الغرب فرضها عليها في منطقة جنوب وشرق آسيا. ومعروف تاريخياً أنّ منطقة وسط آسيا شكّلت دائماً خاصرة رخوة في الأمن القومي الصيني والرّوسي وحتّى الإيراني. فمن هذه المنطقة كانت تنطلق عبر التاريخ الغزوات التي كانت تسيطر على الصّين وروسيا وإيران لفترات طويلة.
وهذا هو السبب الذي جعل الممالك الصينية تبدأ ببناء سور الصين العظيم منذ الألف الأوّل قبل الميلاد، بغية صدّ الهجمات التي كانت تشنّها قبائل وسط آسيا ضدّها. كذلك فإنّه من هذه المنطقة كانت تنطلق الغزوات التي تسيطر على روسيا. وهذا الذي جعل البطل الروسي ألكسندر نفسكي، الذي خلّص روسيا من الخطر الألماني المتمثّل بالفرسان التوتون في القرون الوسطى، يقول إنّ على الرّوس أن يبقوا أعينهم على الغرب وأن يبحثوا على أصدقاء في الشّرق. كذلك فإنّه من هذه المنطقة كانت تنطلق الغزوات التي تدخل من بوابة خراسان لتشيع الدمار في إيران. والجدير ذكره أنّ ذكريات الغزوات المغولية والتتارية بين القرنين الثالث عشر وأوائل الخامس عشر لا تزال ماثلة في أذهان الصينيين والرّوس والإيرانيين في يومنا هذا.
وفي نهاية القرن العشرين استشعر الرّوس والصينيون محاولات أميركية لبسط هيمنة واشنطن على منطقة وسط آسيا التي يسمّيها مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبغنيو بريجنسكي بالبلقان الأوراسي، تشبيهاً بمنطقة البلقان في شرق أوروبا التي كانت دائماً في حالة عدم استقرار. وقد رأت موسكو وبكّين أنّ واشنطن تحاول أن تنطلق من وسط آسيا للتأثير سلباً على الاستقرار في روسيا من جهة وفي الصّين من جهة أخرى. هذا هو السّبب الذي حدا بالقوّتين الأوراسيتين إلى السّعي لتشكيل منظّمة تضمن التعاون بينهما من جهة وبين أربعة دول من وسط آسيا هي قرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان. وقد تمّ إطلاق المنظّمة في حزيران 2001 وكان الهدف المعلن كما جاء في الوثيقة التأسيسية للمنظّمة هو "ضمان الأمن والاستقرار في منطقة وسط آسيا ومحاربة الحركات الانفصالية".
وقد رأت الولايات المتّحدة في تشكيل المنظّمة محاولة للحدّ من نفوذها في وسط آسيا الذي تصاعد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991. لذا فهي استغلّت موضوع وقوع هجمات تنظيم القاعدة ضدّ نيويورك وواشنطن في 11 أيلول 2001 لتجتاح أفغانستان في أواخر العام 2001 أوائل العام 2002 بذريعة مكافحة الارهاب. وهي كانت تريد من ذلك تحويل أفغانستان إلى قاعدة أميركية تطلّ منها واشنطن على منطقة وسط آسيا لتهدّد الأمن القومي الرّوسي والصّيني والإيراني. لذلك فعندما تقدّمت واشنطن بطلب لتصبح عضواَ مراقباَ في منظّمة شنغهاي رفض طلبها. وترى بكّين وموسكو أنّ إيران يمكن أن تدعم الاستقرار في منطقة وسط آسيا، وتساهم في إغلاق المنطقة أمام النّفوذ الأميركي لما لإيران من تاريخ قديم من العلاقات مع المنطقة، والذي يعود إلى زمن الدّولة الاخمينية بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد. وبالنّسبة لإيران، فعدا عن تأمين خاصرتها الرّخوة في منطقة خراسان ويعطيها حصانة في مواجهة التّهديدات الأميركية والإسرائيلية بشنّ عمليّة عسكرية ضدّها بسبب مواجهتها للهيمنة الأميركية في منطقة المشرق العربي.
انضمام إيران إلى منظّمة شنغهاي للتعاون سيمنح طهران فرصة لإقامة شراكة استراتيجية مع القوى الأوراسيّة التي تسعى لمواجهة الهيمنة الأميركية وإغلاق وسط آسيا بوجه النّفوذ الأميركي
الفوائد الاقتصادية التي تجنيها إيران
سيكون لانضمام إيران إلى منظّمة شنغهاي للتعاون مكاسب اقتصادية كبيرة على طهران التي تعاني من العقوبات الغربية المفروضة عليها منذ أكثر من أربعة عقود، وهي العقوبات التي زادت بشكل كبير منذ نحو عقدين بذريعة البرنامج النووي الإيراني. والجدير ذكره أنّ الاقتصاد الإيراني هو اقتصاد مختلط بين قطاع عام كبير مملوك للدّولة ويشكّل نحو 60 بالمئة من الاقتصاد الإيراني، مع قطاع خاص يشكّل أربعين بالمئة من الاقتصاد. ويشكّل النّفط والغاز أكبر قطاعين اقتصاديين في إيران مع تقديرات بامتلاك طهران 10 بالمئة من احتياطيات النفط العالمية و15 بالمئة من احتياطيات الغاز. ومن شأن اندماج إيران بمنظّمة شنغهاي للتعاون التأثير إيجاباً على الاقتصاد الإيراني، خصوصاً أنّ هذه المنظّمة تضمّ ثلاثة من الاقتصادات المتقدّمة في العالم وهي الصّين والهند وروسيا.
ففي ما يتعلّق بالصّين فإنّ علاقات قويّة تجمعها بإيران توّجت قبل سنوات قليلة بتوقيع اتفاق شامل للتعاون الاقتصادي بقيمة 450 مليار دولار على مدى 25 عاماً. وتعتبر الصّين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لإيران. وفي السنوات الأخيرة، بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين نحو عشرين مليار دولار سنويا. وتستورد الصّين النّفط والغاز بشكل أساسي من إيران، بينما تصدّر سلعًا مثل الإلكترونيات والآلات والمنتجات الاستهلاكية. وتعتبر إيران شريكاً حيوياً للصين التي تبحث عن مصادر للطّاقة لا تهيمن عليها الولايات المتّحدة. وقد استثمرت الشركات الصينية بكثافة في قطاع الطّاقة الإيراني، وشاركت في مشاريع النّفط والغاز وتوقيع اتفاقيّات طويلة الأجل لواردات النّفط.
وتلعب الصّين دور رئيسي في تطوير البنية التحتية الإيرانية، بما في ذلك قطاعات النّقل والاتصالات والطّاقة. وقد شاركت الشركات الصّينية في بناء الطرق والسكك الحديدية والموانئ في إيران. بالإضافة إلى ذلك، استثمرت الصّين في قطاعات مثل التصنيع والبناء والتكنولوجيا. وردّاً على العقوبات الاقتصادية الغربية على إيران زادت الصين من انخراطها الاقتصادي مع إيران، وقدّمت الدّعم المالي للمساعدة في التخفيف من تأثير هذه العقوبات. كما تعدّ إيران أيضًا شريكًا مهمّاً لمشروع الصّين الطموح لمبادرة الحزام والطريق، والذي يهدف إلى ربط آسيا بأوروبا وأفريقيا من خلال تطوير البنية التحتية وتسهيل التجارة. تتيح المشاركة الإيرانية في مبادرة الحزام والطريق لكلا البلدين فرصًا لزيادة التعاون الاقتصادي بينهما.
وتجمع إيران بالهند علاقات اقتصادية قويّة خصوصاً وأنّ الهند تعتبر من أكبر مستوردي النّفط والغاز الإيرانيين. وقد ساهمت الهند في تطوير ميناء شابهار الإيراني الذي تسعى نيودلهي لاستخدامه كمدخل للوصول إلى أسواق آسيا الوسطى. كذلك فإنّ التجارة بين البلدين تشمل الموارد الزراعية، والأدوية والسلع الهندسية والمنسوجات. ويهدف البلدان لزيادة حجم التجارة بينهما ليصل إلى 30 مليار دولار سنوياً. كما تشارك الهند بتطوير البنى التحتية في إيران إضافة إلى التبادل الطلابي والبحثي بين البلدين.
وأخيراً فإنّ علاقة قوية تجمع إيران بروسيا. ويتبادل البلدان مجموعة كبيرة من السلع بما في ذلك المنتجات الزراعية والآلات والمعادن وموارد الطاقة. وقد بلغ حجم التجارة بينهما نحو 2 مليار دولار في العام 2019. وفي عام 2020، استوردت إيران كمّيّة قياسية من القمح الروسي، وصلت إلى 1.1 مليون طن. ويشكل مجال الطاقة أحد مجالات التعاون الرئيسية بين طهران وموسكو. ففي عام 2020، وقعت شركة غازبروم الرّوسية اتفاقية مدّتها 5 سنوات لتزويد إيران بالغاز، بقيمة إجمالية تقدّر بنحو 10 مليارات دولار. ولقد استثمرت الشركات الرّوسية في صناعات النفط والغاز الإيرانية، خصوصاً في مشاريع التنقيب والإنتاج المشتركة. إضافة إلى ذلك فلقد أقام البلدان اتفاقيات متعلّقة بالطاقة، بما في ذلك مقايضات النفط والمشاريع المشتركة. وبسبب العقوبات الغربية على كل من إيران وروسيا، فلقد سعت الدولتان إلى تعزيز تعاونهما المالي. ولقد عملتا على إنشاء آليات لتعزيز التجارة الثنائية وتسهيل المعاملات المصرفية بالعملات الوطنية، والحدّ من الاعتماد على الدولار الأمريكي.
ولقد أعربت إيران وروسيا عن اهتمامهما بالتّعاون في مشاريع النقل والبنية التحتية. ويشمل ذلك ممر النّقل بين الشمال والجنوب، والذي يهدف إلى ربط روسيا وإيران والهند من خلال شبكات السّكك الحديدية والطّرق الحديثة. وقد وقّعت شركة السكك الحديدية الروسية عقدًا بقيمة 1.2 مليار دولار لكهربة خطّ السكك الحديدية في إيران وتحديثها. وتتعاون إيران وروسيا في المجال الصناعي خصوصاً في مجال التكنولوجيا والاتصالات وصناعة الدًواء والتعاون في مجال غزو الفضاء. وتساعد روسيا إيران في تطوير برنامجها للطًاقة النووية. وفي عام 2017، أكملت روسيا بناء أوّل محطة للطّاقة النووية في إيران وهي محطّة بوشهر للطاقة النووية والتي تبلغ طاقتها 1000 ميغاواط. وعلى صعيد السياحة يزداد التبادل السياحي بشكل كبير بين البلدين. وفي عام 2019 زار حوالي 60 ألف سائح روسي إيران، والرقم مرشّح للارتفاع بشكل كبير خصوصاً بعد إغلاق أوروبا الغربية أبوابها في وجه السيّاح الروس.
خلاصة
إنّ انضمام إيران إلى منظّمة شنغهاي للتعاون سيمنح طهران فرصة لإقامة شراكة استراتيجية مع القوى الأوراسيّة التي تسعى لمواجهة الهيمنة الأميركية وإغلاق وسط آسيا بوجه النّفوذ الأميركي، كما أنّ هذه العلاقة تمنح إيران حصانة في مواجهة التهديدات الأميركية بتوجيه ضربة عسكرية ضدّها، في الوقت الذي تتحدّى طهران نفوذ الولايات المتحدة في منطقة المشرق العربي. كذلك فإنّ هذه العلاقة ستعطي إيران ميّزات اقتصادية هي بأمسّ الحاجة إليها في الوقت الذي يزيد فيه الغرب الضغوط الاقتصادية عليها عبر العقوبات التي يفرضها ضدها، خصوصاً أنّ منظّمة شنغهاي للتعاون ورديفتها منظّمة بريكس تسعيان لإقامة فضاء مالي يستبدل الدولار في التعاملات الاقتصادية بالعملات الوطنية للدّول الأعضاء في منظمتي شنغهاي وبريكس.