"هناك فرق كبير بين الإفلاس، وبين إعلان المصرف التوقّف عن الدفع وفقاً للقانون 2/67"، تقول المحامية والعضو في اللجنة القانونية لـ "رابطة المودعين"، دينا أبو زور
توارد الأخبار عن تقدّم "فرنسابنك" من مصرف لبنان بطلب إعلان افلاسه، فتح شهيّة بعض المودعين للدّعوة إلى توسيع بيكار الإفلاس ليطال كلّ البنوك. عن جهل، أو عن قصد، يقع المودعون، والمدافعون عنهم، في فخّ تحقيق مصلحة بعض أصحاب المصارف على حساب مصلحتهم والصالح العام. ولا يدري القسم الأكبر من المودعين أنّ إفلاس المصرف لا يعيد ودائعهم، بل يدخلهم بمتاهات "تبخّر" موجودات المصارف، والتعويضات الزهيدة لـ"المؤسسة الوطنية لضمان الودائع".
الفرق بين "الإفلاس" و"التوقّف عن الدفع"
"هناك فرق كبير بين الإفلاس، وبين إعلان المصرف التوقّف عن الدفع وفقاً للقانون 2/67"، تقول المحامية والعضو في اللجنة القانونية لـ "رابطة المودعين"، دينا أبو زور. "فالأوّل لا يحقّق مصلحة المودع، ويضرّ بالاقتصاد والمجتمع. فيما يضمن العمل وفق قانون "توقف المصارف عن الدّفع"، كفّ يد رؤساء مجالس إدارات المصارف، وإجراء تدقيق في ميزانياتها، وتبيان حجم الموجودات والمطلوبات. وملاحقة أصحاب المصارف بأملاكهم الخاصّة وأملاك زوجاتهم وأولادهم. واسترداد الودائع المهرّبة إلى الخارج، ما يتيح تغطية الودائع الموجودة في المصرف". وبناءً على هذا التقييم يظهر واضحاً المصرف القادر على الاستمرار من ذلك العاجز الذي يحتاج إلى تصفية"، بحسب أبو زور. "وهذا هو السياق القانوني لإعمال مبدأ الإفلاس، بمعنى تفعيل قانون التوقّف عن الدفع 2/67. أمّا إذا اتجهت المصارف للإفلاس بشكل احتيالي، أو إعلان إفلاسها بالشّكل الذي يطرح فيه، فيعتبر تهرّب ويستوجب التصدّي له حماية لحقوق المودعين".
ما هو القانون 2/67؟
باختصار هو قانون أُقرّ في العام 1967 لمعالجة أزمة بنك انترا والأزمات المشابهة التي تصيب القطاع المصرفي. وأبرز ما يهدف له القانون هو منع إفلاس المصرف المتعثّر، ومحاولة إنقاذه، ومحاسبة المسؤولين عنه مدنياً أو جزائياً. وبحسب محاضرة للمحامي إيلي حشاش منشور نصها في مجلة "محكمة" يتبيّن أنّ "مما يفهم من مبررات وضع القانون 2/67 هو إنقاذ المصرف المتوقّف عن الدفع من الإفلاس المطبق على التّجار والشّركات التجارية والمنظم في قانون التجارة. ذلك أنّ وضع وأهمية المصرف المتوقّف عن الدّفع، يختلف عن وضع التاجر الفردي أو الشركة التجارية، نظراً لأهمّية وتشعّب المصالح المرتبطة بها". وبحسب المحامي إيلي حشاش "يفرّق هذا النظام بين المؤسسة المصرفية بحدّ ذاتها والأشخاص القيّمين عليها، والذين يتولّون إدارتها، ويخضعهم لنظام خاص. لا سيّما من حيث المسؤولية وحجز ممتلكاتهم". كما "ويهدف هذا النظام إلى الإفساح بالمجال للمؤسسة المصرفية بمتابعة أعمالها، وإعادة تعويمها بمختلف الطرق، وعلى مراحل لتجنيبها التصفية".
الإفلاس يريح المصارف ولا يخدم المودعين
انطلاقًا من أهمّية الحفاظ على المصارف كمؤسسات، وليس على المصرفيين، "طالبت رابطة المودعين منذ اليوم الأول لتوقّف المصارف عن الدفع، بتفعيل القانون 2/67، بما يمثّل من حلّ طبيعيّ لأزمة القطاع المصرفي"، تضيف أبو زور. "وقد شاركنا هذا الطرح مع صندوق النقد الدولي، ودفعنا باتجاه تطبيقه سريعاً لكونه أثبت فعاليته في معالجة أزمة بنك انترا، وساعد المعنيين على التوصّل إلى نتائج سريعة".
الإفلاس قد يريح المصارف، حيث يعوّض على المودعين بحدود الموجودات التي يملكها المصرف، والباقي يحوّل إلى مؤسسة ضمان الودائع التي تعوض على المودع إلى حدود 75 مليون ليرة بالحدّ الاقصى. في المقابل يأتي دور "المؤسسة الوطنية لضمان لودائع" في المرحلة الثانية من القانون 2/67. وذلك بعكس حالات الإفلاس التي تعوّض الحقوق منها.
انطلاقاً مما تقدم تعتبر أبو زور أنّ "التسويق لإفلاس المصارف خطير في هذه المرحلة. فالبعض يحاول إفهام المودعين بشكل غير منطقي وغير صحيح بأنّ مصلحتهم في تفليس المصارف، وهذا غير صحيح. ومما ساعد على تجذّر المشكلة أكثر هو مجافاة مصرف لبنان تطبيق القانون 110/91 الذي يسمح لحاكم المصرف المركزي تقرير إن كان المصرف يستطيع الاستمرار، أم لا. وهذا ما لم يحدث أيضاً. وعليه يجب الإسراع في تطبيق القانونين المذكورين سريعاً، حتى لا يهرّب أصحاب المصارف ثرواتهم. خصوصاً أنّ القانون 2/67 يتيح ملاحقتهم بأملاكهم الخاصة".
دور الهيئة المصرفية العليا
من جهة ثانية يرى المستشار المالي والمصرفي غسان أبو عضل أنّ "الهيئة المصرفية العليا تلعب دوراً أساسياً في متابعة إفلاس المصارف. فهي تملك سلطة عزل مجلس الإدارة، وتعيين حارس قضائي. وبالتالي تبيان حقيقة وضع المصرف، وإن كان متعثّراً أو متّجه للإفلاس. ومن بعدها التوصية بتصفيته وتعيين مصفٍ له، يشرف على عملية التصفية". إلّا أنّه نظراً للأوضاع الحالية، وعدم اقتصار المشكلة بمصرف أو اثنين.. إنّما بعدد أكبر بكثير، فإنّ "الهمّ ينحصر بالمودعين وإن كان هذا المسار يؤثّر عليهم، وعلى إمكانية تحصيل حقوقهم". وبرأي أبو عضل فإنّ "بعض المصارف لم يستطع الالتزام بمندرجات التعميم 154 الصادر منذ ثلاث سنوات، والذي يفرض على المصارف زيادة رساميلها من أجل الحفاظ على أموال المودعين. وملفّات هذه المصارف موجودة لدى الهيئة المصرفية العليا. والمطلوب من مصرف لبنان اتخاذ إجراءات بهذا الخصوص".
استنزاف أموال المودعين مستمرّ
أمام هذا التخبّط يستمرّ استنزاف أموال المودعين في مصرف لبنان. "وقد بُدّد من مجمل الودائع منذ 17 تشرين الأول 2019، ولتاريخه 51 مليار دولار"، بحسب أمين عام جمعية المصارف د. فادي خلف، في افتتاحية التقرير الشهري لجمعية المصارف. "فقد انخفضت التسليفات للقطاع الخاص من 38 مليار دولار إلى حوالي 9 مليار دولار. وهذا يعني أنّه تمّ تسديد 29 مليار دولار من أموال المودعين إمّا بالليرة أو بالدولار المحلّي؛ أي بغير قيمتها الحقيقية. وتمّ استخدام حوالي 22 مليار دولار منذ بدء الأزمة من الاحتياطي الإلزامي لتمويل المحروقات والأدوية والطحين، ولتلبية احتياجات الدّولة من العملات الأجنبية، ولدفع رواتب القطاع العام، وللتدخّل لدعم الليرة اللبنانية من خلال منصّة صيرفة".
"كلّما تأخّرنا في إقرار الإصلاحات، كلّما تضاءل هامش التعويض على المودعين أكثر. فالقدرة على حماية صغار المودعين تقلّصت من ضمان إرجاع إلى حد 500 ألف دولار من الوديعة في العام 2020 إلى أقلّ من 50 ألف دولار راهناً"، بحسب المحامية أبو زور. وعليه، لا بديل عن السّير بخطة وفقاً للاتفاق المبدئي الذي حصل مع صندوق النّقد الدولي، من أجل صون ما تبقّى من حقوق للمودعين، ولاسيّما الصغار منهم.
كلّما تأخّرنا في إقرار الإصلاحات، كلّما تضاءل هامش التعويض على المودعين أكثر