تؤكَّد أوساط مواكبة للأحداث الفرنسية أنّ الجالية اللبنانية في فرنسا بمعظمها إلى جانب الجمهورية الفرنسية ورموزها ومع حفظ الأمن والنظام، جازمةً "أنّ أحداً من اللبنانيين لم يشارك في أعمال السلب والسرقة والشغب الحاصلة".

‎يتابع اللبنانيون الأحداث الفرنسية الأخيرة عن كثب وبكثير من الإهتمام، نظراً للروابط التاريخية والسياسية المعروفة بين البلدين، إذ أنّه وعلى بعد أيام من مغادرة الموفد الرئاسي الفرنسي جان - ايف لودريان أواخر الشهر الفائت، والذي جاء بنيّة حلّ أمّ الأزمات اللبنانية (الشغور في سدّة الرئاسة الأولى)، ها هي نيران الاحتجاجات تؤجّج ليل فرنسا الهادئ وتجعله صاخباً يتقلّب على نار المقرّات الحكومية والسيارات والمتاجر التي تستعر في أنحاء مختلفة من البلاد (مرسيليا وليون وتولوز وستراسبورغ وليل بالإضافة إلى باريس)، فعلى الرغم من تعبئة 45 ألف شرطي ودركي تحسّباً، إلّا أنّ السلطات الفرنسية تقف عاجزة أمام احتواء المشهد الذي بدأ بمقتل الشاب الجزائري نائل (17 عاماً) برصاص الشرطة في ضاحية نانتير في باريس.

‎عملية القتل التي وضعت الشرطة الفرنسية في خانة الإتهام بالعنصرية، تبعها مواجهات عنيفة بين الشرطة والمحتجّين فضلاً عن أعمال النهب التي لم توفّر متجراً للأسلحة في مرسيليا، وهو ما زاد من المخاوف بأن تتدهور الأمور بشكل خطير، وعلى الرّغم من طمأنة الشرطة بأنّ هذه الأسلحة من دون ذخيرة، إلّا أنّها لا تزال تشكّل الهاجس الأول لرجال الأمن الفرنسيين.

الجالية اللبنانية إلى جانب الجمهورية الفرنسية ورموزها ومع حفظ الأمن والنظام

‎ومع طلوع فجر اليوم السبت 1 تموز، تراجعت حدّة الاحتجاجات التي سُجّل خلالها اصابة أكثر من 80 عنصراً من رجال الشرطة والدرك، في حين بلغت حصيلة الاعتقالات نحو 1300 شخص. أمّا الأضرار في الممتلكات، فقد بلغ عدد السيارات التي أُضرمت بها النيران الـ1350 سيارة، بينما تعرض 234 مبنى للتخريب، كما أحصي 2560 حريقاً على الطرقات العامة.

‎من جهتها، تؤكَّد أوساط مواكبة للأحداث الفرنسية أنّ الجالية اللبنانية في فرنسا بمعظمها إلى جانب الجمهورية الفرنسية ورموزها ومع حفظ الأمن والنظام، جازمةً "أنّ أحداً من اللبنانيين لم يشارك في أعمال السلب والسرقة والشغب الحاصلة".

‎وتقول الأوساط نفسها: "إنّ فرنسا على حافة حرب أهلية إذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه الآن، خصوصاً في ظلّ الدعوات الفرنسية للنزول إلى الشارع لمواجهة مثيري الشغب تحت عناوين حماية الأملاك العامة والخاصّة وهنا مكمن الخطر"، لافتةً إلى أنّ رقعة الشغب لم تنحسر حتى اللحظة، بل تتمدّد إلى المدن الفرنسية كافة خصوصاً التي فيها ضواحٍ تحتوى أعداداً من المهاجرين.

هل تستدعي فرنسا الجيش للنزول إلى الشوارع أو تقوم بتفعيل المادة 16 من الدستور؟

‎وتشدّد المصادر على أنّ حكومة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تحاول مواجهة ما يحصل من خلال زيادة عديد الشرطة على الأرض ولكنها تعجز عن الإستمرار بذلك لأيام طويلة نظراً لما تتكبده قواتها من جرحى في صفوفها.

‎وتكشف الأوساط عن أنّ "الأحزاب اليمينة تفرك يديها فرحاً لما يحصل لأنّها سبق لها وحذرت من ذلك"، موضحةً أنّ الأزمة الحالية من أكبر الأزمات التي تواجه فرنسا منذ ثورة الطلاب عام 1968 (ما قبل تولي ماكرون سدة الحكم بأكثر من نصف قرن).

‎وتختم الأوساط نفسها بـ"أنّ فرنسا تعيش حال طوارئ غير معلنة ويمكن للحكومة استخدام أوراق أخرى لاحتواء الموقف قد تبدأ بإستدعاء الجيش للنزول إلى الشوارع، ولا تنتهي بتفعيل المادة 16 من الدستور الفرنسي التي تعطل كل الحياة المدنية، أي بمعنى آخر إعلان الأحكام العرفية. فمن دون حلٍ قريب وعاجل باريس ذاهبة نحو مشكلة أعقد وأكبر".

‎وتعاني فرنسا من أزمة هجرة شرعية وغير شرعية وضعت سلطاتها أمام امتحانات كبرى لأكثر من عقد من الزمن، وتطال مختلف القطاعات ولها ما لها من تأثيرات إجتماعية وإقتصادية وسياسية على البلاد، والتي قد تعجز أحياناً عن احتوائها كما هو حاصل اليوم، في ظلّ قلق متزايد من توسّع قاعدة أحزاب اليمين الفرنسية، وبروز حركات متشددة جديدة تهددّ وجود الأحزاب الحاكمة في البلاد.

‎ورغم الصعوبات التي لطالما واجهتها خلال تعاملها مع أزمة المهاجرين، إلّا أنّها وفي تأكيد على متانة علاقتها بلبنان اللبنانية منذ زمن الانتداب الفرنسي، قررت الخارجية الفرنسية استثنائياً، إصدار التأشيرات للمواطنين اللبنانيين المقيمين في لبنان، عقب انفجار 4 آب 2020 الذي قتل أكثر من 218 شخصاً بينهم مفقودين حتى اليوم، وإصابة أكثر من 7000 آخرين كما نتج عنه دمار هائل شمل أكثر من 50 الف وحدة سكنية في بيروت وضواحيها.

‎كذلك، وعلى الرغم من الانتشار المتنامي للغة الإنكليزية في المحيطين الاقتصادي والإعلامي للبنان، إلّا أنّ الفرنكوفونية لا تزال حيَّةً في البلاد فيما يعتبر ترويج اللغة الفرنسية ضرورة استراتيجية، ويؤدي المعهد الفرنسي للشرق الأدنى الذي نُقل إلى بيروت في عام 2011 دوراً بارزاً في مجال البحوث ونشر المعارف في المنطقة بالتعاون مع المؤسسات المحلّية والدولية، حيث وقعت الوكالة الفرنسية للتنمية الحاضرة في لبنان منذ عام 1999، نحو 30 اتفاق تمويل بمبلغ إجمالي تصل قيمته إلى 1195 مليون يورو.

‎في سياق منفصل، وجهت قاضية فرنسية إلى مساعدة حاكم مصرف لبنان السابقة، ماريان الحويّك، مساء أمس الجمعة، تهم فساد مالي، وذلك في ختام جلسة استماع عقدت في باريس، في إطار التحقيقات الجارية حول ثروة رياض سلامة في أوروبا، إذ أفاد مصدر قضائي فرنسي بأنّ قاضية التحقيق وجهت إلى الحويّك تهمتي تشكيل عصابة إجرامية وتبييض أموال ولعبت دوراً بارزاً في هذا المخطط الإجرامي المفترض.

‎كذلك، أمرت القاضية الفرنسية بوضع الحويّك (43 عاماً) تحت مراقبة قضائية ومنعها من التواصل مع مصرف لبنان المركزي أو العمل فيه وبإلزامها دفع ضمان مالي بقيمة 1.5 مليون يورو. وتعليقا على قرار قاضية التحقيق، قال وكيل الدفاع عن الحويّك المحامي، ماريو ستاسي: "إنَّ موكلته تنفي الاتهامات وستقدّم الأدلة التي تؤكّد أنّ الأموال المجمعة أتت بشكل أساسي من هبة منحها إياها والدها حين كان على قيد الحياة، وهو كان رجل أعمال ثري".

‎يُذكر، أن دولاً أوروبية عدّة بينها فرنسا، تحقّق في ثروة سلامة حول إساءة استخدامه أموالاً عامة لبنانية على نطاق واسع خلال تولّيه حاكمية مصرف لبنان منذ أكثر من ثلاثة عقود.