انشغل العالم خلال الأيام الماضية بالبحث عن مجموعة فاغنر ومؤسسها يفغيني بريغوجين. ورغم أن اسم فاغنر اشتهر أخيراً نتيجة الحرب في أوكرانيا إلّا أنّه اسم معروف لمتابعي الشأن العسكري والحروب حول العالم، وما دفع اسم فاغنر إلى واجهة الاهتمامات هو التطورات التي طرأت وتحديداً في داخل الأراضي الروسية، والحديث عن اجتياح برّي وتهديدات متبادلة بين فاغنر من جهة والقيادة الروسية من جهة ثانية.

فمن هو يفغيني بريغوجين الذي يقف خلف مجموعة فاغنر، وما هي هذه المجموعة العسكرية أصلاً. سنحاول في هذه الأسطر أن نقدّم صورة عن الرجل ومنظمته العسكرية.

ولد يفغيني بريغوجين ونشأ في لينينغراد (سانت بيترسبرغ حاليًا) في الاتحاد السوفياتي في 1 حزيران 1961 لأمّ روسية هي فيوليتا بريجوزينا ووالد يهودي توفي بعد ولادة بريغوجين بوقت قصير. وقد تزوّجت والدته من يهوديّ آخر تولّى تربيته، فيما كانت هي تعيل ابنها وأمها المريضة بالعمل كممرضة. في العام 1979 أوقف بريغوجين بتهمة السرقة وحكم عليه بالسجن لعامين مع وقف التنفيذ. إلّا أنّه في العام 1981 تم القبض عليه مّرة أخرى بتهم السرقة والاحتيال وتوريط قصّر في أعمال السرقة، وحكم عليه بالسجن لإثني عشر عاما، قضى منها تسع سنوات في السجن قبل أن يخرج في العام 1990 بعفو عام.

بعد إطلاق سراحه بدأ بريغوجين ببيع النقانق مع والدته وزوج والدته في لينينغراد، في زمن كان الاتحاد السوفياتي يقوم بالانفتاح الاقتصادي، ما جعل بريغوجين يحقّق أرباحاً كبيرة. بعد ذلك وسّع أعماله إلى تجارة البقالة، وأصبح شريكاً في شبكة متاجر كونتراست في سانت بيترسبرغ التي أسّسها صديق له هو بوريس سبيكتر. في عام 1995، انتقل بريغوجين إلى مجال المطاعم واستطاع امتلاك عدد من المطاعم الفخمة في سانت بيترسبرغ. في العام 2001 يقال إنّ بريغوجين قدّم الطعام بنفسه إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان يستقبل آنذاك الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك ما مهّد لقيام علاقة بينهما ستقوى مع الوقت.

على مدار العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين تقرب بريغوجين أكثر من فلاديمير بوتين. وبحلول العام 2003 كان قد تخلّى عن شركائه وأسّس شركته الخاصة التي بدأت بالحصول على العديد من العقود الحكومية التي درّت عليه أرباحاً بمئات ملايين الدولارات. وفي العام 2012، حصل بريغوجين على عقد لتزويد الجيش الروسي بوجبات بقيمة 1.2 مليار دولار على مدى عام واحد.


تأسيس شركة فاغنر ودورها

في العام 2014 أسّس بريغوجين مجموعة فاغنر العسكرية لدعم المجهود العسكري الرّوسي خصوصاً في ضمّ شبه جزيرة القرم بعد الانقلاب الذي قاده بيترو بوروشينكو في أوكرانيا بدعم من الولايات المتحدة والغرب. وفي المرحلة الأولى فضّل بريغوجين البقاء خلف الكواليس ليترك الواجهة لضابط متقاعد في الجيش الروسي هو ديمتري اوتكين، مقدّماً إيّاه على أنّه زعيم المجموعة. وقد شاركت مجموعة فاغنر في الدفاع عن جمهوريتي لوغنسك ودونيتسك بعد العام 2014 ضد كييف، في وقت كانت موسكو لا تريد أن تتدخّل مباشرة في أوكرانيا. وقد وسّعت المجموعة عملها إلى سوريا حيث أرسلت متطوّعين للقتال إلى جانب الجيش العربي السوري ضد الجماعات الإرهابية المسلّحة.

بعد سنوات قليلة على تأسيسها كانت مجموعة فاغنر قد أصبحت حاضرة أيضا في عدد من البلدان الأفريقية مثل ليبيا، حيث تدعم قوات الجنرل خليفة حفتر المؤيّد للبرلمان الليبي ضدّ حكومة الوفاق، وفي مالي وغينيا بيساو وأفريقيا الوسطى. إضافة إلى ذلك فإنّ مجموعة فاغنر عقدت علاقات قوية مع قوّات الدعم السريع في السودان بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، التي تخوض حالياً مواجهة مع قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان. ويقال إنّ العلاقات مع دقلو مهّدت لمجموعة فاغنر الوصول إلى مناجم الذهب في السودان، ما ساعد روسيا على تكوين احتياطي كبير من الذهب، في الوقت الذي كانت تستعدّ فيه لاندلاع المواجهة مع الغرب في أوكرانيا.

في أيلول الماضي اعترف بريغوجين أنّه هو القائد الفعلي لفاغنر ما عرّضه لعقوبات غربية، خصوصاً أنّ قوّاته كانت قد بدأت تلعب دوراً كبيراً في المعارك الجارية في أوكرانيا. وقد قامت مجموعة فاغنر بتجنيد عدد كبير من المتطوّعين من بينهم محكومين في السجون الروسية للقتال في أوكرانيا. وقد كان لمقاتلي المجموعة دور رئيسي في المعارك التي دارت في مدينتي سوليدار وباخموت (ارتيموفسك) التي تمكّن الروس من السيطرة عليها خلال الأسابيع الماضية.