خلال الأيام القليلة الفائتة احتار المواطن بين البكاء والضحك. فنغمة قيام أشخاص باسترداد جزء من عقارهم الخاص من البحر والقيام بردمه لأنّ البحر اعتدى وغمر مع السنين هذه المساحة، ارتفعت وتوسعت. أمرٌ مُضحك لكن نتائجه كارثية على الملك العام البحري والشاطىء.

عندما تصل إلى الشاطىء وترى جرافة وآليات ثقيلة تعمل على ردم مسطحات صخرية ومائية في قلب البحر وتقضي على حياة بحرية ومساحات من الشاطىء كانت حتى الأمس القريب نقطة تنفّس للمواطن، عندها تعلم أنَّ مضمون الرخص الصادرة عن وزارة الأشغال العامة والنقل للردم بحجّة استرداد عقار خاص من البحر، أخطر من الجدل حول الشّكل القانوني وتوفر الأثر البيئي وتتعدّاها إلى ظاهرة خطيرة تكاد تكون أفظع من الإعتداءات التي طاولت الملك العام في زمن الحرب والفوضى.

خلال الأيام القليلة الفائتة احتار المواطن بين البكاء والضحك. فنغمة قيام أشخاص باسترداد جزء من عقارهم الخاص من البحر والقيام بردمه لأنّ البحر اعتدى وغمر مع السنين هذه المساحة، ارتفعت وتوسعت. أمرٌ مُضحك لكن نتائجه كارثية على الملك العام البحري والشاطىء.

التبرير ينطلق من أنَّ هؤلاء أحضروا ورقة من البلدية لا تمانع باسترداد عقار خاص وخرائط طوبوغرافية

في الدامور والناقورة استفاد ناظم سعيد أحمد ونور سليم خوري من رخص صادرة عن وزير الأشغال والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية لاسترداد ما غمره البحر من عقارات يقولون أنّها خاصة. حمية ليس أول من أعطى مثل هذه الرّخص لأن هناك أمثلة مختلفة من عام 2010. التبرير ينطلق من أنَّ هؤلاء أحضروا ورقة من البلدية لا تمانع باسترداد عقار خاص وخرائط طوبوغرافية، كما أنَّ الموافقة تفترض احترام الملك العام البحري والمحافظة على البيئة البحرية تحت طائلة سحب الترخيص عند المخالفة وملاحقة المرتكب جزائياً. كما أن تنفيذ الأشغال يخضع لرقابة مفرزة الشواطىء. وفيما كان الوزير يؤكّد أنّ عدم احترام الشروط سيؤدّي إلى سحب الترخيص، برز كتاب وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين بضرورة وقف الأعمال وإزالة التعديات ووقف إعطاء الرخص والأذونات والموافقات قبل إبداء الوزارة رأيها.


في الناقورة وقبل أن يصدر كتاب ياسين وقرار مدعي عام البيئة بوقف الأعمال كانت الردميات قد أُنجزت. أما في الدامور فتم ردم سكّة الحديد للمباشرة بردم البحر، لكن الأعمال توقفت بقرار بلدي أول.

وزارة الأشغال تؤكد على المرتكزات القانونية لعملها ورخصها، لكن ثمّة ريبة وخشية كبيرة من قانونية ونتائج هذه الرخص.


المحامي نزار صاغية الذي خاض مراراً نزاعات قضائية للدفاع عن الملك العام البحري، يرى أنّ المشكلة الأولى تكمن في التبرير المُقدم بأنَّ البحر إذا تقدم فإن الملكية الخاصة للعقارات تبقى خاصة ولا تفقد طبيعتها. برأي صاغية هذا التبرير خاطئ لأن فلسفة الملك العام البحري أن يكون الشاطئ متواصلاً ومحافظاً على استمراريته.

مرسوم تأمين تواصل الشواطئ رقم 5777: اضغط هنا للاطلاع عليه كاملاً.

ويركن صاغية الى أنّ المجلس الدستوري الفرنسي وعند مراجعته من أصحاب عقارات غمرها البحر، رفض الحكم بتعويض لهم حتى، إذ من غير الممكن التعويض عن كل مكان استردته الطبيعة. فالدولة تعوّض فقط على ما تتملكه بإرادتها لا بحركة الطبيعة. وبالتالي فإنّ هذه الحركة الطبيعية عندما تتمدّد تنقل المُلك إلى ملكية عامة وتُسقِط الملكية الخاصة.

كذلك، يذهب صاغية أبعد ليؤكَّد أن وزير الأشغال المؤتمن على الملك العام لا يُمكن أن يعطي إذناً باستعمال هذاىالملك، لأنّ الأمر يحتاج إلى مرسوم صادرعن مجلس الوزراء، والأخطر من ذلك، أنَّ بورقة بلدية وقرار وزير ومن دون رقابة حقيقية، يجري ردم بحر وشاطىء ونقل مساحات إلى ملك خاص. فمن يريد استرداد عقار خاص من ملك عام عليه أنَّ يلجأ إلى القضاء أولاً ليثبت بالمستندات ما يزعمه ويحصل على حكم قضائي بذلك.

من جهته، رئيس جمعية "نحن" محمد أيوب أكَّد لـ"صفا نيوز"، أنَّ البحر له أهمية بيئية وإقتصادية ورياضية وإجتماعية وصحية، وما يجري يشكّل خطراً بيئياً وتهديداً للثروة والتنوع البحري. مذكراً بالقرار الصادر عام 1952 والذي ينصّ على أنَّ الأملاك البحرية تصل إلى أبعد مدى للموج والرمل والحصى وهي تتمدّد. ومن هنا يوجد لجنة مهمتها تحديد الأملاك البحرية بشكل دوري. وبالتالي تخلص الجمعية إلى أنّ ما يحصل غير قانوني والأملاك البحرية لا تُردم ولا تُستَثمر.

هذه القضية تؤكَّد مجدداً ترهّل الدولة بمعظم مؤسساتها والتخلي عن مسؤولياتها. فمن يُعاين نقطة الردم في الناقورة مثلاً يستنتج بسرعة ظهور جُزر على الشاطئ بفعل هذه الرُخص وضرب لتواصل الشاطىء.

فهل ستمرّ هذه المخالفة وتصبح "المخالفة" أمراً واقعاً وتنضَم إلى غيرها من المخالفات والتعديات على طول الشاطئ اللبناني؟ أم أنّ الأمور يمكن أن تتغير ونشهد عملية إبطال لهذه الرخص كما حصل في موضوع مبنى المسافرين الجديد في مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي في بيروت؟ أيّا يكن ما ستنقلب إليه الأمور، يبقى الأكيد أنّ ما نعيشه يمكن وضعه تحت خانة غياب الدولة عن رعاية مصالحها العليا والمصلحة العامة.