لعبة الاستحقاق الرئاسي وصلت إلى نهايتها داخلياً، ولم يعد بإمكان الأفرقاء المعنيين أن يقدموا على أيّ خطوة عملية تنتهي إلى انتخاب رئيس من دون تدخّل خارجي عربي ـ دولي.

إذا أردنا أن نعرف ماذا جرى وسيجري على حلبة الاستحقاق الرئاسي اللبناني، علينا أن نعرف ماذا جرى ويجري بين الرياض وباريس، التي ستشهد لقاء قمة غداً الجمعة بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وكذلك علينا أن نعرف ما جرى ويجري بين دمشق والرياض، التي أقام فيها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لثلاثة أيام الأسبوع الماضي، فضلاً عن معرفة ما جرى ويجري بين الرياض وطهران التي تستعدّ لاستقبال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، تحضيراً لزيارة الرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي للعاصمة السعودية قريباً، ملبّياً الدعوة التي كان قد تلقّاها من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز غداة توقيع الاتفاق السعودي – الإيراني في بكين في العاشر من آذار الماضي.

كلّ هذه الوقائع والمعطيات، يقول قطب سياسي بارز معنيّ بالاستحقاق الرئاسي، جعلت من الجلسة الانتخابية الرئاسية الثانية عشرة في 14 حزيران، جلسة اختبار قوى مقروناً باختبار نيّات بين المعسكرين المتنافسين: "التيار الوطني الحر والمعارضة" التي تقاطع معها على ترشيح الوزير السابق والمسؤول الكبير في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور. والثنائي الوطني وحلفائه الذين يدعمون ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية. فهذا الاختبار المزدوج أراده المعسكران قبل تبلور، أو قبل إمرار "الكلمة السحرية" التي ستحدّد هويّة رئيس الجمهورية الجديد ضمن صفقة أو معادلة: "سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام رئيساً للحكومة". فهذه المعادلة التي نسجها الفرنسيون وهندسوها ونسّقوها مع المجموعة العربية الدولية الخماسية عموماً ومع السعودية خصوصاً، ما تزال قائمة على رغم كلّ ما نشر ويقال ويشاع، وهي ستكون في صلب المحادثات بين ماكرون وسلمان في قصر الأليزيه غداً، والتي إن جرى أيّ تعديل فيها فقد يطاول هذا التعديل اسم رئيس الحكومة فقط، إذا ارتأت القيادة السعودية ذلك.

غالب الظن، يضيف القطب نفسه، أنّ تظهير هذه المعادلة رسميّاً متوقّع أن يحصل في ضوء قمة ماكرون - بن سلمان، خصوصاً وأنّه سبق هذه القمّة زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا للرياض الأسبوع الماضي، ثم محادثات في باريس بين الفريق السعودي المكلّف ملفّ لبنان، والذي يضمّ المستشار في الديوان الملكي الدكتور نزار العلولا والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري وبين فريق خليّة الأزمة الفرنسي الذي انضمّ إليه وزير الخارجية الفرنسي السابق جان ايف لو دريان، بعدما عيّنه ماكرون موفداً إلى لبنان وسيزور بيروت مطلع الأسبوع المقبل.

الحركة الناشطة على خطّ الرياض – باريس تشير إلى أن العاصمتين قد وضعتا الملفّ اللبناني على نار حامية، فيما الجانب السعودي بدأ يحضّر الأرضية السورية لملاقاة هذا "الديل"

وفي رأي القطب السياسي نفسه، أنّ لعبة الاستحقاق الرئاسي وصلت إلى نهايتها داخلياً، ولم يعد بإمكان الأفرقاء المعنيين أن يقدموا على أيّ خطوة عملية تنتهي إلى انتخاب رئيس من دون تدخّل خارجي عربي ـ دولي. فأقصى ما خلص إليه هؤلاء هو أنّ بعضهم راح يكرّر الدعوة إلى الحوار في الاستحقاق توصّلاً إلى اتفاق على الرئيس العتيد والحكومة العتيدة وبرنامجها، فيما البعض الآخر ظلّ يكابر ويقول "لو انعقدت الجلسة في دورتها الثانية لكان فاز مرشحنا"، فيما الأرقام تظهر أنّ أيّ تبدّل فيها لن يغيّر في موازين القوى، بحيث تتكرّر مشهدية الجلسات نفسها بانعقاد دورة أولى ثم تطيير النصاب قبل انعقاد الدورة الثانية، في اعتبار أنّ كلّ فريق يملك أداة تعطيل هذا النصاب وهو 43 نائباً ما يحول دون توافر العدد 86 أي أكثرية الثلثين لاكتمال هذا النصاب.

ولذلك ستملأ الدعوات إلى الحوار وما يرافقها من سجالات ومناكفات الفترة الفاصلة عن موعد وصول "الكلمة السحرية" المنتظرة، والذي يتوقعه البعض أن يكون قبل نهاية حزيران الجاري، خصوصاً إذا حصل "الديل" بين السعوديين والفرنسيين خلال الأيام المقبلة، لأنّ الحركة الناشطة على خطّ الرياض – باريس تشير إلى أن العاصمتين قد وضعتا الملفّ اللبناني على نار حامية، فيما الجانب السعودي بدأ يحضّر الأرضية السورية لملاقاة هذا "الديل".

وفي أيّ حال ثمّة انطباع بأنّ العواصم المعنية بالشأن اللبناني كانت تريد حصول مثل هذا الاختبار الانتخابي في جلسة الأمس قبل أن تبني على الشيء مقتضاه، خصوصاً أنّ بين هذه العواصم من لا يزال يراهن على احتمال إجراء تغيير في المعادلة المكتوبة التي توازن بين المكوّنات السياسية، والتي أساسها أن تكون السلطة اللبنانية الجديدة متوازنة لأنّها إن لم تكن كذلك ستفشل، أو ستُفشّل مثلما فشّلت سابقتها، ما يبقي لبنان في دوامة الانهيار الذي بلغ مبلغاً خطراً يهدّد ليس اللبنانيين فقط، بل مصالح الذين أداروه أو تسبّبوا به منذ ثورة 17 تشرين إن لم يكن منذ ما قبلها بسنوات وسنوات حيث كان يتفشّى في الجسم اللبناني كالمرض الخبيث.