اعتقد كثيرون في لبنان بأنّ الانفراج في العلاقات الإيرانية السعودية سيساهم في إنتاج حلول للأزمات التي تعيشها البلاد، ومن ضمنها إنهاء حال الفراغ الرئاسي الذي يعيشه لبنان منذ تشرين الثاني الماضي، وانتخاب رئيس للجمهورية يتوافق عليه اللبنانيون برعاية إقليمية ودولية.
قبل شهرين تقريباً انعقدت القمّة السعودية الإيرانية برعاية صينيه في مشهد تفاءل فيه كثيرون من أنّه سيؤدّي إلى تغيير في حالة التوتّر في عدد من الساحات الإقليمية في منطقة المشرق العربي. وقد ساهم هذا الانفراج على صعيد العلاقات بين طهران والرياض في تخفيف الاحتقان في عدد من الساحات من ضمنها اليمن والعراق وسوريا وحتى لبنان.
وهم الانفراج السياسي في لبنان
وقد اعتقد كثيرون في لبنان بأنّ هذا الانفراج في العلاقات الإيرانية السعودية سيساهم في إنتاج حلول للأزمات التي تعيشها البلاد، ومن ضمنها إنهاء حالة الفراغ الرئاسي الذي يعيشه لبنان منذ تشرين الثاني الماضي، وانتخاب رئيس للجمهورية يتوافق عليه اللبنانيون برعاية إقليمية ودولية.
هنا جرى الحديث عن إمكانية نجاح المساعي الفرنسية للتوسّط لتقديم صيغة حلّ شامل، تأتي بالزعيم الماروني الشمالي سليمان بك فرنجية رئيساً للجمهورية، في مقابل تسمية رئيس الحكومة السابق تمّام سلام أو مندوب لبنان السابق في الأمم المتحدة نواف سلام رئيساً للوزراء، على أن يكون رئيس الجمهورية ممثّلاً للنفوذ "الشرقي" أي سوريا وإيران ومن خلفهما روسيا، وأن يكون رئيس الوزراء ممثلاً للنفوذ الأميركي والسعودي والغربي.
وقد كان مرجحاً أنّه في ظلّ توافق إقليمي ودولي، فإنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري سيكون بإمكانه اجتذاب توأمه في السياسة اللبنانية الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إلى دعم ترشيح سليمان فرنجية، كما أنّه سيتمكّن من المون على عدد كبير من النواب السنّة الذين كانوا يدورون في فلك الرئيس سعد الحريري، في أن يصوّتوا لفرنجية مع تأمين النصاب له من قبل القوات اللبنانية.
لكنّ هذا التفاؤل لم يترجم على أرض الواقع ولم يساهم بإيجاد حلّ. بل إنّ حالة من الاحتقان نشأت نتيجة اختلاف الأطراف اللبنانية بين مؤيّد لفرنجية من جهة ومؤيد لترشيح وزير المالية الأسبق جهاد أزعور من جهة أخرى. وفي ما يتعلق بسليمان فرنجية فإنّ ترشيحه مدعوم من قبل حزب الله وحركه أمل وحلفائهما من جهة، في مقابله دعم التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وحزب الأحرار ومعظم نواب التغيير لجهاد أزعور من جهة أخرى.
أزعور لعرقلة فرنجية
وتعود أسباب دعم حزب الله لسليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية إلى حاجة المقاومة إلى رئيس لا يطعنها في الظهر ويؤمّن شرعيتها في مجمل الحكومات التي ستشكّل في عهده. أمّا دعم حركه امل ورئيسها نبيه بري لسليمان فرنجية فإنه يعود إلى العلاقة التي تربط بري بسليمان، خصوصاً أنّه يشكّل جزءاً من التركيبة التقليدية للسياسة اللبنانية التي اعتاد على إدارتها الرئيس بري. كما أنّ فرنجية كان الخيار الذي يمكن أن يبعد ترشيح جبران باسيل الذي كان حليفاً آخر لحزب الله قبل أن ينفكّ هذا التحالف بينهما نتيجة دعم حزب الله لفرنجية.
أمّا بالنسبة لجهاد أزعور فلقد جاءت تسميته من قبل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي كان يبحث عن مرشّح يعيق ترشيح سليمان فرنجية ويقدّم كبديل عنه يمكن تبنّيه من قبل بعض القوى التي لا ترضى عن ترشيح فرنجية. وقد استطاع جبران باسيل أن يحظى بمباركة البطريرك الماروني بشارة الراعي لأزعور، لكن المفاجىء كان أنّ جبران باسيل استطاع أن يعقد اتفاقاً مع القوات اللبنانية لدعم أزعور، وهو ما جعل الكتائب اللبنانيه والأحرار اللذان يمتلكان أيضاً تمثيلاً نيابياً في البرلمان يدعمان ترشيح جهاد أزعور.
ميزات أزعور
ومعروف أنّ جهاد أزعور هو مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، وهو يشرف على عمل الصندوق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز. وهو سبق وكان مستشاراً لوزير المالية الأسبق فؤاد السنيورة الذي كان مسؤولاً عن السياسات المالية في لبنان بين عامي 1992 و2004 والتي أوصلت البلاد إلى حالة من الإفلاس.
وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتعيين فؤاد السنيورة خلفاً له فإن أزعور شغل منصب وزير المال اللبناني بين العامين 2005 و2008، وهي الفترة التي قام خلالها بتنسيق تنفيذ سياسات مفروضة من البنك الدولي تحت ذريعة الإصلاح المالي، والتي فاقمت من الأزمة المالية في لبنان وقد اتُهم بالمشاركة في إهدار المال العام إذ أنّه كان وزيراً للمالية حين تبخّر مبلغ 11 مليار دولار كان قد وصل إلى لبنان على شكل مساعدات مالية لإعادة الإعمار بعد حرب تموز 2006.
ومن ميزات جهاد أزعور أنّه يأنف من الدخول في مواجهات سياسية، كما خاله السياسي الراحل جان عبيد، فما الذي جعله يتحوّل إلى رأس حربة في معركة التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية وحلفائهما في مواجهة سليمان فرنجية المدعوم من قبل الثنائي الشيعي وحلفائهما ومن قبل سوريا؟ الجواب نجده في التصريحات الأميركية التي خرجت معارضة لوصول مرشّح "حزب الله" إلى الرئاسة.
واشنطن: لا حلّ في لبنان في ظلّ تصعيد في العالم
فالولايات المتحدة، وإن لم تدعم ترشيح أزعور، إلّا أنّها تعارض ترشيح حليف لحزب الله، وهذا ما جاء على لسان المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية هالة غريط التي أعلنت أنّ واشنطن لا تؤيّد مرشحاً أو حزباً معيناً معتبرة أنّ "انتخاب رئيس للبنان مهمّة تقع على عاتق مجلس النواب، ونحن ملتزمون بسيادة لبنان واستقلاله ولا يمكننا، ولن نؤيد مرشحًا أو حزبًا معينًا، ومعربة عن رغبة الولايات المتحدة بـ"رؤية رئيس نزيه يستطيع توحيد البلاد وتشكيل تحالف لتنفيذ الإصلاحات المؤجلة منذ مدة طويلة والتي تعتبر حاسمة لتحقيق الدعم الدولي.
وترى الولايات المتحدة حاجة الأفرقاء المحلّيين لانتاج تسوية تتمثّل بانتخاب رئيس يضع لبنان على سكّة الحلّ، لكنّها لا يمكن أن تسمح بحلّ في لبنان من دون أن يتكامل مع الملفات الأخرى في المنطقة، ومن ضمنها العراق وسوريا والساحة الفلسطينية واليمن. وتعتبر واشنطن أنّ انتخاب فرنجية يعتبر تدعيما ًلوضع حزب الله في لبنان، علماً أنّها لا تزال تسعى لعزل الحزب لبنانياً، كما ترى في انتخاب فرنجية تدعيماً لنفوذ سوريا في لبنان ومن ورائها إيران وحتّى روسيا، في وقت تسعى فيها القوتان الأخيرتان إلى إضعاف نفوذ الولايات المتحدة في العراق وسوريا وحتّى لبنان.
لذلك فإنّ عرقلة وصول فرنجية إلى سدّة الرئاسة عبر مرشّح "عرقلة" هو جهاد أزعور لا يمتلك فرصة ليصبح رئيساً للجمهورية، يعكس الرغبة الأميركية في عدم توصّل لبنان إلى حلّ في ظلّ القضايا العالقة في المنطقة، وفي ظلّ سعي واشنطن لتصعيد المواجهة مع خصومها الإقليميين والدوليين وعلى رأسهم الصين وروسيا وإيران، أكان ذلك في أوكرانيا أو في جنوب شرق آسيا، أو في منطقة الشرق الأوسط.
لذا فإنّ الأمور لا تتجه إلى حلّ في لبنان، والأرجح ألّا يتمّ انتخاب رئيس لا في جلسة الرابع عشر من حزيران ولا في أيّ جلسة أخرى قبل الخريف المقبل.