يعلم فرنجية أنّ فرصته اليوم لن تتكرّر، هذا إن مرّ العهد الرئاسي المقبل من دون أيّ تطوّرات دراماتيكية غير محسوبة...
هي "جلسة المنازلة" التي تنتظرنا على بعد أيام وينتظرها العالم ليعيد بناء حساباته على أساسها. يذهب سليمان فرنجية إلى مجلس النواب وهو يخشى إن لم ينجح هذه المرّة بالوصول إلى قصر بعبدا أن يتحوّل إلى مرشّح رئاسي دائم، من دون حظوظ حقيقية مستقبلاً.
يعلم فرنجية أنّ فرصته اليوم لن تتكرّر، هذا إن مرّ العهد الرئاسي المقبل من دون أيّ تطوّرات دراماتيكية غير محسوبة، فحليفه الأوّل رئيس حركة أمل نبيه بري لن يكون هو نفسه رئيساً للمجلس النيابي في دورته المقبلة عقب الانتخابات النيابية لأنه سيكون قد قارب التسعين من العمر حينها، ولن تكون كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها هي نفسها. كما أنّه يتخوّف من تراجع تأثير حزب الله مستقبلاً وتناقص كتلته النيابية الحالية مع بروز مشاريع سياسية جديدة حقّقت حضوراً لها في الجنوب والبقاع. وهي تجارب يمكن أن تحقّق خروقات كبيرة مستقبلاً إن واتَتها الظروف.
فرنجية الذي لا يملك حيثية شعبية وازنة في شارعه من دون شارع الثنائي الوطني أو الشيعي، ليس بمقدوره أن يشكّل إضافة مؤثّرة بالنسبة لأي دولة إقليمية تسعى لتحقيق حضور سياسي أو شعبي في لبنان. أما بالنسبة للخارج فلكل جماعة طائفية مفتاحها أو مفاتيحها، وهو ليس بأحدها.
إنها لحظة فرنجية، أو هكذا يظنّ الرجل ويراهن
إنها لحظة فرنجية، أو هكذا يظنّ الرجل ويراهن. اطمأن إلى موقعه بعد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية واستئناف العلاقات بينها وبين المملكة العربية السعودية، التي كانت تضعه في خانة خصومها على الساحة المحلية، فهو محسوب على فريق 8 آذار كما صرّح بذلك في أكثر من مناسبة. سليمان فرنجية صديق بشار الأسد والأجيال السابقة لعائلتيهما قبلهما، وهذه الصداقة التاريخية حقّقت له حضوراً حتّى في وقت لم يكن فيه المسؤولون عن إدارة الملف اللبناني على وئام معه. وخلال سنوات الوصاية السورية على لبنان كان هو من القلائل الذين يمكنهم الذهاب إلى دمشق أو القرداحة من دون المرور بعنجر، حيث كان مقر رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات العربية السورية العاملة في لبنان.
فرنجية الذي تمّ تسميته بمرشّح الثنائي الشيعي أو حزب الله، وهو ما كان يعدّ مأخذاً عليه، تغيّرت الأحوال بعد التفاهم السعودي الإيراني برعاية صينية. وفيما كان فريقه يجهد بالبحث عن قواسم مشتركة بينه وبين ولي العهد السعودي ويجانب الحديث عن النظام في دمشق، أصبح يروّج له على أنه الأقدر على فتح الأبواب الموصدة أو تيسير عملية التواصل. حتّى أن فرنجية يعتبر أن قربه من سوريا وحزب الله هو ما يعطيه أفضلية وقدرة على التحرّك والإنجاز في بعض القضايا لاسيما ما يتصل بسلاح المقاومة وموضوع النازحين السوريين. وطبعاً من دون إغفال العلاقة التي تجمعه ببرّي، مع ما يعنيه هذا الأخير في مجال التشريع والتسهيل أو العرقلة.
إن لم يكن ما سلف عن واقع فرنجية وأسبابه كافياً لرسم صورة عن واقعه اليوم، لا بأس باستعراض واقع حليفه الثاني حزب الله. دعم الحزب لفرنجية اتخذ منحىً مستهجناً حتّى أنّه وصل إلى حدّ التفريط بالحليف المسيحي الأقوى. افترق عن التيار الوطني الحر وظلّ متمسّكا باسم فرنجية رغم تيقّنه من الضرر الذي سيلحق بصورته في شارع حليفه. قد يكون حزب الله وبنتيجة رصده للمزاج الشعبي العام والذي يتمثّل بالتململ من طريقة تعامله مع ملفات عدّة أهمها ما يتصل بمكافحة الفساد والهدر وما وصلت إليه البلاد من أزمات. وهذا التململ وجد متنفساً له بالحراك الذي شهده لبنان منذ 17 تشرين الأول 2019، وهو حراك شاركت فيه أعداد كبيرة من القاعدة الشعبية التي كانت محسوبة على الحزب، ما استدعى إطلالات عدّة للأمين العام شخصياً لتطويقها والحد من انتشارها.
هذا الواقع تتم قراءته على أنّ الحزب استنزف في الداخل اللبناني أغلب رصيده الذي حقّقه تحت عنوان المقاومة والتحرير، وكلّما غابت ملامح المواجهات مع الاحتلال من الذاكرة وحضر مكانها الخشية من منصات الصواريخ على منصات استخراج النفط والغاز، وأهمية إشاعة أجواء من الاستقرار الأمني لضمان جذب رؤوس المال والاستثمار، سيتراجع حضور شعار المقاومة لصالح شعار الازدهار، وسيجد حزب الله نفسه مكبّلا بمصالح قاعدته الشعبية أولاً خصوصاً في جنوب البلاد. بالتالي سيتحول حزب الله نفسه لاعباً إضافياً على الساحة اللبنانية حيث الصواريخ والأسلحة الموجّهة نحو العدو لا يمكن تسييلها في لعبة النفوذ الداخلية.
لهذه الأسباب مجتمعة يمكن فهم حزب الله وإصراره على تحقيق نصر ما ولو معنوي يتوّج به مسيرته وتموضعه ضمن محور كان له الفضل في تهيئة الظروف التي أنتجت استقرارا في الجنوب وأثمرت تفاهماً بين إيران والسعودية وعودة دمشق برئاسة بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية والحفاوة التي لقيتها في قمة جدّة. وعلى هذا الأساس يمكن فهم تسمية مرشح محور "التقاطع" التي تم إطلاقها من قبل إعلام حلفاء فرنجية على جهاد أزعور في استعادة لمنطق المحاور المتواجهة. واعتبار أنّ أي مرشّح جدّي لموقع الرئاسة إنّما هو مرشّح مواجهة. ما يعني أنّ الحزب يعتبر أنّه يواجه بفرنجية كل ما يخشى منه في حال لم يصل مرشّحه إلى سدّة الرئاسة.
أمّا على صعيد الحليف الآخر أي الرئيس برّي فهو على الأرجح في آخر دورة نيابية له. ومع نواب جدد بعضهم بعمر أحفاده، بل هم أحفاد من كانوا من أترابه. فها هو تيمور جنبلاط يأخذ مكان والده في المجلس والحزب ربما، ومثله طوني سليمان فرنجية وقبلهما سامي أمين الجميل وحسن عبد الرحيم مراد وتكر سبحة الأسماء وتتغير الوجوه ولا يزال الرجل يمسك بمطرقة البرلمان منذ العام 1992.
برّي آخر أقطاب الترويكا التي حكمت لبنان خلال فترة الوصاية السورية، ما بينه وبين دمشق اليوم لا يقاس بالكيلومترات التي تفصل بين العاصمتين، بل بالذهاب إلى مسافات أبعد بكثير ولم يعد من السّهل العودة إلى نقطة تلاقي رغم المحاولات والوساطات.
برّي الذي كان من الصعوبة بمكان توجيه أي انتقاد له لما له من حضور في كافة مؤسسات الدولة ومفاصلها، وكادت كلمة وجهها له رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في جلسة حزبية داخلية أن تشعل البلد، أصبح بعد 17 تشرين الأول 2019 هدفاً للكثير من الانتقادات بل للكثير من الحملات.
ورغم تحميله كرئيس للمجلس التشريعي المسؤولية الأكبر في ما يتصل بتشريع الاستدانة وتحويل الدين من العملة المحلية إلى العملات الأجنبية ودفاعه والتقصير في مساءلة الحكومات المتعاقبة ومحاسبتها مع العلم أنّه كان مشاركاً فيها، إلّا أنه اعتبر أنه ورغم كل ما واجهه انتصر في تحصين نفسه بكتلة نيابية وازنة أوصلته مجدداً إلى موقع رئاسة المجلس، وتمكّن من عرقلة أي انجاز يمكن أن يصب في مصلحة خصومه ولاسيّما التيار الوطني الحر ومؤسسه العماد ميشال عون الذي تطورت مواجهته منذ لحظة فوزه في الانتخابات الرئاسية بخلاف رغبة بري، وتصاعدت حتى تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل آخر حكومات العهد، وهي الحكومة التي لم تُشكّل وانتهى العهد بحكومة تصريف أعمال عوّمها بري وحزب الله رغم الاعتراضات والشكاوى من لا دستورية عملها. فهل يستطيع بري اليوم التراخي والتفريط بما أنجز أو أن يخسر آخر معاركه وأهمها ألا وهي إيصال فرنجية إلى بعبدا في رسالة إلى كافّة الفرقاء المحلّيين تعيد تظهير صورته التي لا تشبه سواه.
بناءً على ما تقدّم يمكن فهم طبيعة المعركة التي يقودها الثنائي الشيعي كما يمكن في المقابل فهم ممانعة من هم على الضفة الأخرى ورفضهم الرضوخ والتسليم لمن تم اختياره لهم ليمثّلهم في سلطة تتقاسمها الطوائف.
@alsafanews فرنجية رئيساً أو مرشحاً رئاسياً دائماً! مقال لـ"داود اراهيم" لمزيد من التفاصيل زوروا موقعنا: www.alsafanews.com #لبنان #فرنجية #ازعور #بري #لبنان #انتخبات_رئاسية #مجلس_النواب ♬ original sound - Alsafa News