كثيرة هي الأخبار التي تتردد عن أحداث أمنية قد تسبق جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية التي دعا اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري في 14 حزيران الحالي، ولكنها حتى الآن تبقى ضمن اطار فرضيتين اثنتين "التهويل والتهديد"، وهاتين بعيدتين كل البعد عن الواقع، إذ يدرك الجميع أن اي احداث أمنية وبأي شكل أتت غالباً ما تنتج رئيساً على نسق توافقي (قائد الجيش) وهذا ما لا يريده أي من "المتقاطعين" على تسمية الوزير الأسبق جهاد أزعور (المعارضة)، ولا الداعمين لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية (الثنائي الوطني)، أقله شكلاً.
الأزمة الرئاسية وصلت إلى منعطف خطير بفعل تطوّر الانقسام العامودي ليصل الى حدود الشرخ الذي ينذر بعواقب وخيمة. وأي انعطافة غير محسوبة في المكان والزمان قد تودي بالبلاد والعباد الى الخراب.
ملامح مضاعفات ما يجري وتوقعات الأسوأ قد تستدرج تدخلاً خارجياً على ما جرت عليه العادة، أو أقلّه هذا ما يتمناه البعض للخروج من المأزق والقبول بتسوية تحفظ ماء الوجه في ظل عدم قدرة أي من الطرفين على إيصال مرشحه من دون كسر طرف الآخر هذا اذا كان بمقدوره تحقيق ذلك فعلاً. مع العلم أن دول القرار والتي يمكنها الحسم في ملف الفراغ الرئاسي لا تزال تقارب الموضوع بالطريقة نفسها على قاعدة لا فيتو ولا تسمية. وبين هذين التعبيرين يتقلب المواطن اللبناني على جمر الأزمات التي يعيشها منذ زمن طويل وبأشكال مختلفة ومخيلته باتت اليوم عاجزة عن رسم سيناريوهاتها الجديدة.
الثنائي الوطني يلوّح باستخدام خيارات دستورية كتلك التي كان يهدد الفريق الآخر باستخدامها قبل "تقاطعه" على ترشيح أزعور
كثيرة هي الأخبار التي تتردد عن أحداث أمنية قد تسبق جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية التي دعا اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري في 14 حزيران الحالي، ولكنها حتى الآن تبقى ضمن اطار فرضيتين اثنتين "التهويل والتهديد"، وهاتين بعيدتين كل البعد عن الواقع، إذ يدرك الجميع أن اي احداث أمنية وبأي شكل أتت غالباً ما تنتج رئيساً على نسق توافقي (قائد الجيش) وهذا ما لا يريده أي من "المتقاطعين" على تسمية الوزير الأسبق جهاد أزعور (المعارضة)، ولا الداعمين لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية (الثنائي الوطني)، أقله شكلاً.
ويلوّح الثنائي الوطني باستخدام خيارات دستورية كتلك التي كان يهدد الفريق الآخر باستخدامها قبل "تقاطعه" على ترشيح أزعور، لافتاً على لسان عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل لله إلى أنه "عندما نص الدستور اللبناني على نصاب الثلثين، إنَّما ليؤمِّن أوسع مشاركة لبنانية مسيحيَّة ـ اسلاميَّة في انتخاب الرئيس، وليقول للكتل النيابية أنتم مجبرون على التفاهم، مع العلم أنَّه لا يملك أحد ال 86 ولا ال 65، حتى مع التهديدات بالعقوبات الخارجية التي يمارسها الفريق الآخر، لأنَّ عدم التفاهم سيؤدي حكماً إلى تعطيل النصاب، وهو ما أعلنه أحد فريق التحدي والمواجهة بتكتلاته المختلفة بأنَّه عندما يصل فرنجية إلى عدد 65 صوتاً سيعطلون النصاب، وفي المقابل طرحنا دعم مرشح له حيثيته على قاعدة أن نتحاور مع بقية الكتل من أجل إيجاد تفاهم، من دون أن نفرضه على أحد".
أفادت مصادر مواكبة للزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية السابق ميشال عون الى سوريا، بأنه فضلاً عن كل ما نشر في البيانات التي تبعت الزيارة والتوضيح الذي صدر عن الرابية أمس، قائلة: "إن الرئيس السوري بشار الأسد على موقفه من الأزمة الرئاسية اللبنانية"، وأضافت: "الأسد أبلغ المعنيين بأن سوريا لن تتدخل بالاستحقاق الرئاسي اللبناني وأن حلفاءها في لبنان وعلى رأسهم أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله هو الموكل الوحيد بالتعبير عن تلك الأزمة".
وشددت المصادر نفسها، على أن كل ما تناقلته وسائل الإعلام عن استدعاء عون إلى سوريا على عجل لبحث الشأن الرئاسي من جهة أو من أجل إقناع الأسد بأزعور من جهة ثانية، لا يتجاوز التخيلات التي لا تمت الى الواقع بصلة.
لودريان إلى لبنان قريباً جداً
كلّف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس، وزير خارجيته السابق جان إيف لودريان، بصفته رجلاً يتمتع بخبرة واسعة "في إدارة الأزمات"، بالمساعدة في إيجاد حلّ "توافقي وفعّال" للأزمة اللبنانية.
وحتى يصل لودريان إلى لبنان قريباً جداً وفق ما أفاد أحد مستشاري الرئاسة الفرنسية، عليه أن يُقيّم لماكرون الوضع سريعاً والذي "لا يزال صعباً" حسب تعبير المستشار نفسه، في ظلّ حاجة البلاد "للخروج في الوقت نفسه من الأزمة السياسية ومن الصعوبات الاقتصادية والمالية".
الفاتيكان للراعي: تحاور مع الحزب ولا تشتبك معه
جاء إعلان رئيس مجلس النواب عن تحديد موعد لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية مفاجئاً، خصوصاً أنه قطع الطريق على المبادرة التي أطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي للحوار حول الرئيس المقبل للبلاد. وكان موفد البطريرك رئيس اساقفة بيروت للطائفة المارونية المطران بولس عبد الساتر زار أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله.
ومن المعروف أن حراك بكركي هذا يأتي ترجمة للنصيحة الفاتيكانية ـ الفرنسية التي أسديت إلى البطريرك الماروني في روما وباريس بأنّ عليه أن يتحاور مع حزب الله وألّا يشتبك معه، لأنّه لا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية يكون تحدياً لـ"الثنائي الوطني" ولـ"الحزب" تحديداً. وللمفارقة فإنّ رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل سمع النصيحة نفسها من المسؤولين الفاتيكانيين والفرنسيين عندما زار الفاتيكان وفرنسا قبل نحو ثلاثة أسابيع.
وسمع الموفد البطريركي من السيد نصرالله شرحاً مستفيضاً للحيثيات التي بنى عليها "الثنائي الوطني" دعمه لترشيح فرنجية:
- أوّلها أنّ الثنائي لم يرشّحه وإنّما دعم ترشيحه لأنّ الرجل هو مرشح رئاسي طبيعي منذ عهد الرئيس اميل لحود، وكان يمكن أن ينتخب رئيساً عام 2004 لو لم يتم التمديد نصف ولاية للحود، ثم كان يمكن أن ينتخب عام 2016 لو لم ينسحب بنصيحة وتمنٍّ من السيد نصرالله لمصلحة عون.
- ثاني هذه الحيثيات أنّ وصول فرنجية إلى الرئاسة يحقّق مصالحة مسيحية فعليّة مبنيّة على مسامحته بدم والده ووالدته وشقيقته واستعداده للحوار مع كلّ القيادات المسيحية وتحديداً الحزبية منها التي تعتبر على خصومة سياسية معه.
- ثالثها، أنّ وصول فرنجية إلى الرئاسة في هذه المرحلة بالذات فيه مصلحة حيوية واستراتيجية للمسيحيين، في ظلّ المتغيرات الكبرى التي تشهدها، خصوصاً بعد الاتفاق السعودي ـ الإيراني والاتفاق السعودي ـ السوري.
- رابعها، أنّ فرنجية شخصية وطنية وتحظى باحترام وتأييد المسلمين بكلّ طوائفهم، فضلاً عن تأييد الأحزاب الوطنية بغضّ النظر عن أنّه يجاهر بانتمائه إلى محور المقاومة والممانعة، وأنّ جرأته وصراحته هي سرّ قوّته وسرّ التأييد الإسلامي والوطني له، وعلاقة آل فرنجية بالبيوتات السياسية الإسلامية أشهر من أن تعرّف.
- خامس الحيثيات أنّ الثنائي وحلفائه يطمئنون إليه ويثقون به، فهو لا يتنكّر لوعوده ولا لالتزاماته، مثل عدم تنكّره لمسيحيّته ومشرقيته وعروبته.
وأكثر من ذلك أكّد نصرالله لموفد البطريرك رفضه اتهام "الثنائي الوطني" بفرض فرنجية مرّشحاً على المسيحيين لأنّ الرجل يعبّر عن الوجدان المسيحي حسب اعتراف بكركي عام 2014، حين اجتمعت لديها القيادات المسيحية الأربعة (الرئيس امين الجميل والعماد ميشال عون وسليمان فرنجية وسمير جعجع) التي صُنّفت على أنّها المعبّر عن هذا الوجدان، وذلك في معرض البحث عن رئيس للجمهورية بعد الفراغ الرئاسي الذي ساد إثر انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.
نقل المطران عبد الساتر ما سمعه من نصرالله إلى الراعي، على أن يواصل جولته على الفرقاء اللبنانيين كما كان مقرّراً.
مهمة عبد الساتر كانت حاضرة خلال الزيارة التي قام بها نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب إلى بكركي حيث التقى البطريرك الماروني الذي أطلعه على تفاصيل المبادرة وما وصلت إليه. يذكر ان بو صعب كان قد اطلق أيضا مبادرة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء المتنازعين حول اسم الرئيس .