تتوقّف الإصلاحات الهيكلية المطلوب من لبنان تنفيذها عند "الميل الأخير"، غالباً. فبعد بذل الجهود المضنية في تقديم اقتراحات القوانين وملاحقتها ومناقشتها في اللجان المختصة، وصولاً لإقرارها في الهيئة العامة، تبقى الإصلاحات عصيّة على التنفيذ. والسبب عادة ما يكون تقصّد إهمال المحطّة الأخيرة، الكفيلة بإيصال القوانين إلى "بّرّ أمان" التطبيق.

التعطيل الذي ينسحب على نحو مئة قانون إصلاحي مقرّ نتيجة عدم وضع الآليات التطبيقية، سيصيب قريباً "قانون الطاقة المتجددة الموزعة". فعلى الرغم من انتهاء اللجنة الفرعية المنبثقة من لجنة المال والموازنة من دراسة القانون وتجهيزها التقرير النهائي لرفعه إلى رئاسة المجلس النيابي، فإنّ "القانون لن يوضع موضع التنفيذ، حتى لو أقرّ من الهيئة العامّة وخرج من البرلمان على شكل قانون جديد، نتيجة ربطه بالهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، العصية على التشكيل"، تقول الخبيرة في مجال الطاقة كرستينا أبي حيدر، التي شاركت بصياغة القانون، ومتابعته خطوة بخطوة منذ العام 2018.

الحاجة المضاعفة للقانون


الخبيرة في مجال الطاقة كرستينا أبي حيدر


بدأ العمل على وضع قانون الطاقة المتجدّدة والموزّعة في العام 2018 بالتنسيق مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية "EBRD" وبالتعاون مع وزارة الطاقة، ومركز حفظ الطاقة، ومؤسسة الكهرباء.  وقد تضاعفت الحاجة لمثل هذا القانون مع فورة تركيب أنظمة الطاقة الشمسية الفردية التي شهدها لبنان في العامين الأولين من الازمة. "إذ لا قيمة فعلية للألف ميغاواط المنتجة من أنظمة الطاقة الشمسية بشكل فردي، إن لم تكن مترافقة مع استراتيجية عامة تقودها الدولة للتحوّل الطاقوي، Energy transition"، برأي أبي حيدر. وهي الاستراتيجية التي تقوم على التحوّل من الأنظمة القائمة على الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة واستهلاكها، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي والفحم، إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، وبطاريات الليثيوم.

خلافاً لكل البلدان، فإنّ توسّع لبنان بإنتاج الكهرباء من الألواح الشمسية أتى بمبادرات فردية، وكنتيجة حتمية لأخذ الدولة المواطنين "رهينة" العتمة الشاملة، وتحديداً في العام 2021، عندما تدنّت كمّيّات الطاقة المنتجة من معامل الكهرباء عن 300 ميغاواط، طيلة أشهر العام، من أصل حاجة تتجاوز 3200 ميغاواط على أقلّ تعديل. وقد حفّز رفع الدعم عن المحروقات، وتضاعف فواتير المولّدات الخاصّة بمقدار 98 ضعفاً، المواطنين على بيع الغالي والنفيس من أجل إيجاد البديل. حيث ارتفع سعر الكيلوواط المنتج من المولّدات الخاصّة من حدود 600 ليرة في تموز 2020، إلى حوالي 52 ألف ليرة راهناً.

الكهرباء المنتجة بشكل فردي من الطاقة الشمسية تتطلّب وضعها على الشبكة العامة، بيعاً وشراء، بواسطة العدّادات الذكية ليصحّ عليها ما اصطلح على تسميته بـ "الانتقال الطاقوي"، بحسب أبي حيدر. فهذه الوحدات الفردية تظلّ ناقصة، حتى عن تأمين كامل الحاجة من الكهرباء للوحدات السكنية أو الانتاجية بشكل مستدام طيلة أيام العام. وهي تواجه مشاكل تتعلّق بمساحة الألواح الشمسية، وقدرة البطاريات، والأحوال الجوية، وكمّيّة الاستهلاك... وخلافه من العناصر. فيما يؤدي شبكها مع بعضها البعض إلى تأمين استدامة الطاقة بالنسبة للجميع، ووضع اللبنة الأولى في عملية "التحول الطاقوي". وهنا يأتي دور "قانون الطاقة المتجددة والموزعة" الذي ينظّم كلّ هذه الامور ويساعد على توفير ثلث كلفة الطاقة على المواطن، وتأمين 50 في المئة من الطاقة المطلوبة للبنان. ويجذب تمويلاً دولياً بحوالي 200 مليون دولار من الجهات الدولية للمساعدة ببناء مشاريع الطاقة الصغيرة التي تصل إلى كل القرى والبلدات.

دور القانون

يؤدي إقرار وتطبيق قانون الطاقة المتجددة والموزّعة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، منها:

- إلزام المشتركين استعمال شبكة الكهرباء الاصلية للدولة، وبالتالي التخلّص من الشبكة الرديفة التي تؤمّنها المولدات.

- استعمال العدّادات الذكية التي تسمح بوضع فائض الكهرباء المنتجة من الطاقة البديلة على الشبكة العامة، والأخذ منها عند الحاجة. وبالتالي إجراء عملية تبادل طاقوي من دون التكلّف مادياً.

- الاشتراك في وضع الالواح الشمسية بين الوحدات السكنية ولاسيما في المدن المكتظة بالأبنية والتي تفتقد إلى المساحات المطلوبة.

- يشرع الإنتاج لغاية 10 ميغاواط. ويسمح بنقلها وتوزيعها.

- يسمح باستجرار الطاقة من مكان لآخر مقابل تسديد بدلات مادية لكهرباء لبنان عبارة عن رسم عبور ونقل الطاقة.

- يساعد على اعتماد الحلول المجتمعية، كأن تعمد البلديات أو اتحاداتها إلى تركيب حقول شمسية وبيع الطاقة للوحدات السكنية الخدماتية أو الانتاجية.

- يسمح لطرف ثالث أن يستأجر أراض وتركيب حقل شمسي لبيع طرف ثالث هو قرية أو مجمع سكني أو تجاري أو مستشفى أو خلافه لا يملك المساحة أو القدرة على تركيب أنظمة الطاقة الشمسية.

-  يحرّك العجلة الاقتصادية. ويحفّز كلّ الشركات على الإنتاج.

- تحفيز القطاع الخاص للتعاون في مجال انتاج وتويع الطاقة المتجدّدة من دون إدخال طرف ثالث، أي الدولة. وينحصر دور مؤسسة كهرباء لبنان في هذه الحالة بتيسير الأمور التقنية المتعلّقة بالربط وتحديد قدرة الشبكة وتقاضي رسم العبور.

تباطؤ سوق الطاقة الشمسية

من الأمور البالغة الأهمية في إقرار قانون الطاقة المتجدّدة والموزّعة وتطبيقه، هو إعادة ضخّ الحياة في الطاقة البديلة النظيفة والرخيصة. فالفورة التي شهدها قطاع الطاقة الشمسية وصلت إلى حدّها الأقصى في العام 2022، عند حدود 1000 ميغاواط، وهبطت بشكل حاد وسريع. فالمقتدرون مادياً ركّبواً أنظمة الطاقة الشمسية، فيما البقية أصبحت عاجزة عن تحمّل كلفتها المرتفعة نسبياً. ومن المطلوب اليوم إقرار القانون وجعله قابلاً للتطبيق، لتغطية الحاجات الأسرية التجارية والإنتاجية من الطاقة، بأسعار زهيدة. وذلك بالمقارنة مع الكلفة الباهظة التي تدفع على الكهرباء المولّدة من الفيول أويل. إلّا أنّ هذا الأمر يبدو شبه مستحيل بسبب ربطة بالهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء التي يبدو أنّها لن تبصر النور قريباً. فعلى الرغم من الضغوط الدولية لتشكيل الهيئة واستجابة وزارة الطاقة من خلال الإعلان بتاريخ 09/12/2022 عن إطلاق إجراءات التوظيف لأعضاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء. إلّا أنّه من الناحية الشكلية جرى تمديد طلبات الانتساب لغاية تاريخ 31 آب 2023 ضمنا. والأخطر أنّه في المضمون تمّ رفع عدد أعضاء الهيئة من خمسة كما نصّ القانون 462، إلى ستة بقرار وزاري. الأمر الذي يعرض القانون للطعن، لأنّ القانون يعدّل بقانون وليس بقرار. و"الأهمّ أنّ لا نية جدية عند مختلف الأطراف لإنشاء الهيئة وتفويضها بالصلاحيات التي نصّ عليها القانون"، من وجهة نظر أبي حيدر. "لأنّها تتعارض مع مصالح وزير الطاقة". 

 كما يشكّل الميل الأخير المرحلة الأكثر كلفة وتعقيدًا بكامل سلسلة التوريد في عالم اللوجستيات، يمثّل تطبيق الإصلاحات بالنسبة للمنظومة الحاكمة الفاصل الآمن عن المحاسبة والاقصاء عن جنّة الاستفادة من القطاع العام. وهذا ما لا يريده أحد.