"لا تعايرنى ولا أعايرك الهمّ طايلنى وطايلك"، مثلٌ شعبي نسب لأخواننا المصريين قديماً، ويرمز لتساوي فريقان في المصيبة، وهو ما ينطبق على حال الأفرقاء اللبنانيين اليوم، موالاة كانوا أم معارضة، فالـ"تقاطع" حول تسمية الوزير الأسبق جهاد أزعور للرئاسة هدفه الأول قطع طريق بعبدا على مرشح الثنائي الوطني رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وبينما تبقى العبرة بالخواتيم عادت بيضة القبّان إلى يد بيك المختارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي قرّر أمس السفر إلى فرنسا لقضاء عطلة قد تستمرّ لفترة.
نجحت المعارضة خلال عطلة نهاية الأسبوع بالإجماع على تأييد أزعور للرئاسة، إذ انسحب المرشح النائب ميشال معوض من السباق الرئاسي لمصلحة أزعور ووقّع 31 نائباً معه على عريضة تحمل اسم الأخير، يضاف إليهم تكتّل لبنان القوي الذي لا يبدو في أفضل حالاته اليوم، إذ يتمّ الحديث عن أن 10 نواب ورئيس التكتل جبران باسيل هم فقط الذين سيصوتون لأزعور، وبينما سيقترع 6 نواب بالورقة البيضاء اعتراضاً على عدم ترشيح أحداً من تكتلهم للرئاسة، ترتسم علامات الاستفهام حول موقف كتلة النواب الأرمن (3 نواب)، أمّا النائب أديب عبد المسيح فهو منذ مدة خارج سرب التكتل الرئاسي كلياً. في حين تتجه الأنظار نحو نواب كتلة اللقاء الديموقراطي برئاسة تيمور جنبلاط والتي ربما تنتظر اشارة عربية - دولية تجلسها على رأس السنوات الـ6 المقبلة.
وبينما يُدرك الفريقان المتواجهان حجم المشكلة وأن اسم الرئيس المقبل للبلاد لا يعني شيئاً بالنسبة لغالبية اللبنانيين الذين يعانون من الانهيار الحاصل على كل الصعد، إنما همهم الأوحد الخروج من براثن أزمات تتوالى منذ 3 سنوات تقريباً، لا بل ينتظر الجميع بلا استثناء تقاطعاً من نوع آخر عربي - إقليمي - دولي لدعم الرئيس المقبل بتوجهاته اياً كان، والتي من دونها سيكون عهده جهنّم مهما كانت تطلعاته الرئاسية.
وإذا ما بدأنا بقرأة تقاطعات قوى المعارضة كل على حدى، بدءاً من تكتل لبنان القوي الذي شكلت انعطافته الأخيرة ثِقل وزخم التقاطعات، نرى أن داخل التيار أزمة حقيقية وما كان يهمس سرّاً خرج إلى العلن، والشرخ الكبير داخل التكتل كبر بعد طرح اسم أزعور للنقاش، لا بل كاد أن يحدث انقلاباً لولا الرئيس ميشال عون الذي أعاد الجمر إلى تحت الرماد من جديد.
أما القوى الأخرى التي أيدت أزعور ظهرت على هيئة "بائعي مفرق" فمنهم من باع الادارة الأميركية عنواناً طويلاً عريضاً بمعارضة "مرشح السلاح"، وآخرين وجهوا رسائلهم باتجاهات عديدة للحلفاء قبل الخصوم، بأن التغييرات الإقليمية لا يمكن "تقريشها" لبنانياً، والدور الذي يكتب للبنان اليوم لا بدّ أن نكون فصلاً من حكايته ولن نقبل أن نكون "بيعة مسا" على هامش تقارب إقليمي.
في المقابل، لا يرتضي رئيس المجلس النيابي نبيه بري على نفسه أن يكون قد "حُشر" في زاوية الإنصياع للمعارضة لتحديد موعد لجلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية رغم التلويح بالعقوبات الأميركية التي يمكن أن تطاله، وبينما يستغرق بري في التفكير بضربة يطيح من خلالها باجماع من تقاطعوا بالأمس، يراهن على مزيدٍ من الوقت لانقشاع الضباب الإقليمي ومعرفة مدى جدية ما يتم تداوله عن تأييد أميركي - سعودي لأزعور.
كذلك، يريد بري التأكّد من نوايا من تربطه بهم تحالفات سياسية وعلى رأسهم جنبلاط ليبني على الشيء مقتضاه وبعدها يسعى لجذب آخرين نحو الـ"ورقة بيضاء" التي تطيح بأزعور وتحرمه من الحصول على الـ 65 صوتاً، أو من خلال "لعبة دستورية" يدرك فن إدارتها جيداً في جلسة ربما يطير فيها النصاب أو تسحب منها الميثاقية.
أما على صعيد حزب الله، فقد استقبل الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله المطران بولس عبد الساتر موفداً من البطريرك الماروني بشارة الراعي، في إطار جولته على القوى السياسية، لوضعها في صورة نتائج زيارة الراعي لباريس، والتشاور حول إمكانية التوافق لإنجاز الاستحقاق الرئاسي وتسويق أزعور كمرشح لرئاسة الجمهورية، إلا أن نصرالله كرر تأييد الثنائي لفرنجية واتفق مع عبد الساتر على استكمال النقاش لاحقاً.
من جهتها، تضع أوساط مراقبة ما يحصل في دائرة "تعلاية السقوف" ليتلاقى الجميع على كلمة سواء تشبه الحوار ولكن لا تأخذ شكله التقليدي الذي يكون خيارأً أمثل بعدما باتت أوراق القوة متساوية بيد الفريقين لانتاج رئيس لا تأييد له ولا فيتو عليه من قبل أي طرف، ويكون مكللاً بالرضيَيْن العربي والدولي ويشكّل مخرجاً للمعارضة فتقول، "كان من ضمن خياراتنا"، ولا حرجاً للموالاة فتقول لفرنجية، "أدينا قسطنا للعلى وأكثر"، وتعده على أنه الرئيس المقبل بعد الرئيس التوافقي، لأن الوضع بات حرجاً وما يحدث في المنطقة والإقليم يحتاج الى كثير من الروية وتدوير الزوايا حتى تتضح معالم المرحلة المقبلة".