حوّلت التطورات السياسية، الأمنية والاقتصادية التي شهدتها المنطقة منذ عقد ونيف من الزمن، القطاع الفندقي اللبناني إلى "الشاهد الملك" على انعطافة الوضع السياحي. وهي تهدّد بتحويل الصروح الفخمة إلى مجرّد دلائل جميلة على حقبتي لبنان الذهبيتين قبل الحرب، وبعدها بسنوات قليلة.

لم تنعكس الحركة النشطة التي شهدها مطار رفيق الحريري الدولي صيف 2022، وما أعقبه من محطّات سياحية، كان آخرها تزامن عيدي الفصح مع الفطر مطلع الفصل الثاني من العام 2023، إيجاباً على الفنادق. فمقابل ارتفاع حجوزات بطاقات السفر لشهر نيسان الفائت، ووصول عدد القادمين إلى حدود 12 ألف زائر يومياً، "انخفض معدل إشغال الفنادق في لبنان بنسبة 2.8 في المئة على أساس سنوي بحلول شباط 2023"، وفقاً لمسح "إرنست آند يونغ، الشرق الأوسط المعياري للفنادق". وهو لا يزال أدنى معدّل إشغال فندقي بين جميع الدول العربية". وقد وصل معدّل الإشغال في فنادق بيروت من فئة 4 و 5 نجوم إلى "36.2 في المئة نقطة مئوية بحلول شباط 2023، بانخفاض عن نسبة العام الماضي البالغة 39 في المئة". وعزا المسح هذا التراجع إلى "استقبال لبنان المغتربين بدلاً من السياح في موسم الذروة من العطلات والصيف بسبب ارتفاع المخاطر في البلد".

الفنادق تفتقد نزلاءها التقليديين

الحقيقة المرّة التي ترجمها مسح "إرنست آند يونغ" بالأرقام، "نعيشها يومياً، منذ المقاطعة الخليجية والتحذير الغربي من المجيء إلى لبنان قبل عدد من السنوات"، يقول نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر. "ففقد لبنان السياح الخليجيين والمغتربين من دول أميركا اللاتينية واستراليا وكندا.. وخسر قطاعي الفنادق، والشقق المفروشة النسبة الأكبر من نزلائهما التقليديين، وكانا أكثر القطاعات تأثّراً بالأزمات المتتالية". وبحسب الأشقر فإنّ "القدوم الكثيف إلى لبنان الذي شهدناه في العديد من العطل والمواسم السياحية، سواء كانت صيفية أم شتوية، يتركّز على اللبنانيين الذين يعملون في دول الجوار القريبة، والذين أبقوا على تواصلهم الدائم مع الداخل. فهناك 450 ألف لبناني يعملون في دول الخليج العربي، و250 ألف في أفريقيا وحوالي 200 ألف يعملون بين قبرص اليونان وتركيا. وهم في حركة قدوم دائمة إلى لبنان لأكثر من مرة في العام. وخصوصاً في الصيف والعطلات والأعياد.

غالبيتهم يملكون منازل في لبنان، وعائلاتهم تعيش في ربوع البلد بالنسبة للكثير من الحالات. وغنيّ عن القول إنّ هذه الفئة من المغتربين لا تنزل في الفنادق. ذلك على عكس السيّاح الأجانب والمهاجرين اللبنانيين من أصقاع الأراضي البعيدة، التي ما زالت وتيرة قدومهم إلى لبنان بطيئة".

استمرار التحولات في القطاع الفندقي

الحركة الفندقية التي اعتمدت خلال السنوات الماضية على العراقيين والأردنيين والمصريين تشهد بدورها تبدّلات في الآونة الأخيرة. فتراجع النمو في مصر ووضع "كابيتال كونترول" وفرض قيود على استعمال البطاقات المصرفية، أثّر على حركة قدومهم ومستوى إنفاقهم. أما بالنسبة إلى بقية الدول الاوروبية فإنّ اغلبية القادمين منها "ليسوا سيّاحاً بالمعنى الحقيقي للكلمة"، بحسب الأشقر، "إنما غالباً ما يكونوا ممثلي شركات أجنبية تملك فروعاً في لبنان أو مشاركين في المؤتمرات الصغيرة العامّة أو الخاصة. ولاسيما المتعلقة بجمعيات المجتمع المدني". وهذه الفئة تشغّل فنادق العاصمة بشكل أساسي.

سعر الغرفة في أدنى مستوياته

أمام هذا الواقع "انخفض متوسّط سعر الغرفة بالدولار في لبنان بشكل ملحوظ بنسبة 40 في المئة ليقف عند 41 دولاراً أمريكياً"، بحسب ما أظهر مسح إرنست آند يونغ. "بينما انخفض العائد على الغرفة المتوافرة بنسبة 44.3 في المئة ليصل إلى 15 دولاراً لشهر شباط 2023. علاوة على ذلك، ارتفع متوسط سعر الغرفة بالليرة اللبنانية بشكل ملحوظ بنسبة 155.7 في المئة نتيجة التدهور الحاد للعملة الوطنية على الرغم من انخفاض سعر الغرفة بالدولار. فارتفع متوسط سعر الغرفة بالليرة اللبنانية من 551 ألف ليرة في شباط 2022 إلى حدود 3.6 مليون ليرة لبنانية في شباط 2023.

المنافسة من بيوت الضيافة و Airbnb

من العوامل التي ساهمت في تراجع الطلب على الفنادق، مقابل استمرار عرض ما يفوق 22 ألف غرفة فندقية هو انتشار "موضة" بيوت الضيافة و"Airbnb، Air Bed and Breakfast". وعلى الرّغم من عدم وجود إحصاء دقيق عن عدد بيوت الضيافة والمساكن التي تؤمّن "فرشة وإفطار"، فهي "تقدّر بـ الآلاف" بحسب الأشقر. وتجذب قسماً كبيراً من الأجانب والمغتربين. نظراً لكونها تمثل مفهوماً جديداً في السياحة، وأقلّ كلفة على المجموعات السياحية.

ارتفاع الاكلاف

في الوقت الذي لا تتجاوز فيه كلفة الكهرباء والماء في المؤسسات السياحية 10 في المئة من مجمل المداخيل، تصل في لبنان إلى 30 في المئة. وهو ما يمثّل عائقاً إضافياً أمام الفنادق التي لا تملك قوّة تشغيل كبيرة، أو تعتمد على السياحة الموسمية، التي تنتشر بكثافة في الأطراف والمناطق الجبلية.

الجوار يزدهر

بالتزامن مع تراجع القطاع الفندقي اللبناني، أظهر مسح "إرنست آند يونغ" ارتفاع معدّلات الإشغال في مكّة المكرمة بنسبة 40.7 في المئة لتصل إلى 87.7 في المئة، بينما ارتفعت معدّلات إشغال مدينة القاهرة بنسبة 7.2 في المئة لتصل إلى 75.1 في المئة. وفي الوقت نفسه، قفز متوسّط سعر الغرفة في مكة بنسبة 75.5 في المئة من 96 دولاراً في شباط 2022 إلى 168 دولاراً بحلول شباط 2023. أمّا بالنسبة للقاهرة - المدينة، من المتوقّع أن تؤدّي العديد من الأحداث الدولية إلى جانب إعادة إطلاق الحملات السياحية مثل "اتبع الشمس" إلى تعزيز أداء القطاع خلال هذه الفترة. وبالتالي ارتفاع متوسّط سعر الغرفة 136.3 في المئة، من 58 دولاراً في شباط 2022 إلى 138 دولاراً في شباط 2023.

يبيّن المسح بشكل واضح نمو وتطور الفنادق في محيط لبنان، مقابل تقهقر ما عرف يوما بـ "فندق العرب" كدلالة على أهمية القطاع الفندقي اللبناني. ما يجعلنا "ملوك الفرص الضائعة"، من وجهة نظر الأشقر. وما لم يؤمّن الاستقرارين السياسي والنقدي، فإنّ الأمور ذاهبة إلى مزيد من التّعقيد. خصوصاً في ظلّ اشتداد المنافسة في الصناعة الفندقية في الداخل والخارج.