في جلسة خاصّة صارح أحد الأقطاب اللبنانيين الحضور بأنّ إصرار حزب الله على ترشيح الوزير السابق زعيم تيار المردة سليمان فرنجية ليس مناورة، ومن يعرف عقل الحزب يعرف أنّه لم يعلن اسم مرشحه ليتنازل عنه. وكل ما سيق حول استعداده وانفتاحه على الحوار إنّما يتصل بالخطوات التي تلي التوافق على فرنجية، أي تلك التي ستعقب انتخابه، من رئاسة حكومة وتمثيل وزاري وحجم هذا التمثيل.

ومن هنا يقول مصدر متابع للحراك الفرنسي الرئاسي، أن باريس وانطلاقاً من خبرتها في التعامل مع الشأن اللبناني تاريخياً، وبحسب ما ترسّخ لديها من معطيات، تبيّنت أن حزب الله وبحسب ما نقل إليها عنه ليس محرَجاً في موضوع فرنجية. وأنه يستطيع التأقلم مع الاستحقاقات المقبلة طالما أن الحكومة المستقيلة قادرة على تسيير شؤون البلاد في الحالات الاضطرارية، وأي شغور في أي موقع سيتم التعامل معه كما تم التعامل مع قضية مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم بحيث شغل نائبه منصبه من دون أيّ اعتبار ديني أو طائفي.

ومما سبق نلج إلى أول سين تبحث عن جيم. هل سيتولى نائب حاكم مصرف لبنان وسيم منصور مهام منصب الحاكم بعد انتهاء ولاية رياض سلامة خلال بضعة أسابيع؟

الجواب تم نسبه إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أكّد أن منصور لن يتسلّم مهام الحاكم.

وتأتي السين الثانية والثالثة لجهة هل سيترك الموقع من دون شاغل كما هي حال موقع رئاسة الجمهورية؟ وفي هذه الحال، من يكون قد خسر المزيد من تمثيله في السلطة؟

لا داعي للجواب فهو معروف، ولكنّه جواب يفتح على سؤال حول من يمكن أن يتحمّل مسؤولية الشغور من الفرقاء المسيحيين الرافضين للتسوية التي يتم تصويرها على أنها "سين سين" جديدة نسبة إلى التقارب السوري السعودي، والذي من المرتقب أن يتحوّل إلى تفاهمات لن يكون الشأن اللبناني ببعيد عنها.

أول "سين جيم" مكتملة، هي تلك التي يمثلها سمير جعجع قائد القوات اللبنانية ورئيس أحد أكبر تكتلين نيابيين مسيحيين في البرلمان اللبناني، والذي سبق أن أعلن أنّه في حال التوافق على سليمان فرنجية فهو لن يؤمّن النصاب القانوني لجلسة الانتخاب. جعجع استقبل السفير السعودي في لبنان قبل يومين وكان الشأن الرئاسي الطبق الأساسي. جعجع هنا جيم، السفير السعودي "سين سين"، فيكف كان اللقاء وحصيلته؟ سين سين أم سين جيم؟

ثاني "سين جيم" يمثّلها السؤال الموجه لجبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر ورئيس أحد أكبر تكتلين مسيحيين في البرلمان اللبناني، هل يتحمّل مسؤولية شغور موقع حاكم مصرف لبنان ريثما يصار إلى تفاهم حول خَلَف رياض سلامة بين الأفرقاء المنخرطين في تفاهمات "السين سين" بمعزل عن الأغلبية المسيحية التي يفترض أن تكون معنية في هذا الشأن تحديداً؟

يقول المصدر أن اتصالات تجرى خلف الكواليس وبعيداً عن الأضواء للتفاهم على ما بعد انتخاب فرنجية، ويتم التواصل مع كلّ من جعجع وباسيل لضمّهما إلى ورشة ما بعد وصول فرنجية إلى المقرّ الرئاسي في بعبدا. ويرجّح المصدر أن تنجح الاتصالات في نزع فتيل التفجير وبل في إرساء نوع من التعايش بين فرنجية من جهة وباسيل وجعجع من جهة أخرى، لتأمين الغطاء المسيحي للعهد الجديد مقابل حضور أكبر في السلطة التنفيذية.

هذه الأجواء تصفها مصادر أخرى مواكبة للحراك على الضفة المقابلة بأنّها تبدو أقرب إلى التمنّيات، خصوصاً أنّ العلاقات بين باسيل وفرنجية لا تزال على حالها ولم يطرأ عليها أيّ تبدّل. فكيف يتوقع البعض تفاهمات بين جهات لا يوجد بينها أي تواصل يذكر؟

وإن كان التيار يبقي على خط تواصل مع حزب الله وحده، فهذا الأمر لا ينطبق على القوات اللبنانية التي ومنذ فترة انقطع تواصلها مع الثنائي كما هي الحال مع فرنجية بعدما تبنّت ترشيح النائب ميشال معوض وتمسّكت به. بالتالي فهي تعتمد على قناة التواصل السعودية مع الجهات المرشحة لفرنجية، فهل تتولى السعودية عبر سفيرها ترتيب وترطيب العلاقات بين جعجع وفرنجية ومن يقف خلفه؟ وهل ستكون الرياض هي الضامن لمرحلة ما بعد الانتخاب؟

يقول المصدر المتابع للحراك الفرنسي، أن باريس ترى أن التفاهم السوري السعودي اليوم لن يكون كما كان سابقاً، فسوريا على ثقة بقرارات حزب الله وهي لن تتدخل بالشأن اللبناني بحسب ما نقل عن قيادتها في أكثر من مناسبة. أمّا السعودية فهي ومنذ اتخاذها قرار الوقوف إلى جانب روسيا والصين في قضايا دولية عدّة، وما أعقب هذا القرار من انفتاح على إيران وسوريا، فهي بدأت باتخاذ مسار جديد، تبحث من خلاله عن سبل التخلص من بؤر التوتر في المنطقة وعند حدودها بما يضمن استقرارها ويشجع على الاستثمار فيها. المملكة بحلّتها الجديدة تريد تغييراً شاملاً، ولا يمكن لهذا التغيير أن يعيد إحياء ما مضى.

وحدها فرنسا تحاول التمسك بتاريخ حضورها في لبنان، وهي تتطوّع لتوفير الأجوبة على كل الأسئلة. ولكنها تبقى أجوبة افتراضية مبنية على توقعات بحلول محلّية مستندة إلى انفراجات إقليمية، ولكنّها لا تلحظ موقف إسرائيل من تطوراتها. فهل ستبقى تل أبيب مكتوفة وهي تخسر كل ما بنته في المسار التطبيعي مع الدول العربية وعلى صعيد التسويق لصورة إيران العدو، وضرورة تقسيم سوريا؟ فهل من جيم على سين بشأن إسرائيل من كل ما يجري؟

لم تكن الأزمة اللبنانية يوماً أزمة محلية معزولة عن التطورات الإقليمية، ولو لم يحصل التقارب السعودي السوري لما ارتفعت حظوظ فرنجية حتى بلغت بالبعض القول أنّ الأمر أُنجز وهو بانتظار ساعة الصفر. من الضروري التنبّه إلى أن أيّ تطورات إقليمية يمكن أن تعيد خلط الأوراق، في وقت لا يزال الوضع الداخلي على حاله من انقسام يحول دون تحقيق أيّ خرق. 

من الضروري التنبّه إلى أن أيّ تطورات إقليمية يمكن أن تعيد خلط الأوراق، في وقت لا يزال الوضع الداخلي على حاله من انقسام يحول دون تحقيق أيّ خرق.