أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة في بيان لها صدر منذ يومين، أن مراقبي حماية المُستهلك في الجنوب صادروا 160 كيلوغراما من اللحوم الفاسدة بسبب «عدم مراعاة الشروط الصحية اللازمة»، وتم تسطير 7 محاضر منها ثلاثة محاضر لها علاقة بصلاحية المواد الغذائية ومراعاة النظافة المطلوبة. وفي اليوم الأخير من الشهر الماضي، ضبطت مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد خلال جولتها في البقاع في إحدى السوبرماركات، مواد غذائية منتهية الصلاحية بقيمة 22 مليون و400 ألف ليرة حيث تمّ تلف هذه المواد بناءً على إشارة من القضاء المُختصّ.

قد يظن البعض، وهذا حق، أن هذا الأمر محصور ببعض التجار الذين يُخزّنون مواد غذائية تم شراؤها على سعر دولار متدنّ حيث قاموا بتخزينها بهدف بيعها لاحقًا وبالتالي تحقيق أرباح. إلا أن إحتمالات أخرى متداول بها على مواقع التواصل الاجتماعي تُشير إلى إمكانية دخول بواخر تحمل مواد غذائية تمّ رفضها في دول إقليمية مُجاورة وتمّ جلبها إلى لبنان وإدخالها إلى السوق اللبناني. من التداعيات السلبية للأزمة الإقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان، التراخي في الإجراءات الوقائية والتي قد تسمح لبواخر مُحمّلة بمواد فاسدة إلى السوق اللبناني وهذا الأمر يعود إلى عدم قدرة المراكز المخبرية على القيام بكل الفحوصات. بالطبع هذا الأمر هو بعهدة الوزارات المعنية التي يجب أن تُثبت للرأي العام أن ما يدخل السوق اللبناني هو صالح للإستهلاك.

يوم تقدّم وزير الاتصالات بإقتراح رفع تعرفة الاتصالات، إستخدم حجّة أن هذا الإجراء هدفه إستمرارية القطاع وتحسين الخدمة. اليوم وبعدما أصبحت الفاتورة على سعر منصة صيرفة – أي مُتحرّكة – لم تتحسّن الخدمة، لا بل على العكس تردّت في التخابر الصوتي والإنترنت (بغض النظر عن السبب). وتُقدّر الخسائر منذ رفع التعرفة وحتى يومنا هذا بأكثر من 50 مليار ليرة لبنانية منها جزء يعود إلى الإضراب القائم والجزء الأخر آت من المُعدّات التي لم يتمّ تجديدها.

أمّا على صعيد الكهرباء فقد كان من المفروض أن تتحسن التغذية بالتيار الكهرباء لتصل إلى 10 ساعات يوميًا بناءً على تصريح وزير الطاقة والمياه، إلا أن الحقيقة على الأرض مُغايرة لهذا الواقع حيث هناك مناطق لا تصلها الكهرباء لأيام عديدة وهذا الأمر بحسب المعلومات لا يعود إلى نقص الفيول، بل إلى تدني القدرات الإنتاجية على الشبكة. وكان معمل الزهراني قد توقّف عن العمل بهدف الصيانة وإمتدّت فترة التوقف على عدة أيام. وبالتالي، فإن الوعود برفع ساعات التغذية ذهبت مع الرياح، ولا نعلم إذا ما كانت التسعيرة الجديدة ما زالت قائمة أم لا! فالمشاكل التقنية التي تواجه البنى التحتية تُشير إلى أن أكثر ما يُمكن الوصول إليه في أحسن السيناريوهات هو 4 ساعات تغذية حتى ولو تأمن كامل طلب وزارة الطاقة والمياه. وهو ما دفع العديد من المواطنين المقتدرين إلى تركيب ألواح طاقة شمسية وذلك لتأمين الحدّ الأدنى من الكهرباء في ظل ارتفاع أسعار المولدات الخاصة.

أمّا على الصعيد الصحي، ترفض المستشفيات قبول مرضى الصناديق الضامنة، وبالتالي فإن المواطن يقوم بدفع الدولارات النقدية لكي يتم قبوله. وهنا تكمن المُشكلة حيث أن ثمن بعض الإجراءات الطبّية يتخطّى بأشواط قدرة العديد من المواطنين وهو ما يدفع المرضى المصابين بأمراض مزمنة إلى التخلّي عن العناية المطلوبة في حالتهم.

هذا الواقع المرير مُرشّح إلى التردّي أكثر مع الإستنزاف المُستمر لكل الخدمات العامة والتي أصبحت الدولة عاجزة عن تأمين إطارها التشغيلي أو صيانتها. والأصعب في الأمر هو عدم القدرة على تأمين عيشة كريمة بحدّها الأدنى للمواطنين وهذا يضع لبنان في مصاف الدول الفقيرة حيث من المتوقّع أن يظهر هذا التصنيف في لوائح المؤسسات الدولية قريبًا جدًا.

ما تورده منظمة هيومن رايتس ووتش على بوابتها الإلكترونية (https://www.hrw.org/ar/alshrq-alawst-wshmal-afryqya/lbnan) إدانة مُطلقة للسلطة السياسة في لبنان. وإذ نتحفّظ عن إعادة ذكر النصّ بالكامل، نكتفي بمقاطع من هذا النصّ تُظهر مدى عمق الأزمة في لبنان:

« أدخلت السلطات اللبنانية [...] البلاد في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العصر الحديث. يعيش حوالي 80٪ من سكان لبنان تحت خط الفقر، وأجّلت الحكومة مرارا خطط الحماية الاجتماعية الموعودة. تكافح المستشفيات لتوفير الرعاية المنقذة للحياة وسط الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا، ويستمر انقطاع التيار الكهربائي حتى 22 ساعة في اليوم. لم يُحاسب أحد على الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت في 4 آب 2020. استخدمت قوات الأمن أحيانا القوة المفرطة والقاتلة ضد المتظاهرين. ما تزال النساء يتعرضن للتمييز والعنف المنهجيين».

المنظّمة وفي تقرير لها صدر في 12 من الشهر الجاري، قالت إن غالبية الناس في لبنان عاجزون عن تأمين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية وسط أزمة اقتصادية متفاقمة، حيث تتحمل الأسر ذات الدخل المحدود العبء الأكبر. ودّعت المنظّمة الحكومة اللبنانية والبنك الدولي إلى «اتخاذ إجراءات عاجلة للاستثمار في نظام حماية اجتماعية قائم على الحقوق ويضمن مستوى معيشي لائق للجميع».

وبحسب المنظّمة التي أجرت مسحًا شمل 1209 أسرة طال الفترة بين تشرين الثاني 2021 وكانون الثاني 2022، الوضع الاجتماعي في لبنان خطير ونظام الحماية الاجتماعية عاجز عن مواجهة الأزمة بالنسبة لكثيرين وهناك 70% من الأسر التي تمّ سؤالها في هذا المسح، واجهوا صعوبة في تأمين الأموال اللازمة لدفع النفقات الأساسية حيث أن بلغ مدخول 40% من الأسر أقل من 100 دولار أميركي شهريًا (أي 0.8 دولار للشخص يوميًا!)، وأكثر من 90% من الأسر لها مدخول أقـــلّ من 377 دولارا أميركيا شهريًا (أي 3.14 دولار للشخص يوميًا). الجدير ذكره أن عتبة الفقر بحسب المعايير الجديدة التي أقرّها البنك الدولي هي 2.15 دولار أميركي يوميًا للشخص الواحد.

العام 2023، يحمل العديد من التحدّيات وعلى رأسها تحدّيات في القطاعات الآنفة الذكر. وما يرشح من التصريحات الرسمية فيما يخصّ موازنة العام 2023، لا يُبشّر بقرب الخلاص. فهل يحمل العام 2023 مفاجأة سارة للمواطنين اللبنانيين مع إنتخاب رئيس وتشكيل حكومة تقوم بإصلاحات تسمح لها بتوقيع إتفاق مع صندوق النقد الدولي؟ وحده الوقت كفيل بالردّ على هذا السؤال.