الصفا
تحت سقف الضّمانة الصينية وبقوّة دفع روسيا يجرى ترتيب الأوراق، بشكل يوحي بهامش مناورة كبير لدول المنطقة، خلافاً لما كان عليه الوضع حين كانت أميركا ضابط الإيقاع للدول العربية. وهذا يتجسّد بسرعة على وقع التفاهمات السعودية السورية، والسعودية الإيرانية. الأول وقد بدأت نتائجه على مستوى مكافحة تصدير الكابتغون من سوريا ولبنان إلى السعودية، وهو الموضوع الذي توليه المملكة أهمّية بالغة، والثاني قطع شوطاً على مستوى وقف الحرب في اليمن والتفاهم مع الحوثيين.
تزامنت زيارة وزير خارجية سوريا إلى المملكة مع وصول وفد إيراني رفيع إلى الرياض، وفي نفس الأسبوع استقبلت تركيا وزير الخارجية المصرية سامح شكري، بينما وصل رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى القاهرة، في زيارة رسمية للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي. وفي اليمن كان الاتفاق السعودي الإيراني دخل حيّز التنفيذ بلقاءات أمنية سعودية مع الحوثيين. خطوات أربكت الجانب الأميركي الذي بات عاجزاً عن تفادي ما يدور في المنطقة، والإسرائيلي الذي ما عاد المخطط بل هو يراقب إلى أين ستذهب الدول في تفاهماتها بعدما كان يعتبر نفسه يديرها عبر عملية التطبيع.
قد لا تولي سوريا عودتها إلى جامعة الدول العربية القدر من الأهمية الذي توليه لموضوع عودة علاقاتها الثنائية مع الدول العربية. تبدي مرونة بالغة في تعاطيها وتفتح ذراعيها مرحبة بالعودة إلى رحاب العلاقة المتينة مع السعودية. التمهيد لعودة العلاقات بدأ من خلال تبادل الزيارات الأمنية بين البلدين، وكان أخرها زيارة رئيس إدارة المخابرات العامة اللواء حسام لوقا على رأس وفد أمني كبير إلى السعودية قبل يومين، حين تم وضع اللمسات الاخيرة على عودة العلاقات الثنائية بتفاصيلها.
تقول مصادر متابعة أنّ تغيير السعودية لاستراتيجيتها من شأنه أن يحدث تغييراً في التوازنات، بالمقابل ترغب سوريا بإعادة ترتيب أوراقها وعلاقاتها مع الدول العربية وهي تفتح ذراعيها على المستقبل دون العودة إلى الماضي. وتتحدث المصادر عن إعادة تشكيل محور سعودي سوري مصري عراقي، لإحداث توازن جديد في المنطقة شبيه إلى حدّ بعيد بالمحور الذي كان تشكل في عهد الرئيس حافظ الأسد، والذي لعب دور الوسيط بين هذه الدول وطهران.
لا تصغي سوريا للأصوات التي تنتقد مرونتها المبالغ بها تجاه السعودية ولا تتوقف عندها، خاصّة حين تتلقى وعوداً من المملكة بالوقوف إلى جانبها لإعادة بسط سيادتها على كامل أراضيها. أمّا النقطة الأهمّ فهي في دخول السّعودية مباشرة على خط إعادة إعمار سوريا وهو ما كان في صلب المباحثات الثنائية.
تتحدّث المعلومات عن زيارة مرتقبة للرئيس السوري إلى السعودية قبل القمّة العربية، وأنّ جولة وزير الخارجية السورية التي بدأها في مصر وبعدها السعودية ستشمل كلا من تونس والجزائر والعراق لبحث مسألة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية تلك العودة التي يتحفّظ عليها عدد من الدول بينها قطر والمغرب. وفق ما ظهر من خلال اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي.
واستباقاً لاجتماعهم كانت طلبت السعودية زيارة وزير الخارجية السورية لعقد إجتماعات مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان، كورقة إيجابية تسبق البحث في مسألة إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية. كان من نقاط البحث الأساسية عودة العلاقات الثنائية وملف الكابتغون الذي توليه المملكة فائق أهمية وتريد تعاوناً مع سوريا لتحقيق النتائج المرجوة.
مسألة ثانية تخص لبنان على وجه التحديد تم الاتفاق بشأنها أيضاً تتعلق بعودة النازحين السوريين إلى بلدهم. وتقول معلومات موثوقة أنّ البلدين اتفقا على أن تموّل السعودية عودة النازحين، لكن دون الإعلان عن الخطوة إلى حين يتم التوافق مع الدول المعنيّة والبحث مع موسكو بشأن خطّتها التي سبق وأعدّتها للعودة ولم تنفذ.
ينتقل ملف العلاقات السورية السعودية تدريجياً من مرحلة التفاهم إلى مرحلة التعاون وصولاً إلى التشارك. فتحت السفارات في كلا البلدين وإستؤنف التمثيل الديبلوماسي على مستوى القناصل، كمرحلة أولى على أن يرتقي إلى مستوى السفراء بعد القمة العربية. التّركيز على تحسين العلاقة الثنائية بات مطلباً ملحاً تسعى إليه السعودية وترحّب به سوريا وهو سيسبق انعقاد القمة العربية واللقاء المرتقب الذي سيجمع قريباً الرئيس السوري بشار الأسد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتمهيداً لهذين الحدثين المرتقبين ستشهد المرحلة المقبلة مرونة في التعاطي وفي الخطاب السياسي الذي ظهرت بداياته من البيان المشترك السعودي السوري عقب لقاء وزيري خارجية البلدين في السعودية وفي خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأخير.
خرجت سوريا من عزلتها وعادت قبلة ومقصداً للدول العربية التي تريد دوزنة دورها في المنطقة. ما يهمّها هو إعادة الانفتاح للخروج من أزمتها وليس عودة عضويتها الى جامعة الدول العربية، ولذا ترفض شروط بعض الدول المسبقة عليها. وإذا كان الموقف المغربي ليس بذي شأن كبير فإنّ موضوع قطر مرتبط بحد كبير بمعالجة العلاقة السورية مع تركيا والوساطة المصرية التي تهدف إلى تأمين لقاء بين الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أن يتم تذليل كلّ العقبات التي تعترض ذلك اللقاء، وحينها ستكون قطر ملحقاً بتركيا من ناحية الموقف تجاه سوريا.
تسعى سوريا والسعودية إلى تأمين تصويت ثلثي الدول الأعضاء في الجامعة العربية على هذه العودة بلا حاجة إلى قطر والمغرب، وهذا كان واضحاً من موقف الأسد في موسكو، والذي أبعد السعودية عمّا أصاب بلاده في المرحلة الأخيرة وحيّدها عن دائرة المسؤولية، ولم يعتبرها في الموقع العدائي، أي أنّها لم تكن تحرّك الإخوان وداعش في سوريا. تعتبر سوريا أنّ الحرب عليها بدأت من خلال قطر وتركيا ثم لحقت بهما السعودية لكنه لم يتعاط معها كدولة معادية. تلاقت هنا مصالح بن سلمان والأسد في النظرة إلى قطر، وهناك تقاطع بينهما على اعتبار أنّها لعبت دوراً سلبياً ولذا تم تطويقها في محطات عدة:
- تقزيم دورها في لبنان من خلال سحب فعالية اللجنة الخماسية وتحويلها إلى ثنائية.
- بعدما كانت صلة الوصل مع إيران، أسقط اتفاق بكين هذا الدور، وأصبحت قطر دولة بلا قرار وبلا تأثير في اللعبة السياسية، بل دولة تملك من الغاز أكثر من نفوذها وعدد سكانها.
تدريجاً تسير الأمور باتجاه سين - سين جديدة. قد يكون من المبكر الحديث عن مسار كامل متكامل حالياً، لكنّ لبنان سيكون ملحقاً حكماً بالتفاهمات الحاصلة، ومثلما أدخلت السعودية سوريا على خط عودة النازحين ومكافحة تهريب الكابتغون، ستدخلها حكماً في مرحلة الحلّ للأزمات تباعاً ومنها رئاسة الجمهورية في لبنان. وعلى هذا الأمل يعيش المرشح الرئاسي سليمان فرنجية وحلفاؤه.
يتحدث مصدر وزاري في الثنائي الشيعي أنّ السباق لإعادة الانفتاح على سوريا سيشمل لبنان، وسيتجسد ذلك في زيارات قريبة سيقوم بها مسؤولون رسميون إلى العاصمة السورية، وأنّ سوريا باتت أكثر مرونة في التعاطي مع الشأن اللبناني وقد تجاوزت ما حصل في المراحل السابقة.