جمال واكيم

في العشرين من آذار 2003 بدأت الولايات المتحدة غزوها للعراق، ومع حلول التاسع من نيسان كانت القوات الأميركية قد دخلت إلى بغداد مطيحة بالرئيس العراقي صدام حسين، وبادئة لاحتلالها لهذا البلد حتى يومنا هذا على الرغم من إعلانها عن سحب قواتها في العام 2011.

ظروف الغزو

تذرّعت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن (2001 – 2009) بأن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل ما يجعله يشكل تهديدا للأمن الدولي، وأنّ الإطاحة بصدام حسين كانت جزءًا من الحرب التي أعلنتها على الإرهاب، عقب تعرّض نيويورك وواشنطن لهجمات من قبل تنظيم القاعدة في 11 أيلول 2001. وقد جاء غزو العراق بعدما سبق واجتاحت القوات الأميركية وحلفاؤها أفغانستان للإطاحة بنظام طالبان، بحجة أنه كان يؤوي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

وقد تمكنت واشنطن من حشد دعم ثلاثين دولة، شاركت بعض منها بإرسال قوات للمشاركة بالغزو، وكان على رأسها بريطانيا التي شاركت بـ 45 ألف جندي، وأستراليا التي شاركت بإرسال ألفي جندي إضافة إلى بولندا وأوكرانيا، فيما قدمت اسبانيا وإيطاليا وعدد من دول أوروبا الشرقية دعماً سياسياً لعملية الغزو، فيما سمحت الكويت بانطلاق قوات الغزو من أراضيها.

في المقابل عارضت كل من كندا والمكسيك وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين وعدد كبير من الدول غزو العراق، فيما رفضت تركيا السماح للقوات الأميركية الانطلاق من أراضيها لغزو شمال العراق وعارضت المملكة العربية السعودية الغزو.

الغزو ... لمواجهة صعود الصين وروسيا؟

وفي حقيقة الأمر فإنّ غزو العراق كان يشكّل جزءًا من مشروع أميركي جيوسياسي لمواجهة صعود القوى الأوراسية وعلى رأسها الصين وروسيا. فلقد كانت القوتان قد بدأتا تتقاربان خلال التسعينات من القرن الماضي، في مواجهة محاولات واشنطن لتوسيع نفوذها إلى شرق أوروبا وجنوب شرق آسيا على حساب الأمن القومي الروسي والصيني. وفي حزيران من العام 2001 كانت القوتان قد شكلتا حلفاً مع أربع دول في آسيا الوسطى هي طاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان، تحت مسمّى منظمة شانغهاي للتعاون التي كانت تهدف إلى منع تمدّد نفوذ واشنطن إلى آسيا الوسطى.

بعد ثلاثة أشهر، وبذريعة الردّ على اعتداءات 11 أيلول، اجتاحت الولايات المتحدة أفغانستان. كانت الذريعة هي أن حركة طالبان كانت تؤوي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، لكن في حقيقة الأمر كانت واشنطن تنوي احتلال هذا البلد لكونه يشكل أعلى هضبة في أوراسيا، وهي تطل على وسط آسيا التي تشكل نقطة الضعف في الأمن القومي الصيني والروسي والإيراني. فمن هذه المنطقة كانت تنطلق دائما الغزوات التي تسيطر على القوى الثلاث. كذلك فإنّ واشنطن كانت تريد تحديد المدى الأقصى لمنطقة الشرق الأوسط التي تريد السيطرة عليها، من المحيط الأطلسي غرباً إلى حدود الصين شرقاً لأن هذه المنطقة تشكّل عقدة المواصلات في العالم، ومن يسيطر عليها تكون له اليد العليا في النظام الدولي الذي كان ينتقل من أحادي القطبية إلى متعدد الأقطاب.

كان على واشنطن أن تعطي عمقاً لهذا الشرق الأوسط عبر تطويع المنطقة، وذلك بإعادة تشكيل جغرافيتها السياسية، بتقسيم كياناتها الوطنية إلى كيانات قائمة على الطائفية والعشائرية تحت مسمى التعدّدية. من هنا جاء اجتياح العراق كمقدمة لتقسيمه وإقامة منطقة فاصلة بين سوريا وإيران، اللتان كانتا تلعبان دور رأس الحربة في مواجهة الهيمنة الأميركية. وكانت واشنطن تأمل في أن تؤدي السيطرة على العراق إلى عزل النظام في سوريا وفي إيران وبالتالي إلى سقوطهما تلقائيا.

الكلفة العالية للغزو

لكن ما جرى هو أنّ دمشق وطهران دعمتا المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال الأميركية، ما جعل هذا الاحتلال مكلفاً على الصعيدين البشري والاقتصادي. وتشير التقديرات الأولية إلى أن الحرب الأميركية على العراق أدّت إلى مقتل أكثر من 460 ألف عراقي، وسقوط أكثر من 4 آلاف جندي أميركي إضافة إلى عشرات آلاف الجرحى، عدا عن أنّ الكلفة الاقتصادية تقدّر بثلاثة تريليونات دولار أميركي. وقد ساهم هذا، إضافة إلى كلفة الحرب الأميركية في أفغانستان، في تفجّر أزمة اقتصادية في الولايات المتحدة في العام 2008 انتقلت إلى باقي الاقتصادات في العالم المرتبطة بالاقتصاد الأميركي.

لقد شلّت الكلفة العالية للحرب على العراق قدرة الولايات المتحدة على شن حروب كبرى، ما جعلها بعد ذلك تعتمد على أساليب القوّة الناعمة في محاولة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية. وقد تجلى ذلك في دعمها لثورات الربيع العربي لتغيير الأنظمة في المنطقة العربية، حتّى تلك الأنظمة المتحالفة معها. فكانت الإطاحة بزين العابدين بن علي في تونس، ومعمر القذافي في ليبيا، وحسني مبارك في مصر، وعلي عبد الله صالح في اليمن، ودعم محاولات الإخوان المسلمين في الوصول إلى الحكم في سوريا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول.

إلّا أنّ هذا منع الولايات المتحدة من توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، على الرّغم من التحدّي الذي كانت تشكّله طهران لمشاريع الهيمنة الأميركية في المنطقة، وخصوصاً في الهلال الخصيب مثل العراق وسوريا ولبنان. فلقد كانت أي عملية عسكرية يمكن أن تشنّها واشنطن ضد طهران ستكلّفها غالياً، أكان ذلك على صعيد الخسائر العسكرية البشرية وفي العتاد، أو كان ذلك على صعيد كلفة هذه الحرب مع عدم ضمان تحقيق الهدف الاستراتيجي الأميركي بضرب إيران.

وقد أشّر هذا إلى تراجع في سطوة الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، ما دفع بعددٍ كبيرٍ من الدول بما فيها الحليفة للولايات المتحدة إلى تنويع علاقاتها وتحالفاتها الدولية، ومن ضمن هذه الدول مصر وأيضا المملكة العربية السعودية، التي قبلت بالانفتاح على إيران بوساطة صينية، والامارات العربية المتحدة التي تقدمت مع الرياض بطلب الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة بريكس اللتان تعدّان تكتلات دوليّة تتحدّى الهيمنة الأميركية.

بالتالي فلقد يكون غزو العراق آخر الحروب الأميركية الكبرى في المنطقة وفي العالم، في ظل تقديرات بتراجع الدور الأميركي في العالم مع تراجع سطوتها العسكرية والاقتصادية.