جمال واكيم

خلال منتصف شهر آذار أجرت إيران والصين وروسيا مناورات بحرية عسكرية لمدة خمسة أيام في شمال المحيط الهندي بالقرب من مضيق هرمز. ونشرت وكالة مهر الإيرانية مقطعاً مصوراً دعائياً للجيش الإيراني المشارك بالمناورات التي جرت تحت عنوان "الحزام الأمني البحري"، أعلنت فيه أن قوات بحرية الجيش الإيراني والحرس الثوري الإيراني والقوات البحرية الصينية والقوات البحرية الروسية نفّذت مناورات عسكرية مشتركة قرب مضيق هرمز.

سير المناورات

وتضمنت هذه المناورات محاكاة لمواجهة عملية قرصنة ضد سفينتين مدنيتين. وقال المتحدث باسم المناورات الادميرال الايراني مصطفى تاج الديني إن "وحدات بحرية وجوية من الدول الثلاث حررت سفينتين تجاريتين خطفهما قراصنة في مياه دولية." وأكد تاج الديني أن المناورات جرت "في إطار التعاون العسكري والأمني المهم بين الدول الثلاث للتصدي لتهديدات قائمة،" وأنها تهدف إلى "تعزيز القدرات والجهوزية القتالية وتعزيز العلاقات العسكرية بين البحرية الإيرانية والروسية والصينية وضمان الأمن المشترك والتصدي للإرهاب البحري."

وامتدت المناورات على مساحة 17 ألف كلم مربع في شمال المحيط الهندي قبالة مضيق باب المندب الذي يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن، والذي يعد ممراً حيوياً للسفن وناقلات النفط المتجهة نحو قناة السويس أو منها. والجدير ذكره أن المناورات أتت في أعقاب زيارة رسمية للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو أعلن خلالها إن طهران لا تضع "قيوداً على توسيع العلاقات مع روسيا." كما أنها أتت على وقع محادثات في فيينا بهدف إحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015 بين إيران والقوى الكبرى ومن بينها روسيا والصين.

وتكمن أهمية المناورات في أنها تأتي قبالة مضيق هرمز وباب المندب اللذان يعدان ممران بحريان رئيسيان للربط بين منطقة الخليج والمحيط الهندي ومنطقة شرق المتوسط، وهي المنطقة التي تعتبرها الولايات المتحدة رئيسية بالنسبة لها، في إطار استراتيجيتها للسيطرة على طرق الملاحة البحرية في العالم، وفي المحيط الهندي ذو الأهمية الاستراتيجية الكبيرة في إطار التنافس بين القوى الكبرى على الهيمنة العالمية.

أهمية المحيط الهندي الاستراتيجية

ويقع المحيط الهندي بين قارة آسيا في الشمال وقارة افريقيا في الغرب وقارة اوقيانيا (وتشمل استراليا وميلانيزيا وميكرونيسيا وبولنيزيا) في الشرق والمحيط المتجمد الجنوبي في الجنوب. وتكمن أهميته في أنه معبر للتبادل التجاري بين أفريقيا وآسيا، وهذا ما جعله مسرحاً للنزاعات عبر التاريخ. ويضم المحيط الهندي أهم ثلاث معابر مائية في التجارة الدولية وهي مضيق باب المندب الرابط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، ومضيق هرمز الرابط بين منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي، ومضيق مالاقا ما بين ماليزيا وأندونيسيا والذي يربط بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي الذي يطل على المحيط الهادئ.

ويشكّل هذا المحيط مسرحاً لحركة الأساطيل البحرية لمختلف دول العالم، وخصوصاً الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند واليابان، التي تعمل على حماية أساطيلها التجارية أو تلك التي تنقل الطاقة. لذلك فإن أمن المحيط الهندي لا يرتبط فقط بالدول المشاطئة بل حتّى الدول البعيدة مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

وتنظر الصين باهتمام إلى المحيط الهندي خصوصاً أن حاجتها إلى الطاقة تضاعفت في العقود الأخيرة، نتيجة تطورها الصناعي والتحولات التي تشهدها لجهة انتقال مجتمعاتها الريفية إلى مجتمعات مدينية. وهي من المتوقع أن تستورد 7.3 مليون برميل يومياً من منطقة الخليج، أي ما يساوي نصف إنتاج المملكة العربية السعودية المتوقّع، علماً أن نحو 85 بالمئة من النفط ومشتقاته المتوجهة إلى الصين تمرّ عبر المحيط الهندي.

لذا فلقد اعتمدت بكين استراتيجية عقد اللؤلؤ في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي، والتي تقوم على إنشاء سلسلة من القواعد البحرية على طول الساحل الشمالي لهذا المحيط مثل ميناء غوادار في باكستان، الذي يمكنها انطلاقاً منه مراقبة حركة الملاحة في مضيق هرمز، ومحطة التزود بالوقود على الساحل الجنوبي لسريلانكا، والقاعدة البحرية التجارية في شيتاكونغ في بنغلادش، ومحطات المراقبة في جزر خليج البنغال. كذلك فإنّ بكين تدعم دولة ميانمار وتقدّم لها المساعدات العسكرية وتؤهل القواعد البحرية. وهي تعمل على إنشاء شبكة من الأنابيب لنقل النفط من خليج البنغال عبر أراضي ميانمار إلى إقليم يونان في جنوبي غربي الصين.

الأثر على الهيمنة الأميركية

وتولي الصين أهمية خاصة لمضيق هرمز الذي يربط المحيط الهندي بالخليج العربي. ويبلغ عرض هذا المضيق 33 كيلومتراً، لكن الممر الملاحي فيه لا يتجاوز ثلاث كيلومترات. ويمر في هذا المضيق خُمس إنتاج العالم من النفط أي نحو 17.4 مليون برميل يومياً، علماً أن حجم الاستهلاك العالمي بلغ 100 مليون برميل يومياً في العام 2018. ويمر عبر مضيق هرمز معظم الصادرات الخام للمملكة العربية السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة والكويت والعراق، وجميعها دول أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). إضافة إلى ذلك يمر عبر هذا المضيق كل إنتاج قطر من الغاز المسال، علماً أن هذه الأخيرة تعتبر أكبر منتج للغاز المسال في العالم.

هذا جعل المناورات الروسية الإيرانية الصينية في منطقة شمال المحيط الهندي تشكل تحدياً للاستراتيجية الأميركية القائمة على الهيمنة على طرق الملاحة البحرية. فكتاب المفكر الجيوسياسي الأميركي روبرت كابلان بعنوان "الرياح الموسمية: المحيط الهندي ومستقبل القوة الأمريكية" يعتبر أن مواصلة الولايات المتحدة لهيمنتها على طرق الملاحة البحرية العالمية يستند بدرجة كبيرة على قدرتها على إبقاء هيمنتها على الملاحة في المحيط الهندي.

ويعتبر كابلان أنه في القرن الحادي والعشرين سينتقل تركيز الولايات المتحدة من منطقة المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي الذي تقع على شواطئه أو بالقرب منها القوى الأوراسية الصاعدة مثل الهند وباكستان والصين وإندونيسيا وأيضا بورما وسلطنة عمّان وسريلانكا وبنغلاديش وتنزانيا. ويوضح كابلان مدى أهمية هذه المنطقة للقوة الأمريكية. لذا فإنه في هذه المنطقة يجب أن تركّز الولايات المتحدة سياستها الخارجية إذا أرادت أن تبقي على هيمنتها العالمية.