ريتا ماريا سعد
يعتبر الاحتفال بعيد الأم من الاحتفالات التي يعود تاريخها بشكل من الأشكال إلى زمن الإغريق حيث كان الناس يحتفلون في فصل الربيع وتحديداً بين 15 و18 آذار بعيد "ريا" أم الآلهة رمز الطبيعة والخصوبة، وتطور الأمر مروراً بحضارات عدة وصولاً إلى يومنا هذا وكان الهدف دوماً، تكريم النساء على دورهن كأمهات في تربية الأبناء وتأثيرهن في مجتمعاتهن.
في العام 1872، وفي الولايات المتحدة الأميركية، اقترحت المؤلفة جوليا وورد هاوي الاحتفال بعيد الأم بهدف تمكين الأمهات من المشاركة في مسيرات السلام. آنا ماريا جارفيس كانت ناشطة اجتماعية كافحت من أجل حياة صحية للنساء في مجتمعها المحلي، وبعد وفاتها في العام 1905، بدأت ابنتها آنا جارفيس بالدعوة لاعتماد يوم لتكريم الأمهات والأمومة وجعله عيداً وطنياً، وفي عام 1908، نظمت مجموعة من الأمهات تقودهن آنا جارفيس حملة للاحتفال بيوم الأم في ثاني "أحد" من شهر أيار، وتم الاعتراف بعيد الأم رسميًا في العام 1914 من قبل الكونغرس في الولايات المتحدة الأمريكية. ويعتبر عيد الأم عطلة رسمية في الولايات المتحدة، وتم تحديد تاريخ له في 2 أيار، وقد تبنّت دول عديدة هذا التاريخ.
وتختلف تواريخ الاحتفال بالعيد من دولة إلى أخرى. إذ يصادف عيد الأم في العالم العربي في 21 آذار من كل عام، وتعود فكرة الاحتفال بعيد الأم في الدول العربية إلى مؤسس صحيفة "أخبار اليوم" عام 1955 الصحفي المصري علي أمين.
في العام 1956، وتحديداً في بداية فصل الربيع في 21 آذار، كانت مصر أول بلد عربي يحتفل بعيد الأم، ولا يزال الاحتفال به قائماً في معظم البلدان العربية بنفس التاريخ من كل عام، أما المغرب والجزائر وتونس، تحتفل بعيد الأم في آخر يوم "أحد" من شهر أيار.
وهناك الكثير من البلدان التي تحتفل بعيد الأم بتواريخ مختلفة من كل عام، منها:
- المكسيك، بتاريخ 10 أيار
- أستراليا وكندا وجنوب أفريقيا، بتاريخ ثاني يوم "أحد" من شهر أيار
- فرنسا، بتاريخ أول يوم "أحد" من شهر حزيران
- السويد، بتاريخ آخر يوم "أحد" من شهر حزيران
- إسبانيا، بتاريخ 8 كانون الأول، المرتبط بيوم تكريم السيدة العذراء من قبل الكنيسة
- يوغوسلافيا، بتاريخ أول يوم "أحد" من شهر كانون الأول، وتستمر الاحتفالات لمدة ثلاثة أيام
- إنكلترا وإيرلندا، بتاريخ اليوم الرابع من الصوم الكبير
مظاهر هذا العيد لا تغيب عن منازل اللبنانيين، وهذا ما يعكسه الازدحام أمام محلات الحلويات، حيث يتسابق اللبنانيون لشراء قالب حلوى، لكن هذا العام، وفي ظل الانهيار الاقتصادي، يشهد هذا العيد تراجعاً ملحوظاً في شراء الهدايا قياساً بالسنوات الماضية، وبات الحصول على باقة ورد وقالب حلوى وهدية للأم يتطلب دفع راتب بكامله، وغالباً أكثر من راتب.
ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية رفع الأسعار إلى مستوى غير مسبوق، باتت باقة الورد الصغيرة سعرها مليون ونصف المليون ليرة لبنانية، وسعر قالب الحلوى المتوسط الحجم وصل إلى مليوني ليرة.
ومهما حصلت الأم على هدايا هذا العام رغم صعوبة تحقيق هذا الأمر، إلّا أن فرحتها ستبقى ناقصة لاحتفالها بَعيدة عن أولادها أو بعضاً منهم، حيث ستكون أغلب المعايدات عبر Video Call بعدما أدت الظروف المعيشية والاقتصادية في لبنان إلى هجرة العديد من الشباب بحثاً عن فرصة عمل يستطيعون من خلالها مساعدة أهلهم في لبنان.
تلك الأم التي فرحت لحصول ابنها او ابنتها على فرصة عمل في الخارج، في ظل الضائقة المالية الخانقة في البلاد، لا يمكن إلا أن تشعر بالغصة في هذه المناسبة، وللأسف، فإن لسان أغلب الأمهات اليوم يقول:
"ربّيناهم ليهاجروا".
ووفقاً لـ "الدولية للمعلومات" المتخصصة بالإحصاءات والدراسات عن ارتفاع الهجرة في أوساط الشباب في لبنان، واستناداً إلى حركة دخول وخروج اللبنانيين الصادرة عن المديرية العامة للأمن العام، لوحظ خلال السنوات الـ 5 الماضية ارتفاع كبير بأعداد المهاجرين والمسافرين بلغ 18863 في العام 2017 وارتفع إلى 33129 في العام 2018، لكنه تضاعف ووصل إلى 66806 في العام 2019، وهي السنة التي شهد فيها لبنان احتجاجات شعبية وبدء انهيار الليرة وتسريح آلاف الموظفين وتجميد البنوك ودائع المواطنين.
تجدر الإشارة إلى أن أغلبية المهاجرين والمسافرين هدفهم تأمين عمل، وان نسبة 70% منهم من الفئة العمرية الشابة ما بين 25 و40 سنة.
"عيدٌ وبأية حالٍ عُدْتَ يا عيدُ؟" نعم انها المقولة الأكثر ترداداً في الآونة الأخيرة في ظل الأزمات والهموم التي يعيشها اللبنانيون.
"كل عام وانتِ بخير يا أمي" إنها الأمنية الصادقة النبيلة من كل إبنٍ وإبنة لتلك الأم والجدّة، فهي الهدية الأحب والأغلى على قلبها، فلا تبخلوا على أمهاتكم وأمهاتكن بهذه المعايدة.