داود إبراهيم
لم يكن مفاجئاً الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران وإعادة فتح سفارتي البلدين، بحسب بيان مشترك صدر في بكين. هذا التطور يأتي بعد إعلان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان "إن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سوريا لا يجدي وأن الحوار مع دمشق ضروري..." تأتي هذه التطورات لتعيد خلط الأوراق في المنطقة ومن ضمنها لبنان.
ما يحصل على صعيد العلاقات الإيرانية السعودية والسعودية السورية، يدفع إلى السؤال عن مصير حملة التطبيع العربية الإسرائيلية التي تم العمل عليها من قبل الغرب وحققت خطوات متقدمة. فهل تعود إسرائيل إلى موقع العدو مع عودة إيران إلى مدارها الخليجي؟ فهل ما يحصل عندنا منعزل عن تطورات وتأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية في مطلع عامها الثاني؟ وكيف يمكن ترجمة هذا التموضع المستجد على جبهة الصراع العربي الإسرائيلي وسط التصعيد الحاصل في الداخل الفلسطيني؟
هذا التوافق الإقليمي الذي رعته الصين لا يبدو منعزلاً عن الحراك على الساحة الدولية. محور روسيا الصين بمواجهة محور الولايات المتحدة أوروبا، فهل اختار لبنان التوجه شرقاً أو اختاروا له ذلك؟ وهل يمكن تصور الغرب متفرجاً على ما يجري على الساحة اللبنانية ضمن ساحات التوتر المختلفة في المنطقة؟ مع العلم أن خفض التوتر وعودة العلاقات بين الرياض وطهران يمكن أن ينسحب على ساحات عدة من ضمنها اليمن والعراق إضافة إلى لبنان وساحات أخرى.
وسط كل هذه الأسئلة والتطورات العالمية والإقليمية يبدو استحضار الواقع اللبناني والاستدلال على ما يمكن أن يجنيه كما لو أنه ضَرْب من التنجيم. ولكن لطالما كان لبنان صندوق بريد أو متنفس للصراعات. فهل يكون من السابق لأوانه قراءة عودة الروح إلى العلاقات بين دمشق وطهران من جهة والرياض من جهة أخرى من زاوية انتخاب الرئيس؟ أو من بوابة دعم لبنان للخروج من أزمته المالية الاقتصادية؟ هل تنتهي هذه التطورات إلى التوافق على عودة النازحين السوريين إلى بلادهم؟ مع ما يعنيه هذا الأمر بالنسبة للواقع المعيشي في لبنان؟
لبنان الذي كان حتى الأمس منشغل بمواقف الأطراف الداخلية من استحقاق الانتخابات الرئاسية مع رصد صدى هذه المواقف خارجياً، يبدو أن جمهور المعركة الانتخابية أعاد برمجة صُحونه اللاقطة لمتابعة ما يجري على ملاعب أخرى في المنطقة. دعم الثنائي الشيعي ترشيح سليمان فرنجية، وهو ما ينظر إليه على أنه يمثل محوراً من المحاور التي تتنازع النفوذ في المنطقة، يقابله العرض الذي يبدو أن الثنائي بما يمثل على استعداد للتنازل عنه للمحور المقابل. وقد جرى العمل منذ مدة على الترويج لمقولة رئيس من عندنا ورئيس من عندكم. وتم اقتراح أسماء عدة لتولي موقع رئاسة الحكومة، يبقى أبرزها نواف سلام. فهل تم وضع المقايضة على السكة؟
رغم إصرار أمين عام حزب الله حسن نصرالله على الحديث على ضرورة التوافق والحوار الداخلي لانتخاب رئيس وعدم انتظار الخارج لطالما أكّد شريكه في الثنائية رئيس حركة أمل رئيس المجلس النيابي نبيه بري على أهمية توافق السين سين في إشارة إلى سوريا والسعودية بداية ومن بعدها سين ألف ويعني بها السعودية إيران، لبلوغ التسوية التي من شانها تخفيف الاحتقان الداخلي والدفع باتجاه توافق الفرقاء على تسوية تعيد إنتاج السلطة في لبنان. لكنها سلطة لن تكون بعيدة عن شبيهاتها التي كانت حاكمة في زمن التوافق السعودي السوري وما اصطلح على تسميته محلياً زمن الوصاية السورية على لبنان.
محاولة إعادة الزخم إلى العلاقات التي انقطعت طويلاً لا بد وأنه يستدعي مقاربات لبنانية مختلفة عن تلك التي أدت بالبلاد إلى حالة العطب التي أصابتها حتى لا نقول الفشل. فهل يمكن تصور أن يكون للحلول أياً كان مصدرها نفس الترجمات في الداخل اللبناني؟ فهل ينتظر المسؤولون عندنا أن يسمعوا الجواب نفسه الذي أسرّت به السفيرة الأميركية للرئيس بري بخصوص فرنجية على لسان السفير الصيني ليحتفلوا بالحدث الرئاسي؟ وهل يكون حقل التوجه شرقاً مطابقا لحساب البيدر الغربي؟ أم أننا سنركب موجة التغيير التي أصابت العالم مع تراجع الحكم الأحادي للكرة الأرضية لتتوزع السلطة محاور عدة؟
فلندع للخارج حسابات الربح والخسارة الخاصة به، ونطرح المسألة من باب الحد من الخسائر على الساحة المحلية. ونعمل على تحديد أي رئيس نريد للمرحلة المقبلة. ما هي المواصفات المطلوبة وفقاً للدور المرتجى. إدارة الأزمة من دون رؤيا يتوافق عليها الفرقاء المحليون لا يمكن أن تكون الحل، إنما تعني التسليم بالمسار والمصير الذي ندفع ثمنه اليوم. فهل سيهدر لبنان مرة فرصة التسديد ويتلهى بتقاذف الكرة بين اللاعبين؟ لا بد من الإقرار أن التقارب الحاصل بين إيران والسعودية فرصة لوضع برنامج حكم جديد، يمكن له الاستفاد من مظلة البلدين لإرساء الاستقرار الداخلي سياسياً وأمنيا ومالياً. ملاقاة الخارج تتطلب من اللبنانيين أن يكونوا على استعداد للتضحية بالشأن الخاص لصالح الشأن العام، النهوض بالوطن والمصلحة الوطنية لا بد وأن تكون أسمى وأهم من المصالح الخاصة. ليست مسألة أسماء وشخصيات إنما الموضوع كل الموضوع برنامج الحكم والرؤية الإصلاحية التي لا نملك ترف تأخيرها أو انتظار هبوطها علينا بالمظلة. ما نحتاجه اليوم هو القدرة على ابتكار الحلول بل واجتراح المعجزات. فهل يجوز الرهان على معجزة في لبنان. إنها الصين التي اجتاحت العالم بما صنعته، فهل يكون مستقبل البلد صنع الصين؟