جمال واكيم

قبل ثلاثة أسابيع ضرب زلزال مدمر شمال سوريا وجنوب تركيا، موقعاً نحو خمسين ألف قتيل حتى الآن ومئات آلاف الجرحى بالإضافة إلى ملايين المشرّدين وخسائر قدّرت بعشرات مليارات الدولارات.

لكن يبدو أن الكارثة الإنسانية هذه كان لها وجه "إيجابي" إذ أنها ساهمت في كسر العزلة العربية والدولية على دمشق، بعدما أحرجت المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، إذ اجتاحت العالم موجة تضامن مع تركيا، ولكن أيضا مع سوريا المحاصرة والمفروض عليها قانون عقوبات قيصر من قبل الولايات المتحدة والذي تنصاع له القوى الغربية والكثير من دول العالم والدول العربية.

دول تسارع لإغاثة سوريا

فما إن وقعت الكارثة حتى تنادت حكومات حليفة لدمشق مثل إيران وروسيا وكوريا الشمالية، وأخرى صديقة كالجزائر والعراق وسلطنة عمان والصين وغيرها، لإرسال قوافل إغاثية لدمشق. والجدير ذكره أن الحكومة اللبنانية بادرت إلى إرسال وفد وزاري برئاسة وزير الخارجية عبد الله بوحبيب إلى سوريا للاطلاع على حاجاتها من المساعدات. وقد التقى الوفد الرئيس السوري بشار الأسد الذي قدّر عالياً إعلان وزير الأشغال اللبناني علي حمية باسم الحكومة اللبنانية عن فتح مطار ومرافىء لبنان أمام قوافل المساعدات المتوجهة نحو سوريا.

وقد كان لافتا وصول وزير الصحة ووقاية المجتمع الاماراتي عبد الرحمن بن محمد العويس إلى اللاذقية، على متن طائرة محملة بستة وأربعين طناً من المساعدات الإنسانية وبرفقة وفد طبّي إماراتي للاطّلاع على المناطق المتضررة جرّاء الزلزال. وقد كان هذا جزءًا من عملية "الفارس الشهم 2" التي أطلقتها أبو ظبي لتقديم المساعدات لسوريا وتركيا بعد وقوع الزلزال المدمّر في البلدين. وترافق ذلك مع تسيير قوافل إغاثة بمبادرات شعبية من العراق ولبنان وتونس وليبيا وغيرها إلى سوريا.

والجدير ذكره أن حكومات كانت تقاطع سوريا، مثل مصر والمملكة العربية السعودية بادرت إلى تقديم مساعدات من دون شروط. فلقد سارعت مصر إلى إرسال عدة طائرات محمّلة بالمساعدات إلى سوريا، إضافة إلى عدد من السفن كان أبرزها سفينة محمّلة بنحو خمس مئة طن من المساعدات الإنسانية. وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد اتصل بالرئيس السوري بشار الأسد معرباً عن تضامن مصر مع سوريا وشعبها وعن حرص القاهرة على تقديم العون "لمساعدة الشعب السوري على تجاوز هذا المصاب الأليم."

من جهتها أعلنت المملكة العربية السعودية عن إطلاق مشاريع إغاثة للمتضررين من الزلزال في سوريا وتركيا بقيمة 183 مليون ريال سعودي (47,6 مليون دولار أميركي) في إطار منتدى الرياض الإنساني بدورته الثالثة الذي ينظمه مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية والذي تم إطلاقه بالشراكة مع الأمم المتحدة.

ولم يقتصر الأمر على الحكومات العربية أو الإسلامية أو الصديقة لدمشق، بل إن دولا أوروبية تلتزم قانون قيصر الذي فرضت الولايات المتحدة بموجبه عقوبات على سوريا، خرقت الحصار وأرسلت مساعدات لسوريا كان من أبرزها إيطاليا التي كانت أولى هذه الدول في إرسال طائرة مساعدات إلى دمشق.

تحركات تكسر عزلة دمشق الدبلوماسية

حجم التعاطف الإنساني مع دمشق أحرج الإدارة الأميركية برئاسة الرئيس جو بايدن ما دفع بوزارة الخزانة الأميركية إلى الإعلان عن أن قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على سوريا لا يطال المساعدات الإنسانية. وقد أعلن البيان صراحة تعليق مفاعيل القانون لستة أشهر، أي حتى شهر آب المقبل.

وقد آذن هذا بخرق واسع للعقوبات المفروضة على سوريا ترافقت مع حديث سياسي عن كسر عزلة دمشق على الصعيد العربي، وهو ما تم التعبير عنه في الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى سلطنة عمان التقى خلالها السلطان طارق بن هيثم، علماً أن سلطان عمان قد أعلن أن بلاده ستقف مع سوريا في كل ما يلزم لتخطّي هذه المحنة. والجدير ذكره أن سلطنة عمان هي ثاني بلد خليجي يزوره الأسد خلال عقد من الأزمة السورية، بعدما سبق وزار الامارات العربية المتحدة في عدة مناسبات، علماً أن أبو ظبي كانت من بين العواصم القليلة التي بقيت على علاقة طيبة مع دمشق طوال فترة الأزمة السورية.

ومن مؤشرات هذا الخرق زيارة وفد برلماني عربي ضمّ رئيس الاتحاد البرلماني العربي محمد الحلبوسي، ورؤساء مجالس النواب في الإمارات، والأردن، وفلسطين، وليبيا، ومصر، إضافة إلى رئيسي وفدي سلطنة عمان ولبنان، والأمين العام للاتحاد البرلماني العربي لدمشق. وقد حضر الوفد جلسة لمجلس الشعب السوري أكّدوا خلالها دعم سوريا حاضراً ومستقبلاً، وطالبوا بعودتها إلى الحضن العربي، في إشارة إلى ضرورة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. واعتبر رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي أن لا غنى للعرب عن سوريا ولا لسوريا عن محيطها العربي. وأعلن رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح أن هذه الزيارة تمثل عودة الأمة العربية إلى سوريا قلب العروبة النابض. وطالب أعضاء الوفد برفع العقوبات عن سوريا.

وقد التقى الوفد البرلماني العربي الرئيس بشار الأسد الذي أكد أن "زيارة الوفد البرلماني العربي لدمشق تعني الكثير بالنسبة للشعب السوري، لأنها تعطي مؤشراً على وقوف العرب إلى جانبه في الظروف الصعبة التي يعيشها. وبفعل الحرب الإرهابية وتداعيات الزلزال، كما أن هذه الزيارة تؤكّد أن هناك مؤسسات عربية فاعلة قادرة في مختلف الظروف على أخذ زمام المبادرة والتحرك لصالح الشعوب العربية." وأعرب الأسد عن شكره للاستجابة السريعة التي أظهرتها الدول العربية على المستويين الشعبي والرسمي لمساعدة الشعب السوري في تجاوز آثار الزلزال.

كل هذا يؤشر إلى أن الحصار الأميركي على سوريا قد كُسِر بدرجة كبيرة عربياً وحتى دولياً. فهل أن كارثة الزلزال ستمهّد إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وإعادة علاقاتها مع معظم الدول العربية، عدا عن دول كثيرة إسلامية وحول العالم؟