داود إبراهيم

بالأمس رحل مخايل الضاهر، النائب اللبناني الذي ارتبط اسمه بالتلويح الأميركي بالفوضى في حال لم يتم انتخابه رئيساً للجمهورية. إنه الخارج الذي اختار رئيساً للبلاد وعلى ممثلي الشعب في المجلس النيابي انتخابه، في مشهد فولكلوري يطلقون عليه تسميات كثيرة منها "عرس الديمقراطية". ولكنها ديمقراطية بالفرض، ترفض الخيارات المحلية وتختار ما يناسب الخارج محلياً بانعكاسات وتأثيرات إقليمية.

حضر اسم الضاهر في ظل شغور رئاسي، كانت البلاد منقسمة بين فريق يرفض الضاهر ويمثل أغلبية مسيحية، في مقابل وفريق لا يمانع، بل هو أكثر بمرحب. لا يختلف مشهد الأمس ذاك عن مشهد اليوم سوى برحيل الضاهر وغياب أي اسم آخر معلن. يجتمع الخارج، يدرس، يناقش ويقرر وينقل قراراته السفراء المعتمدين إلى الجهات المعنية، فيتجدد الانقسام. الخارج اليوم يتحدث عن مواصفات لا أسماء، أو هكذا يشاع، لينطلق البحث عن الاسم المناسب للمهمة. ويبدو في الأمر ملهاة كتلك الرواية التي تتحدث عن القبعة التي تبحث عن رأس يناسبها.

في تلك الفوضى التي أعقبت إفشال وصول الضاهر الذي انتخبه الخارج لنا إلى سدة الرئاسة، حروب ودمار وضحايا، تهجير ونفي وسجن. فوضى استمرت طويلاً قبل أن تستقر الأوضاع بالبلاد ولو على أسس ثبت اليوم أنها كانت وهمية كسعر صرف الدولار الأميركي الذي تبخرت معه خزينة الدولة. استقرار ضربته حروب، ومعارك خارجية وداخلية واغتيالات. أحداث وقعت على خلفية اختلاف الخارج على رؤيته للداخل وما يريد منه.

اليوم تبدو الفوضى الموعودة نفسها، وإن كنا نشهد بعض أوجهها منذ فترة، وهي تتطور بشكل تصاعدي. من الفوضى التشريعية إلى الفوضى القضائية والإدارية. من فوضى المصرف المركزي وتعاميمه إلى فوضى المصارف وقراراتها وحجزها لأموال المودعين. من الفوضى في التفسير إلى الفوضى في التطبيق. من الفوضى في المواقع الرسمية إلى الفوضى في الشارع. هي الفوضى التي يقول الخارج في اجتماعاته إنه يخشاها ويرسم سبل الخلاص منها وفق رؤيته للبنان وموقعه وبرنامج عمل رئيسه المقبل.

ظُلِم الرجل يوم اقترن اسمه بالفوضى، لم تكن تلك مشكلته بل كانت مشكلة لبنان الكيان منذ تأسيسه، بلد قام على منطق لا للغرب، يقابلها لا للشرق من دون أن يكتملا بنعم للوطن. وطن أراده البعض على قياسه وأراده البعض الآخر على مدى الإقليم ومن فيه وما فيه. أحدهم يخاف من الذوبان في محيطه وآخر يجنح نحو الانصهار فيه.

خبر وفاة النائب السابق مخايل الضاهر لم يصل إلى أسماع الكثيرين، ولم يتأثر به الشارع. للشارع إيقاع آخر تحدّده أسماء أخرى من وزن مختلف. لم يغير موته في المعادلة الداخلية، أمّا الخارجية فبغير عالم، فالضاهر لم يعد نائباً ليصار إلى احتسابه كرقم في عدّاد النصاب القانوني. ولا جماهير تنتظر إطلالته من شرفة منزله ليلوّح لها، وبرحيله يصار إلى البحث عن وريث ليحمل الأمانة.

محزن ومؤلم خبر وفاته عن عمر يناهز الـ 95 عاماً بعد معاناة مع المرض. كان نائباً عن المقعد الماروني في عكار بين العام 1972 والعام 2005. شغل منصب وزير للتربية والفنون الجميلة في العام 1992. برحيله خسر لبنان محامياً وسياسياً نائباً ووزيراً ومرشحاً رئاسياً يحضر اسمه كلّما حضر الحديث عن التدخل الأميركي في الحياة السياسية اللبنانية.

رحل أم لم يرحل، انتخَبوه أم لم يُنتَخب، في لبنان اخترنا الفوضى. فلا داعي لتهديدات أو عقوبات أو تشجيع أو نهي. إنها الفوضى وقيل أنها قد تكون خلّاقة حين يراد لها أن تكون.