داود إبراهيم
لم يستوعب اللبنانيون بعد صدمة الهزة الأرضية التي قضّت مضاجعهم فجر اليوم، وكما أغلب ما تعيشه البلاد، مصدر الهزة خارجي وارتداداتها داخلية. وكأن هذه البلاد لم يكفها ما أصابها من هزات بدءأً بالانهيار المالي وما يتصل بدور حاكم المصرف المركزي، مروراً بانفجار المرفأ الذي هز البلاد وخلّف ارتدادات متواصلة ليس آخرها الملف القضائي المتفجر على خلافات داخلية وصلاحيات وتوقيفات، وصولاً إلى ما يمكن تسميته بـ "الدولة الفاشلة". ولكنّنا هنا بصدد الحديث عن تفاهم داخلي بارتدادات خارجية، تعرّض للاهتزاز بقوة، ما خلّف تصدّعات قوية في بنيانه تستدعي إمّا ترميمه بسرعة أو إخلاءه وهدمه قبل أن يسبب انهياره ضرراً أكبر. إنه تفاهم مار مخايل بين حزب الله والتيار الوطني الحر.
ما الذي أدّى إلى وصول الأمور إلى ما وصلت إليه؟ هل تمر التفاهمات بعمر المراهقة؟ مع العلم بأن من هم في سن الـ 17 لا يقرّون بأنهم مراهقون. عادة ما يحمّلون الآخرين مسؤولية ما يصيبهم، المراهق دوماَ على حق. فهل ما جرى مراهقة؟ أم أن الولادة لم تكن طبيعية وجاءت نتيجتها كائن يعاني أزمات صحية تكاد تودي بحياته؟ ولكن هل يصحّ قياس عمر التفاهمات كما أعمار البشر في وطن يعيش أغلب مواطنيه هاجس الأكثريات والأقليات والخوف على المستقبل بمواجهة الآخر وأطماعه أو طموحاته أو مشاريعه؟
نجح التفاهم في إيجاد أرضية مشتركة ومساحات عمل وتعاون كان لها أثرها الإيجابي على القواعد الشعبية. أَوْدَ حالة من التلاقي والتضامن بين مكونين أساسيين في هذا البلد الذي لم تنجح عملية إزالة السواتر الترابية بين أبنائه في إزالة الحواجز النفسية، حتى جاء التفاهم الذي وقعه العماد ميشال عون من جهة وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله من جهة أخرى. هذه الحواجز هي التي استدعت التحالف الرباعي الانتخابي وكان حزب الله من ضمنه بمواجهة عون الذي اكتسح المقاعد الانتخابية النيابية، ليس لشيء إلا بسبب الحواجز النفسية. فكان تلاقي نصرالله - عون في تفاهم أعمق من مجرد تحالف انتخابي محاولة لتخطي الحواجز والهواجس والمخاوف.
ولكن الحسابات الطائفية الداخلية لكل طرف في لبنان وليس للموقعين على تفاهمات أو المنضوين في تحالفات، تبقى هي الأقوى. تلبية مصالح المجموعات التي ينتمي إليها كل فريق هي الورقة الأضمن في عملية قياس الحضور والنفوذ والتمثيل الشعبي. وبمقدار ما اختلفت مصالح ورؤى وتطلعات الحزب من جهة والتيار من جهة أخرى، بقدر ما تلاشى تأثير التفاهم وحضوره.
في ذكرى التفاهم كان حزب الله يشارك في الجلسة الثالثة للحكومة المستقيلة التي يشكك التيار بدستورية انعقادها وشرعية قرارتها في ظل شغور رئاسي وغياب أكبر مكونين مسيحيين عن الحكومة. رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي الذي سمّاه حزب الله لتشكيل آخر حكومات عهد الرئيس ميشال عون في مخالفة لرغبة هذا الأخير ورفض تياره تسمية ميقاتي الذي نشأ بينه وبين عون خلاف على تشكيلة الحكومة، ما أسفر عن نهاية عهد عون من دون تشكيل حكومة تنال ثقة المجلس النيابي. بالتالي نشب خلاف دستوري على خلفية صلاحيات الحكومة المستقيلة ورئيسها وحلولها بموقع رئاسة الجمهورية.
هذا التفاهم لم ينجح في ترجيح كفة أحد طرفيه كمرشح رئاسي من قبل الطرف الآخر الذي يفضّل زعيماً منافساً. هذا الزعيم المنافس الذي حرص على معارضة العماد عون الذي كان مرشح حزب الله إلى سدة الرئاسة واستمر بمعارضته الشديدة له ولتياره خلال عهده الرئاسي. كما أن الحزب حرص على عدم استفزاز حركة أمل التي يتقاسم معها تمثيل الطائفة الشيعية سياسياًوشعبياً، فيما عملت الحركة على التصدي لكل مشاريع عون وتياره.
اليوم في هذه المناسبة تبدو البلاد على موعد مع تحديات جديدة بوجود تفاهم متصدع قد لا يصمد بمواجهة الزلازل المقبلة، والتي يمكن توقع العديد منها على المدَييْن القريب والبعيد ومن مراكز عدة داخلية وخارجية.