جاسم عجاقة
قرار رفع سعر صرف الدولار في تعاملات المصرف المركزي مع المصارف التجارية ومع الدولة، يأتي تكملّة للخطوات التي تقوم بها الحكومة تجاه تخفيض قيمة الليرة اللبنانية. وبالتالي لا يُمكن الحديث عن تعديل لسعر الصرف الرسمي كما أشارت له وكالة رويترز، حين نقلت عن لسان حاكم المركزي قوله تعديل سعر الصرف الرسمي.
نصّت المادة الثانية من قانون النقد والتسليف على آلية تحديد قيمة الليرة: "يحدد القانون قيمة الليرة اللبنانية بالذهب الخالص"، وقد سمح القانون للحكومة بتحديد سعر صرف الليرة إلى حين إصدار قانون يُحدّد قيمة الليرة اللبنانية. من هذا المُنطلق نصّت كل البيانات الوزارية في الماضي على تثبيت سعر صرف الليرة.
مهام المصرف المركزي، تنصّ على الإلتزام بالقيمة التي تُحدّدها القوانين مع إحتفاظه بحرّية إختيار آلية تنفيذ المُهمّة. وبالتالي لا يُمكن الحديث كما يرد في وسائل الإعلام عن رفع سعر الصرف الرسمي من 1500 إلى 15000 ليرة لبنانية للدولار الواحد، بل أن المصرف المركزي عدّل سعر الصرف في تعاملاته مع المصارف والحكومة، وبين المصارف والمودعين.
قانون موازنة العام 2022، رفع الدولار الجمركي إلى 15 ألف ليرة لبنانية على أن يتم إعتماده إبتداءً من 1 كانون الأول 2022، ودولار الضريبة على القيمة المضافة إلى 15 ألف ليرة لبنانية على أن يتم إعتماده إبتداءً من 1 شباط 2023.
وتأتي خطوة الحكومة وخطوة مصرف لبنان كعملية تمهيد للإتفاق الذي أبرم مع صندوق النقد الدولي (على مستوى الموظفين) بهدف توحيد سعر الصرف الرسمي والذي يُطالب صندوق النقد الدولي بأن يكون حرًا أي عرضة للعرض والطلب على منصة صيرفة.
التداعيات
تداعيات رفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية من 1500 إلى 15000 ليرة ستكون محدودة بحكم أن مُعظم التعاملات التي يقوم بها المواطن أصبحت على سعر السوق الموازية. إلا أن القروض والسحوبات المصرفية وغيرها تعدّلت. أما من جهة الشركات، فالقطاع المصرفي من أكثر المتأثرين وسيكون الحال كذلك بالنسبة للشركات إذا ما أصدر وزير المال قرارًا بإعادة تقييم أصول الشركات ورساميلها على سعر الـ 15 ألف ليرة:
على صعيد المواطنين: لا تداعيات كبيرة على المواطنين خصوصًا من ناحية الإستهلاك حيث أن التجار يُحصّلون من المواطنين الضريبة على القيمة المضافة والدولار الجمركي على سعر السوق الموازية والذي أصبح بحدود الـ 65 ألف ليرة للدولار الواحد. أضف إلى ذلك أن المواطن يدفع فواتير الخدمات العامة على سعر منصة صيرفة والذي أصبح 42 ألف ليرة لبنانية وهو أمر يطال بالدرجة الأولى الاتصالات والكهرباء. أما الجديد في الأمر، فهي ضريبة الدخل للذين يقبضون أجرهم بالدولار الأميركي حيث أصبح سعر الصرف 15 ألف ليرة إبتداءًا من 1 تشرين الثاني 2022 (و8000 من 1/1/2022 إلى 31/10/2022). كذلك العديد من الرسوم اعيد تقويمها على سعر صرف 15000 ليرة لبنانية في موازنة العام 2022.
أيضًا أصبحت القروض المصرفية بالدولار تُدفع على أساس 15 ألف ليرة للدولار الواحد من دون أن يكون هناك تمييز بين هذه القروض كما هو سابقًا، وهذه مُشكلة بالنسبة للعديد من المقترضين حيث أن سعر الصرف هذا سيرفع الدفعات عشرة أضعاف ما كانوا يدفعونه سابقًا. كما أن السحوبات المصرفية (التعميم 151 و158) أصبحت على سعر 15 ألف ليرة لبنانية وهو ما يُخفّف الخسائر على المواطنين، على الرغم من ارتفاع الخسائر نتيجة الفارق مع سعر الدولار في السوق الموازية.
من ناحية أجور القطاع العام، تبقى الأجور على سعر صرف 4000 ليرة لبنانية وهو ما يعني عدم قدرة هذا القطاع على مواجهة الإرتفاع الهائل بالأسعار نتيجة ارتفاع سعر صرف السوق الموازية وإعتماد الجميع هذا السعر في التعاملات التجارية.
على صعيد الشركات: الخاسر الأكبر من هذا الإرتفاع هي المصارف التي إنخفض رأسمالها من 16 مليار دولار أميركي في أواخر تشرين الثاني الماضي، إلى 1.6 مليار دولار أميركي. قسم كبير من هذه الخسائر يعود إلى مراكز القطع وسندات اليوروبوندز وبالتالي مطلوب من المصارف تأمين 7 مليارات دولار أميركي في مهلة خمس سنوات أعطاها المصرف المركزي للمصارف لتغطية هذه الخسائر.
أمّا على صعيد الشركات الخاصة، فهناك إنتظار لقرار من وزير المال الذي سيفرض على هذه الشركات إعادة تقييم أصولها ورأسمالها على أساس سعر صرف الـ 15 ألف ليرة لبنانية، كما وطريقة إحتساب الضريبة على القيمة المضافة. وهو ما يعني إنخفاض حتمي في رساميل وأصول القطاع الخاص. وإذا كان القطاعين التجاري والصناعي قادرين على هذا الأمر بحكم الأموال التي يمتلكونها في حساباتهم خارج لبنان، إلا أن التنفيذ قد لا يكون على الموعد بحكم غموض المرحلة القادمة.
على صعيد مصرف لبنان: مصرف لبنان وكباقي المؤسسات، سيتعرّض لعملية خسارة في رأسماله وفي أصوله التي يمتلكها. وقد نصّت خطة الحكومة على رفع رأسمال المصرف ملياري دولار أميركي.
توحيد سعر الصرف
توحيد سعر الصرف الذي سيُصبح حكمًا سعر الصرف الرسمي، هو أمر بعيد المدى حتى الساعة. والسبب يعود إلى غياب الإصلاحات وغياب برنامج مع صندوق النقد الدولي الذي من المفروض أن يُموّل عملية توحيد سعر الصرف. وفي غياب هذه الأمور، فإن كل محاولة لتوحيد سعر الصرف ستكون على حساب المواطن حيث سيتم اللحاق بسعر السوق الموازية كما تفعل حاليًا منصّة صيرفة.
على هذا الصعيد، من المتوقّع أن تشهد موازنة العام 2023 عملية رفع لسعر صرف الدولار كما حصل في موازنة العام 2022. وإذا كان العديد من واضعي خطة التعافي يدفعون بإتجاه رفع الدولار إلى سعر منصة صيرفة، إلا أن هذا الأمر قد يواجه العديد من الصعوبات نتيجة رفض مُحتمل أو متوقّع من قبل بعض الكتل النيابية.
إعتراف رسمي بالخسائر
سواء أقرّت أو لم تُقرّ الحكومة اللبنانية و/أو المصرف المركزي بذلك، رفع سعر صرف الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية في التعاملات المصرفية، هو إعتراف رسمي بالخسائر. كما أن إمكانية رفعه بالمستقبل يعني أنه لم يتمّ إستيعاب كل الخسائر وبالتالي يبقى على الخطة الحكومية أن تُحدّد الرقم الدقيق لهذه الخسائر ليتمّ بعدها المباشرة بتوزيعها.
إصدار ورقة المليون
نصّت المادّة الخامسة من قانون النقد والتسليف والمُعدّلة بالقانون 178/1992 على: "يمكن اصدار الاوراق النقدية من فئات الليرة الواحدة، الخمس ليرات، الخمسين ليرة، الماية ليرة، المائتين وخمسين ليرة، الخمسماية ليرة، الالف ليرة، الخمسة الاف ليرة، العشرة الاف ليرة، والخمسين ألف ليرة، والمئة ألف ليرة". وبالتالي لا يُمكن للحكومة ولا للمصرف المركزي إصدار ورقة المليون ليرة إلا من باب قانون جديد يسمح بهذا الأمر. من هذا المُنطلق ومع تردّي قيمة الليرة مُقابل الدولار، يُتوقّع أن يتمّ إقرار إصدار ورقة المليون ضمن بند خاص في موازنة العام 2023 أو ضمن خطّة التعافي إذا ما تمّ إقرارها حيث ستطال حكمًا قانون النقد والتسليف.