جمال واكيم

"أتعمل في منزل؟" هذا ما سألني إياه دليلنا في إيران.

جوابي: لا أنا لا أعمل في المنزل

الدليل: أنا أعمل في منزل ... النساء أقوى من الرجال في إيران... الرجال مستضعفون في ايران.

هذا الحوار الذي جرى بيني وبين الدليل، جعلني أتفاجأ بصورة مغايرة للصورة النمطية التي يحاول الغرب الترويج لها عن وضع المرأة في إيران.

وضع المرأة الإيرانية

حتى أتأكد من الأمر سألت بعض من التقيت بهم من إيرانيين أو لبنانيين مقيمين في إيران فأفادوني بعدد من المعطيات التي تصوّر وضع المرأة على غير الصورة النمطية آنفة الذكر، والتي تظهر المرأة على أنها مقموعة في إيران.

المرأة في إيران هي التي تملك القرار في المنزل والأسرة، وفي ظل الثورة الإسلامية باتت المرأة تشغل قطاعات رئيسية في الاقتصاد الإيراني. فهي طبيبة وأستاذة جامعية وعضو في البرلمان (أكثر من خمسين امرأة هن أعضاء في البرلمان الإيراني). وعند الزواج فهناك  دفتر شروط تمليه المرأة على الرجل. أما تعدد الزوجات فهي حالة نادرة في مجتمع إسلامي يسمح حسب الشريعة الإسلامية بهذا الأمر. ففي حال أراد الزوج الزواج من امرأة أخرى فعليه أخذ موافقة الزوجة الأولى وهو أمر مستحيل. لذلك فإنه من النادر حتى في صفوف النخب الإيرانية تعدد الزوجات. كذلك هنالك هامش من الحرية الشخصية المكفول بظل الشريعة الإسلامية، وهو حالة الزواج المؤقت والتي تشبه إلى حد كبير عقد المساكنة المعمول به في بعض الدول الغربية.

ماذا عن الحجاب الذي شكل عنواناً للاحتجاجات الأخيرة في البلاد؟ يأتي الجواب على لسان استاذة جامعية بأن المسألة كانت إشكالية حتى في زمن الشاه وقبل قيام الجمهورية الإسلامية. وبالنسبة للناطق باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني الدكتور أبو الفضل عموي فإن القانون يفرض الحجاب،لكن لأنه لا إكراه في الدين فإن الجمهورية الإسلامية وجدت أن هنالك فئة لا تريد وضع الحجاب، وبالتالي "فإن علينا النظر بهذه المسألة وأخذ إرادتهن بالاعتبار". هذا هو السبب الذي جعلنا نصادف نساء سافرات في مختلف الأماكن التي جلنا فيها في طهران وحتى في مدينة مشهد ذات الطابع الديني.

[caption id="attachment_3392" align="aligncenter" width="683"] شابة إيرانية في مدينة مشهد في محافظة رضوي خراسان[/caption]

إذاً ما هي خلفية الاحتجاجات التي انطلقت في  ما يزيد عن1300 مكان مختلف في إيران؟ في زمننا الراهن هنالك أبعاد داخلية وخارجية لأي حدث. وبطبيعة الحال فإن المرأة في إيران قد تكون تطالب بحقوق معينة، لكن ليس بالضرورة أن يكون وضعها وفقا للصورة النمطية التي يحاول الغرب تعميمها في إعلامه عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، علماً أن التمييز ضد المرأة موجود في كل بلدان العالم بنسب متفاوتة وفقا لما يقوله المؤرخ الأميركي بيتر غران. وأعلنت السلطات الإيرانية أن أكثر من 300 شخص قتلوا في الاضطرابات الأخيرة، بينهم العشرات من أفراد قوات الأمن، واعتقلت السلطات آلاف المحتجين من بينهم 40 أجنبيا وممثلين بارزين وصحفيين ومحامين. وكانت المواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين اندلعت على خلفية وفاة مهسا أميني أثناء احتجازها من قبل "شرطة الأخلاق" بسبب عدم ارتدائها الحجاب.

عوامل الاستقرار في إيران

لكن ما هي العوامل التي ساهمت في عودة الاستقرار؟ في جميع أنحاء العالم فإن استقرار أي نظام سياسي يعتمد على عاملين، القوة الزجرية أو استخدام العنف لفرض سلطة الدولة، وبناء عملية القبول أو ما يسميه أنطونيو غرامشي بمنظومة الهيمنة القائمة على تعميم قيم للنظام السياسي تصبح مقبولة من الشعب. وفي الاجمال فإن استقرار النظام يتحقق عندما يكون عامل القبول أكبر بكثير من عامل القوة الزجرية. خلال  زياراتنا أو جولاتنا لم نشهد إجراءات أمنية استثنائية تذكر. كل ما شهدناه هو وجود شرطة تنظيم السير وبعض الأمن الخاص في المراكز التجارية، وهو ما نجده في مختلف أنحاء العالم. من هنا ترجيح أن الاستقرار ناجم عن القبول بشرعية النظام والذي يستند، إضافة إلى شرعيته العقائدية بالنسبة لمعظم الإيرانيين، إلى مشروعية مادية تتمثل بالخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي تقدمها الدولة للشعب الإيراني.

وتتمثل الخدمات التي تقدمها الدولة الإيرانية بإنتاج حجم طاقة كهربائية مقداره 89,348 ألف ميغاوات ما يجعلها الدولة الرابعة عشرة في العالم على مستوى انتاج الكهرباء، والأولى على مستوى الشرق الأوسط. هذا يجعل جميع المدن والقرى الإيرانية تتمتع بتغذية كهربائية بنسبة مئة بالمئة، علما أن كلفة كيلووات الكهرباء هي 100 تومان (كل دولار يساوي 40 الف تومان)، فأي ان كلفة الكهرباء والماء وغاز التدفئة يبلغ ما يساوي 3 دولارات في الشهر لكل منزل مؤلف من خمسة أشخاص، فيما يتم منح حوافز مالية للأسر الفقيرة. والجدير ذكره أن شبكة المياه تغطي كافة المدن والقرى، علماً أن إيران هي الدولة الثالثة في العالم على مستوى إقامة السدود للتغذية الكهرمائية والتي يبلغ عدد السدود فيها 190سدّ في مختلف أنحاء إيران. إضافة إلى ذلك فإن 95 بالمئة من البلاد موصولة بأنابيب الغاز ما يجعل إيران  من البلدان المتقدمة في هذا المجال . وهنالك في إيران 38 مليون هاتف أرضي و141 مليون خط هاتف نقال في البلاد، علماً أن 95 بالمئة من البلاد يتم تغطيتها بالأنترنيت بشبكات محلية وعالمية بكلفة ألف تومان لكل غيغا بايت وهي الكلفة الأرخص في العالم. وتنتج إيران 99 مليون ليتر من البنزين يومياً مع أسعار مدعومة بكلفة 1500 تومان لكل ليتر مع منح 65 ليتر شهرياً لكل مواطن في البلاد، فيما تبلغ كلفة الليتر في السوق غير المدعوم 3000 تومان.

وعلى صعيد الخدمات الصحية والاجتماعية فإن الرعاية متوفرة لكافة المواطنين حيث تقدم الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية وتقدم الخدمات بالتأمين الصحي والضمان الاجتماعي مجاناً. أما أسعار الدواء فهي مدعومة بنسبة 80 بالمئة فيما بعض الأدوية تقدم مجاناً. وتجدر الإشارة إلى أن إيران تنتج 98 بالمئة من حاجتها من الدواء. ويوجد 1044 مستشفى في البلاد، 70 بالمئة منها حكومية. كما يوجد نحو 150 الف طبيب  و 55 ألف طالب يدرسون الطب. أما على صعيد التربية والتعليم فهنالك 16 مليون تلميذ في إيران، يدرس منهم مليون ونصف في مدارس خاصة فيما المدارس الحكومية مجانية. ويوجد في البلاد أكثر من 559 الف صف دراسي ويتم تقديم 3 ملايين وجبة غذائية مجانيه للطلبة الذين يتم دعمهم، مع العلم أن نحو 98 بالمائة من سكان البلاد يستطيعون القراءة والكتابة.

وعلى صعيد الرواتب فإن متوسط الرواتب يبلغ نحو 10 ملايين تومان فيما الحد الأدنى للأجور هو 5.7 مليون تومان أي ما يعادل 130 دولار أميريكي. وقد تم رفع الرواتب خلال العام الجاري بنسبة 57 بالمئة مع تقديم  منح على أساس مدة سنوات الخدمة، إضافة للعيديات والحوافز. ويتم دفع مبلغ400 ألف تومان إضافية لكل شخص في الفئات الثلاثة الأولى (وهم الاشخاص الذين بحاجة إلى دعم ومساعدة) كدعم حكومي بديلاً عن السلع الذي تم رفع الدعم عنهاو 300 ألف تومان لكل شخص من الفئات الستة التالية وهم بقية المواطنين.

هذه هي العوامل الحقيقية لاستقرار النظام في إيران ومناعته في مواجهة الضغوط الغربية التي يواجهها، وللمقال بقية...