داود ابراهيم
بخلاف توقعات البعض تأتي زيارة المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا إلى مركزية التيار في «ميرنا الشالوحي»، اليوم، للقاء رئيس التيار جبران باسيل، ليس لرأب الصدع أو معالجة تداعيات مشاركات الحزب في جلسة الحكومة المستقيلة سابقاً ومستقبلاً وإنما هي لاستكمال ما بدأه الحزب من كليمنصو الأسبوع الماضي بلقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لإبلاغه باسم مرشحه والبحث في إمكان دعم هذا المرشح وموقف الحزب من الانتخابات الرئاسية وشكل الحكومة المقبلة ورئيسها.
وينطلق المرجحون لهذه النظرية من ملاحظة أن وفد حزب الله هو نفسه الذي زار جنبلاط، بالتالي فعلى الأرجح سيكون فحوى اللقاء هو نفسه، وإن كان ترتيب هذه الزيارة بعد زيارة كليمنصو فلهذا الأمر دلالاته بالنسبة للتيار كما بالنسبة للحزب. خصوصاً أن رئيس التيار جبران باسيل كان قد زار جنبلاط حين توترت علاقته مع الحزب بعد مفاتحة الأخير له بدعمه ترشيح سليمان فرنجية. وحين التقى باسيل جنبلاط كانت مواصفات رئيس الجمهورية المقبل حاضرة بينهما مع طرح بعض الأسماء لمطابقتها مع المواصفات المطلوبة.
ويرجح مراقبون ألا يخرج عن لقاء ميرنا الشالوحي أكثر مما خرج عن لقاء كليمنصو، كلام في العموم عن الرئاسة والحكومة والوضع المالي والاقتصادي وضرورة رصّ الصفوف وتوحيد الموقف من التهديدات الخارجية ومواجهة الحصار والعقوبات. وقد تتم الإشارة إلى موضوع الاختلاف في مقاربة الملف الحكومي بشكل عرضي من دون خوض في الأمر من خلال الإيحاء بحوار داخلي بين الفريقين لمعالجة المسألة.
على المقلب الاخر هناك من يقول بأن هذا التواصل بعد الانقطاع بين الفريقين سيبحث المسائل الخلافية في محاولة لتنظيم الاختلاف، بحيث لا يؤثر على علاقة الطرفين وقواعدهما وإمكانية التوصل إلى تفاهمات حول قضايا عالقة أو إمكانية بحث ما بعد انتخابات الرئاسة وتحديداً ما يتصل بالحكومة ورئيسها، ومن سيكون ضمن عدادها إضافة إلى برنامج عملها. إلا أن هذه الرؤيا تفتقر إلى الواقعية ،إذ أن هذه المسائل لا يمكن حسمها من خلال هذا الوفد وحده، فالملفات العالقة بينهما تتطلب مشاركة فريق عمل كبير وجلسات عمل للعودة إلى بنود التفاهم وبحث ما تم تحقيقه وما لم يتحقق ودراسة وعرض الخطوات المطلوبة لإعادة إطلاق ورقة العمل بين الفريقين ومناقشتها قبل السير بها.
فهل الوقت الآن مناسباً لهكذا نقاش مع تلويح حزب الله بانتهاج أسلوب مختلف عما كان عليه عند توقيع التفاهم!
الواقع يقول أن زيارة الحزب إلى ميرنا الشالوحي قد تعقبها زيارة إلى الصيفي كما إلى مقرات أخرى، وهي زيارات تأتي في إطار الترويج لمرشح الحزب قبل الإعلان عنه بشكل رسمي بعدما استنفذت الورقة البيضاء دورها، وقد يفتح الإعلان عن مرشح الحزب الباب أمام حوار داخلي جدي للخروج من المأزق الراهن المتمثل بشغور الكرسي الرئاسي، ما يؤجج الخلافات الداخلية والنزاع حول الصلاحيات.
ويتوقع المراقبون أن يكون ما بعد الزيارة غير ما قبله، فإن تم الإعلان عن ترشيح فرنجية بشكل أو بآخر نكون قد دخلنا في المرحلة الأخيرة من دفن التفاهم، وإن لم يتم الإعلان، يكون الإعلان عن الدفن قد تاخر بانتظار ترتيبات الجنازة. اما الحديث عمّن يستفيد أكثر من هذا الأمر، حزب الله أم التيار، يلفت المراقبون النظر إلى أن التيار حصد من التفاهم رئاسة منزوعة الصلاحيات وتم تعطيلها بفعل إحجام الحزب عن دعم مشروع الإصلاح ومكافحة الفساد الذي رفع شعاره التيار.
أما الحديث عن قانون الانتخاب والتمثيل المسيحي في المؤسسات والإدارات فهو عودة حق لأصحابه وليس ربحاً بمعنى الربح، إنما عودة عن خسارة. ورئاسة عون تأتي عملاً بمبدأ الأكثر تمثيلا لطائفته وهي القاعدة التي نودي بها للتمسك بسعد الحريري رئيساً للحكومة ونبيه بري رئيساً للمجلس النيابي. وبالنسبة للتيار، هذه العلاقة التي دفع ثمنها غالياً من عزل وعقوبات وتهديدات غربية،آن الأوان لوضع حد لها بما قد يعيد للتيار دوره خارجها.
وعلى مقلب الحزب يرى المراقبون إن مبادرة حارة حريك باتجاه الحزب التقدمي الاشتراكي، الخصم اللدود حتى الأمس القريب ولأسباب منفصلة أيضاً عن علاقته بالتيار الوطني الحر، تعني أن الحزب بدأ بمقاربة الأمور من زاوية أخرى لها علاقة بدوره المستقبلي على الساحة الداخلية، وهي مسألة بحاجة لبحث عميق وتموضع جديد. بعد زيارة الحزب إلى مقر البطريركية المارونية في بكركي وزيارة كليمنصو وتسهيله عمل حكومة تصريف الأعمال وفق البنود التي يرتئيها والتي لا يبدو رئيس المجلس النيابي نبيه بري ببعيد عنها بخلاف ما كان الأمر في ظل تحالف الحزب مع التيار، مع ما يعنيه رئيس البرلمان من تقاطعات داخلية وخارجية خصوصاً أن فرنجية هو مرشح بري أيضا كما كان مرشح جنبلاط سابقاً.
أخيراً وليس آخراً، أي نظرية تصح؟، تلك القائلة بترميم التفاهم بين الحزب والتيار لكثرة الخصوم الذين سيفرحون بفرط هذا العقد، أم سينتصر من يقولون أن التفاهم انتهى بتعطيل العهد وعرقلته ومنعه من تحقيق أي خرق في المسار الإصلاحي؟ ويبقى أن السياسة في لبنان ليست بمعزل عن التطورات الإقليمية ولا بمنأى عن التفاهمات الدولية. من هنا تبدو الرئاسة اللبنانية حجراً في بنيان ينتظر الجميع تبيان ملامحه.