علي شكر انتصر الجميع ولم يخسر أحد أمس، يصحّ هذا التعبير لوصف ما تمخّض عنه مجلس الوزراء أمس وما تبع جلسته التى أقرّت سلفة الكهرباء بدعوة من رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي رغم بقائها لأيام مادة جدلية تتجاذبها الجهات حول دستوريتها من جهة وحاجات المواطن من جهة ثانية. وإذا ما أردنا أن نرتب المنتصرين بطريقة عشوائية فيمكننا البدء من التيار الوطني الحر أكبر معارضي انعقاد الجلسة والذي لم يوفر مناسبة للطعن بدستوريتها، فقد استطاع التيار بالأمس الحصول على دعم مجلس المطارنة الموارنة (أعلى سلطة كنسية مسيحية في لبنان) حيث كان البيان الصادر عن اجتماع مجلسهم واضحاً بالتوجه قبل الكلمات لا بل بأسلوب لا يحمل لا التلطيف ولا التأويل "ميقاتي لا يحق لك". كذلك، تمكن التيار من تمرير أكبر رسائله الى حليفه الأول (حزب الله) بأنه ليس هو من يبادر إلى سحب يده من تفاهم مار مخايل خصوصاً بعد حديث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه ما قبل الاخير بأن الحزب لن يبادر الى فك التفاهم، وقد أوصل رساله مفادها أن الحزب بإصراره على المشاركة في الجلسة إنّما أخلّ باحد ركائز التفاهم وهي الميثاقية. وعلى المقلب الآخر، لم يستطع وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض المحسوب على التيار الوطني الحر أن يُخفي فرحته بإقرار خطة الكهرباء، قائلاً في تصريح صحافي: "ربحت وخطة الكهرباء باتت على السكة الصحيحة". مع تأكيده ان السير بباقي الخطة لا يحتاج لجلسة لمجلس الوزراء. على خط حزب الله، اعتبر الحزب أن قضية الكهرباء المطروحة، مناسبة جيدة للتذكير بهبة الفيول الايرانية وبالعرض الإيراني للمساعدة في قطاع الكهرباء وإن لم يجد هذا الأمر ترجمة عملية من خلال مشاركة وزرائه في الجلسة إنما عبر تسجيل موقف عقب انتهاء الجلسة حيث قالوا إنَّ جهة كبيرة تُعرقل أو تمنع وصول الهبة الايرانية إلى لبنان عبر أزلامها. الحزب الذي انطلق من قاعدة وجود فتاوي دستورية تقول بانعقاد الجلسة نجح القول أن مشاركته أسهمت في إيجاد حل لملف الطاقة وإن لم ينجح في طرح قضية الهبة والمساعدات الإيرانية إلا في التصريحات من خارج عمل المؤسسات ما يستوجب السؤال عمن يعرقل الهبة طالما أن الأطراف التي شاركت في الجلسة ليست بعيدة عنه بل هي على تنسيق دائم معه والتزمت بشروطه التي حددها عنواناً للمشاركة. في غضون ذلك، قد يظهر ميقاتي كأكبر الرابحين خلال ما حصل فقد استطاع تشريع جلسته أولاً، وعزل التيار الوطني الحر بمعارضته للجلسة ثانياً، فيما كرّس عرفاً جديداً في الوجدان السني رغم غياب أكبر زعمائها الرئيس سعد الحريري "الطائفة ليست محبطة"، بغض النظر عن الوسيلة. وهو عمل على شد العصب لحشد الطائفة خلفه قائلاً: “انا مسلم سني في بيتي قبل ان اكون في السراي...". أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فيمكن القول أنه نجح بإبعاد حزب الله عن التيار الوطني الحر ويبدو انه هو من أطلق رصاص الرحمة على تفاهم مار مخايل. هذا التفاهم الذي لطالما قال التيار أن ظلّ برّي هو ما يحول دون انخراط الحزب الجدي لتنفيذ بنوده. وبالمناسبة لم يخف بري يوماً مخالفته للتيار أو عدم استساغته للتيار أو رفضه للتعاون مع الرئيس ميشال عون، رغم أن هذا الأخير كان الحليف الأقرب للحزب في محطات كثيرة. ولطالما درجت مقولة حليف الحليف يبدو كخصم أو أكثر لتوصيف العلاقة بين الثلاثي. وإلى ما سلف أكد برّي أنه وحده يملك التأثير على سير كل القضايا المتصلة بالمال أكان من خلال وزير المال الذي كان له الدور الأكبر في الإيحاء بإمكانية تمرير سلفة الخزينة من دون جلسة لمجلس الوزراء للعودة عن هذا الطرح تلبية لرغبة بري ميقاتي. كما أن بري نجح أيضا في تثبيت أهمية توقيع وزير المال على أنه التوقيع الثالث مع ما يعنيه هذا الأمر. على الجبهة الأخرى ولجهة الفرقاء غير الممثلين في الحكومة فهم ربحوا تمرير خطة الكهرباء التي تؤجل المشكلة ولكنها لا تحلها نهائياً، وهو ما يوفر لهم فرصة للتصويب عليها بل وتصفية حساباتهم مع خصومهم والتركيز على فشل الفريق الذي شكل الحكومة بالتوافق على أبسط القضايا وصولاً إلى مسألة الميثاقية. وأصبحت المعارضة تملك المزيد من أوراق القوة في مواجهة السلطة التي لم تنجح في بناء أرضية مشتركة وإن نجح بعض أركانها في تأجيل مشكلة. ربح الجميع إذاً ولكن مقياس الربح ينتظر الترجمة العملية في قابل الأيام وما يراهن عليه كل فريق لتحصين موقعه بمواجهة الآخرين، والتصعيد المتبادل ينتظر أول الاستحقاقات وهو مرشح للاستمرار بعده ليصل إلى الاستحقاقات اللاحقة، وما أكثرها.
1