امين قمورية

تختلف الزيارة الثالثة لوزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان لبيروت عن سابقاتها، فهي أتت في توقيت غير محسوب، وشملت أيضا دمشق قبل توجهه إلى موسكو في ظل تطورات إقليمية متسارعة وغير اعتيادية، لتضفي على أهدافها تساؤلات محيرة.

وما أضفى على الغموض المواقف السياسية المعتادة التي أطلقها الضيف والمضيفين في العاصمتين اللبنانية والسورية، والتي لاتوحي بأن ثمة جديد في المواقف الإيرانية في الشأنين اللبناني والسوري، وهذا ما يدفع إلى طرح السؤال البديهي: ما هو الداعي لهذه الزيارة المفاجئة؟

صحيح أنه من الصعب التكهّن بمضمون المحادثات التي أجراها الوزير الضيف، لاسيما مع الرئيس السوري بشار الأسد ومع الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله. لكن من الواضح أنّه لا يمكن فصلها عن جملة أحداث مهمّة تجري في المنطقة، أهمّها:

أوّلاً: اللقاءات السياسية والأمنية الرفيعة المستوى بين أنقرة ودمشق برعاية موسكو والتي قد تفضي إلى لقاء قمة بين الرئيس الأسد ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، في غياب إيران الضلع الثالث في اتفاقات استانة الخاصة بسوريا. ومن هنا، فإنّ زيارة عبد اللهيان إلى دمشق جاءت للتمهيد لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والتي سيقوم بها لدمشق وأنقرة على التوالي. ليس من المستبعد أن يلتقي الرئيس الإيراني بالأمين العام لـ"حزب الله" للبحث في هذا التطور المفصلي والمهمّ، ليس فقط للبنان وإيران وسوريا إنّما أيضاً للمنطقة برمّتها لما يحمل في طياته من مؤشّرات قد تكون إيجابية لبعض الأفرقاء وسلبية للبعض الآخر.

وإذا كان الوزير الإيراني شدّد على إيجابية التقارب السوري – التركي، فان ذلك لا يعني أبداً أن إيران ستقبل بالحدّ من نفوذها ونفوذ حلفائها في سوريا. كما ترفض محاولات إبعاد النظام السوري عن طهران التي بات لها كلمة أساسية في هذه الساحة ، خصوصاً مع انشغال الروس بالحرب في أوكرانيا.

ثانيا: استمرار الفراغ الرئاسي في لبنان واللقاءات التي يتم التحضير لها في شأن لبنان في باريس ومن دون مشاركة طهران أيضاً، والتعامل الدولي المختلف مع الوضع اللبناني، حيث تأتي تحقيقات الوفد القضائي الأوروبي في لبنان وكأنها تضع البلد دولة خارجة عن النظام المالي العالمي، وهو ما قد يشكل مدخلاً لسياسة أوروبية وأميركية جديدة ضاغطة لفرض شروط قاسية على لبنان تضيف من أزماته ومن شأنها قلب المعادلات الحالية والتوازنات السياسية القائمة فيه حالياً.

ثالثاً: الاحتقان الذي تولّده السياسات الاستفزازية للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، والتي تحمل مشروعاً قد يتسبب بانفجار واسع مع الفلسطينيين في الضفة العربية، وبتقريب مسافة المواجهة مع إيران بسبب البرنامج النووي. وجاء تحذير رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم  من ضربة إسرائيلية للبرنامج النووي الإيراني ليضع الأمور في نطاق آخر. فهو تحدث عن عمل عسكري محتمل قد يهزّ دول الخليج، وستكون له عواقب اقتصادية وسياسية واجتماعية وخيمة، و"سنكون أول الخاسرين". ويضاف إلى ذلك الإعلان عن اختراقات استخباراتية وصلت إلى عمق التركيبة السياسية الإيرانية والتي قد تنعكس سلباً على العلاقة الأوروبية الإيرانية.

ويأتي ذلك كلّه في ظلّ تجميد المفاوضات النووية، ووسط تحركات شعبية إيرانية تزعج السلطات، ومعطيات توحي أن الهدنة الهشة في اليمن معرّضة للانهيار في أي لحظة إذا لم يسبقها تفاهمات إيرانية سعودية من شأنها إن حصلت أن تفتح فرصاً جديدة تطال لبنان وسوريا، أما الانفجار العسكري فسيؤدي إلى إعادة إشعال التوتر والتصعيد بدءًا من سوريا وصولاً إلى الخليج مروراً بلبنان.

ورغم المواقف الإيجابية المتصلة بلبنان والمنطقة، وابداء الوزير الإيراني الحرص على مساعدة لبنان لاسيما في مجال الطاقة والكهرباء، وتشديده على أن الاستحقاق الرئاسي اللبناني شان داخلي يمكن حله على قاعدة الحوار بين اللبنانيين، وترحيبه في دمشق بحل سياسي في شمال سوريا مع الطرف التركي، إلّا ان الظروف الآنفة الذكر لا توحي بأنّ طهران الآن في وارد التنازل عن مصادر قوّتها أو التخلّي عن دور حلفائها في الاستحقاقات الداخلية . لا بل على العكس من ذلك، فبعد فشل مفاوضات النووي والتهديدات الإسرائيلية وتعطل أقنية الحوار التي كانت مفتوحة بين الأفرقاء الإقليميين، تتسلح إيران بخطوطها الحمر التي لا تساوم عليها. وأهمها دورها في المنطقة ونفوذها وحلفائها  ولاسيما في لبنان وفلسطين التي كان لفصائلها المسلحة حيّزاً واسعاً من محادثات عبد اللهيان. وتعمل على مزيد من التلاقي والتجميع بينهم وبينها والاستعداد لأي مواجهة عسكرية أو تطورما قد يحصل. وتالياً فإن هذه الزيارة تهدف إلى إعادة تأكيد موقعي لبنان وسوريا في الخريطة الإيرانية، وتشي بعدم  التوصل إلى توافقات دولية وإقليمية على ملفات المنطقة، وتعني أن لا تسوية في لبنان بعد، ولا إنجاز للاستحقاقات المقبلة في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية والحكومة الجديدة وتركيبة النظام. مع التأكيد أن إيران توكل إلى "حزب الله" الملف الداخلي اللبناني، وهو صاحب القرار في ما يراه مناسباً إزاء أي تسوية وانه لا يمكن للقاءات الخارجية أن تصل إلى أي نتيجة من دون إيران أو من دون موافقة "حزب الله" على الساحة اللبنانية.