إرتفع سعر صرف الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء ليصل إلى 49 ألف ليرة لبنانية رافعًا معه أسعار السلع والبضائع بما فيها المحروقات حيث وصل سعر صفيحة البنزين إلى 824 ألف ليرة لبنانية والتوقّعات بأن ترتفع أكثر.
في تحليل أسباب الإرتفاع، نرى أن لا تغيّرات في الأساسيات نسبة إلى الشهر الماضي اللهم إلا على الصعيد السياسي حيث زادت الضغوط على لبنان بعد وصول الوفود القضائية الأوروبية والتي خلقت مع وصولها جوًا من التوتّر بالإضافة إلى إستمرار الصراع السياسي على صلاحيات حكومة تصريف الأعمال.
يُمكن تقسيم أسباب الإرتفاع في سعر صرف الدولار إلى أسباب هيكلية عديدة نذكر منها:
– فقدان النمو الإقتصادي نتيجة الأزمة الإقتصادية القائمة حيث أن العلاقة بين سعر الصرف والنمو هي علاقة ميكانيكية؛
– إنهيار القطاع المصرفي الذي أدّى إلى فقدان السيطرة على الكتلة النقدية ومنع المركزي من تطبيق سياسته النقدية من باب الفائدة؛
– فقدان المودعين القدرة على سحب دولاراتهم من المصارف وهو ما زاد الطلب على الدولار في السوق السوداء؛
– حجم الدين العام الممول بنسبة 85% من أموال المودعين والتوقف عن دفعه في العام 2020 مما أدّى إلى عزل لبنان عن النظام المالي العالمي؛
– الفساد المُستشري في كل أوصال الدولة خصوصًا في القطاع العام والذي رفع العجز ومعه الدين العام؛
– الإستهلاك الهائل للدولارات من دون مدخول يوازي هذا الإنفاق سواء على الصعيد الإقتصادي (الإستيراد) أو على الصعيد المالي (أي الخزينة العامة مثل الكهرباء)؛
– التهريب خارج لبنان للسلع والبضائع والذي يستهلك ما لا يقل عن 12 مليار دولار سنويًا؛
– طبع العملة الناتج عن تلبية طلب الدولة (القطاع العام) وطلب المودعين (من خلال السحوبات)؛
– رفع الأسعار العشوائي الذي يُمارسه التجار وهو ما يزيد الطلب على طبع العملة؛
– المضاربة التي يقوم بها الصرافون والتجار في السوق (مثل الشراء على منصة صيرفة والبيع في السوق السوداء)؛
– التطبيقات التي تُعطي سعر دولار السوق السوداء والتي تحوم حولها شبهات كبيرة عن طريقة التسعير؛
– العامل السياسي الذي يملك أجندة يقوم بتنفيذها عدد من اللاعبين في السوق؛
...
عمليًا الاقتصاد اللبناني فقد ثقة المستثمرين والمستهلكين والداعمين، وبالتالي عبثًا مُحاولة الخروج من الأزمة من دون مساعدة خارجية مُتمثّلة بالتوقيع على برنامج مع صندوق النقد الدولي والقيام بإصلاحات هيكلية تطال الاقتصاد والمالية العامة والنقد والقطاع العام والحوكمة المالية. هذا الأمر صعب المنال مع الصراع السياسي المُستعرّ والذي يحتكر القرار الإقتصادي ويمتنع عن القيام بخطوات إصلاحية أصبحت رهينة تحقيق مكاسب سياسية.
في ظل هذا الواقع، وفي فرضية عدم تدخّل المصرف المركزي للجم صعود الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية، من المتوقّع أن يستمر ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء. وتُشير الحسابات الإحصائية التي قمّنا بها (Arima&STL) إلى أن التوجّه هو نحو الصعود المتواصل في الأشهر الثلاث القادمة.
من هذا المُنطلق، نرى أن الضغوطات تزداد على المصرف المركزي للتدخّل في السوق بهدف لجم ارتفاع الدولار في السوق السوداء. إلا أن هذه الخطوة تبقى ناقصة إذا لم تتزامن مع خطوات حكومية تتمثل بقرار من وزارة المال جباية الضريبة على القيمة المضافة والرسم الجمركي كاش، وقرار ومن وزارة الاقتصاد بملاحقة المحتكرين والتجار المخالفين، وقرار من الأجهزة الأمنية لمكافحة التهريب عبر الحدود الذي نُحمّله المسؤولية الأولى في إستهلاك الدولارات.