شائعات تُبثّ يوميًا في الأسواق وتهدف بشكلٍ واضح إلى بث الذعر بين المواطنين وذلك بهدف رفع دولار السوق السوداء. من طبع ورقة المليون ليرة إلى ورقة المئة ألف ليرة المزورة مرورًا بتوقف منصّة صيرفة عن العمل، أخبار نسمعها كل يوم وتفعل فعلها على سعر دولار السوق السوداء. أخر هذه الأخبار ما تمّ بثه في الساعات الماضية عن توقف منصة صيرفة عن العمل مما ادّى إلى رفع سعر دولار السوق السوداء نهار الأحد مساء حيث هناك توقّف لمعظم النشاطات الإقتصادية. وحتى إن صحّ هذا الخبر، لا يتوجّب أن يرتفع سعر الدولار في هذه السوق نهار الأحد بل أن يكون إبتداءًا من الإثنين.

قبلها ضجّ الإعلام بمقولة طبع ورقة المليون ليرة لبنانية والتي تبيّن لاحقًا أنها من نسج خيال مُطلقيها. هذا الخير أثّر كثيرًا على سعر صرف الدولار في السوق السوداء لما لهذا الخبر من تداعيات سلبية – في حال صحّ – على صعيد التضخّم وفقدان الثقة بالليرة اللبنانية وبالتالي لقيمتها.

أيضًا وقبل ذلك تمّ نشر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر شاحنات في المصرف المركزي تنقل ليرات لبنانية مطبوعة في الخارج لحساب مصرف لبنان وواكبها نشر صور لأوراق من فئة المئة ألف ليرة مُنتشرة في السوق ويعود تاريخ إصداره إلى كانون الأول 2022 (أي منذ شهر) لبث فكرة أن هناك ضخ كبير لليرة في السوق من قبل المصرف المركزي.

بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن مصرف لبنان، إرتفعت الكتلة النقدية المُتداول بها من 38.4 تريليون ليرة في آب الماضي إلى 54.5 في شهر أيلول، و69.9 في شهر تشرين الأول، لتُعاود إنخفاضها إلى 67.9 في شهر تشرين الثاني من العام المنصرم. وقد أدّى الإجراء الذي قام به المركزي في أواخر العام الماضي وبداية العام الجديد إلى خفض هذه الكتلة، بحسب تقديراتنا، بنسبة 20% أقلّه. فإذا كانت السوق السوداء عرض وطلب على النشاط الإقتصادي، لماذا إذًا لم ينخفض سعر الدولار في السوق السوداء إلى 38 ألف ليرة كما هو على منصة صيرفة؟

[caption id="attachment_1976" align="aligncenter" width="401"] الكتلة النقدية م1 (حسابات الطلب بالليرة + العملة بالتداول). المصدر: تقرير مصرف لبنان[/caption]

كل جهة تُعطي حجّة لتبرير هذا الأمر، فالبعض يقول إن المصرف المركزي والمصارف تشتري الدولارات في السوق السوداء وذلك لإعادة ضخّها في السوق (المصرف المركزي) أو لتجميع الدولارات بهدف الإلتزام بالتعميم 154 (المصارف). في حين أن البعض الأخر يرى في عمليات التهريب التي يقوم بها التجار عبر الحدود السبب الرئيسي بالإضافة إلى أن مصلحة التجار والصيارفة تفرض أن يبقى الدولار في السوق السوداء على سعر مُرتفع نظرًا إلى الأرباح التي يتمّ تحقيقها من هذا الفارق. هناك أيضًا المستفيدين من قبض الرواتب على سعر منصة صيرفة والذين يقومون ببيعها في السوق السوداء، يقومون من دون وعي لخطورة هذا الأمر (بحكم إنعكاس الإرتفاع على الأسعار)، ببث الرسائل النصية على الواتساب. أيضًا هناك مآرب سياسية تجعل من بعض الصرافين أداة لأجندات سياسة تمنع إنخفاض الدولار في السوق السوداء.

وبغض النظر عن المسؤولية في هذا الأمر، هناك أمر أكيد وهو أن الليرة تتعرض للضرب يوميًا من قبل اللاعبين الإقتصاديين وهو ما ينعكس على كل المُجتمع ويجعل من إستعادة الودائع مُهمّة صعبة أكثر من السابق وترفع الأسعار بشكل جنوني وعشوائي.

الواضح أن المتضررين من انخفاض الدولار يقومون بكل ما يستطيعون لرفع سعر الدولار مُقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء، وبالتالي المطلوب اليوم من السلطة السياسية مُمثلة بالحكومة اللبنانية أن تلعب دورها المنصوص عليه في الدستور وهو رعاية مصلحة المواطن وذلك من خلال ملاحقة المخالفين والحفاظ على الليرة اللبنانية لأنها تُمثّل ليس فقط ثروة اللبناني، بل هي أيضًا هويته وتُمثّل كيانه. من هذا المُنطلق تتحمّل الحكومة المسؤولية كاملة في إعادة السيطرة على الوضع عبر تفعيل عمل الأجهزة الرقابية والأمنية وذلك لمنع كل مُضاربة على الليرة اللبنانية التي من المفروض أنها محمية بالمادة 319 من قانون العقوبات.