هي معاهدة وقعها لبنان منذ نحو عقدٍ من الزمن تتيح للدول الملتزمة بها إجراء استجواب أو تحقيق مع أفراد يشتبه بارتكابهم جرائم على أراضيها شريطة عدم المسّ بهيبة أو سيادة الدولة. وحين وقُعت الاتفاقية عام 2009 لم يكن ليتصور أحد بأنها ستكون منفذاً لاستجواب حاكم المصرف المركزي رياض سلامة حول اتهامه بعمليات نقل وتبييض أموال، ويومها تحديداً كان حاكم مصرف لبنان المركزي يجوب العالم متلقياً الجوائز على إنجازاته في إدارة الشوؤن المالية والحفاظ على سعر الصرف ثابتاً.
أيام وساعات قليلة تفصل لبنان عن حدث يتمثل بزيارة يقوم بها وفد قضائي أوروبي إلى لبنان للاستماع إلى أقوال سلامة وعدد من الشخصيات المالية والمصرفية، في قضايا نقل وتبييض الاموال في الخارج.
هذا الأمر غير جديد، وإن كان يكتسب أهمية خاصة كون المستجوب شخصية لا تزال في منصبها الرسمي، إذ سبق أن استمع القضاء الفرنسي إلى رجل الاعمال اللبناني-الفرنسي "كارلوس غصن" عام 2021. أهمية الواقعة تتمثل بأنها تتعلق بسلامة وعلاقة حاكمية مصرف لبنان بالقطاع المصرفي برمته، بالتالي انعكاساته على الواقع اللبناني الذي يعاني انهياراً على مختلف الصعد ولاسيما القطاع النقدي وسعر صرف العملة المحلية، يضاف إلى هذا الواقع ما يتم تناقله من أخبار تُفيد بأن هذه القضية قد تفتح الباب لاحقاً أمام المجتمع الدولي لإجراء تحقيق بجريمة انفجار مرفأ بيروت وغيرها من القضايا التي يعتبرها "حزب الله" تحديداً خطوطاً حمر كحادثة اليونيفيل الأخيرة في العاقبية والتي أدت إلى مقتل جندي ايرلندي.
في المقابل، يجب ألا تذهب مخيلات البعض إلى تصور الحاكم خارجاً من قصر العدل في بيروت (مكان جلسات الاستماع) مُقيد اليدين وعدسات الصحافة تلاحقه، إنها مجرد جلسة استماع، حيث يقول الخبير القانوني المحامي بول مرقص لـ"الصفا نيوز"، "ثمّة تعاون لإجراء التحقيقات القضائية عندما يكون الأمر بين دولتين أو أكثر مع مراعاة المرتكزات الأساسية لسيادة الدولة في القانون المحلي التي يجب إحترامها. هذا ما يتوافق مع أحكام المادة /49/ من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003، والموقّعة من قبل لبنان عام 2009، التي تحثّ الدول الأطراف على توقيع إتفاقيات ثنائية ومراعاة مبدأ السيادة المحليّة".
ويضيف مرقص: "في حال رغبت دولة أجنبية طرف في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، في إجراء تحقيقات أو استجوابات في لبنان، يتوجب عليها أن تطلب ذلك عبر السلطات اللبنانية المختصة وفق آلية الطلب المحددة في المادة 46 من الإتفاقية نفسها، وهي النيابة العامة التمييزية"، لافتاً إلى حق الدول المتلقية الطلب برفض تقديم المساعدة القانونية اذا اعتبرت انه قد يمس بسيادتها أو أمنها أو نظامها العام أو مصالحها الأساسية الأخرى، استناداً إلى الفقرة 21 من المادة 46 نفسها.
في غضون ذلك، كشف المحامي وديع عقل "أن تقاعص القضاء اللبناني كان السبب الرئيس في تحرك القضاء الأوروبي نحو لبنان للتحقيق وليس الاستماع فقط لرياض سلامة وبطريقة أكثر من رسمية وقانونية بالتنسيق مع السلطات اللبنانية". مؤكداً أن كل ما يثار في الاعلام اللبناني حول عدم قانونية وأحقية القضاء الاوروبي في التحقيق مع سلامة وعدد من الشخصيات المصرفية والمالية عارٍ من الصحة جملة وتفصيلاً.
وقال عقل في حديث لـ"صفا نيوز": القضاء اللبناني طوال سنتين كان يتحجج بقانون السرية المصرفية من أجل عرقلة التحقيقات كرمى لعيون سلامة وقد عمل بعض القضاة على إيقاف هذا الملف، وهذا ما أثار حفيظة الأوروبيين خصوصاً وأن ما يحتاجه القضاء الاوروبي هو أجوبة على جرائم مالية ارتكبت في فرنسا وبلجيكا والمانيا".
وختم عقل: اتفاقية الامم المتحدة تتعلق فقط بجرائم الفساد وغير صحيح ما يثار بان هذه القضية ستفتح الباب امام المجتمع الدولي والقضاء الاوروبي للتحقيق بقضايا أخرى.
إلى ذلك، علق رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون على مسألة حضور وفد قضائي اوروبي الى لبنان، كاتباً عبر حسابه على تويتر: "
سقوط القضاء اللبناني فتح الطريق لتدخّل القضاء الأجنبي؛ فهل يستطيع من تبقّى من شرفاء القضاة استعادة الثقة المفقودة واسترجاع هيبة قضائنا؟!
https://twitter.com/General_Aoun/status/1611382963538694146