تقارب "القوات اللبنانية" الوضع العصيب الذي يمر به لبنان انطلاقاً من أن أمام وطن مذبوح لا يجوز التحجّج بأن ثمة مكوناً مجروحاً والتلكؤ عن تسمية الأشياء بأسمائها من أجل عدم خدش مشاعر جمهور الممانعة. فهي لطالما رددت أن الاستقرار السياسي هو الباب لأي استقرار أمني أو اقتصادي أو اجتماعي، معتبرة أنه لا يمكن الولوج إليه في ظل ازدواجية السلاح وتفرّد "الحزب" بقرار الحرب والسلم ومصادرته علاقات لبنان الخارجية..

هذا الأسلوب تسبّب لها في السابق بمشاكل جمة مع حلفائها ممن يفضلون "تدوير الزوايا". لذا ثمة من يسأل هل تمسّك "القوات" بأسلوبها، يستحضر هذه المشاكل مع حلفائها الجدد، أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة؟

بعضهم يرى أن الحملة التي يتعرض لها وزير الخارجية يوسف رجي المحسوب على "القوات" تهدف الى زرع الشقاق بينها وبين عون وسلام عبر إحراجهما من خلال التصوير أن موقف رجيّ عن تنصل "الحزب" اليوم من اتفاق وقف إطلاق النار هو استجلاب للعدوان الإسرائيلي وكذلك نعته بـ"وزير خارجية معراب" ومطالبة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بتنبيه الوزير إن لم يكن إقالته.

غير أن حزب القوات يضع الهجوم على رجي في إطار الرسائل الموجهة للرئيسين من باب "إحكي الجارة لتسمع الكنّة"، خصوصاً أن رجيّ يلتزم مضامين خطاب القسم والبيان الوزاري وهو على تنسيق تام مع الرئيسين عون وسلام ويُمثّل خير تمثيل الديبلوماسية اللبنانية وفق الخطوط السياسية السيادية للعهد.

عامل الوقت ليس لمصلحة لبنان بنظر "القوات" كي تتحمل الحكومة "دلع" "الحزب" في عدم تسليم سلاح

تعزو القوات سبب هذه الحملة الى مواقف عون من الرياض الى القاهرة والأهم الرسائل الصارمة التي وجهها للوفود الإيراني برئاسة رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف في بعبدا في 23/2/2025 - والتي لم تعتد عليها طهران يوماً - بالغمز من باب تدخلها في لبنان باعتباره ساحة توجيه رسائلها بحديثه عن أن "لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه".

كما ربط الأمر أيضاً بمواقف سلام الصارمة تجاه "الحزب" وآخرها عبر قناة "العربية" في 21/3/2025 حيث شدّد على أن "صفحة سلاح حزب الله انطوت بعد البيان الوزاري" وأن شعار"شعب جيش مقاومة" أصبح من الماضي"، مذكّراً أن "البيان الوزاري ينصّ بوضوح على حصر السلاح بيد الدولة" و"الدولة وحدها هي المسؤولة عن تحرير الأراضي من إسرائيل".

"القوات" كانت صريحة مع الحكومة التي تشارك بها ومنحتها الثقة حيث رأى رئيسها د. سمير جعجع في 10/2/2025 خلال لقائه الوزراء الأربعة الذين سمّتهم، أنّ على الحكومة وجوب عدم "تضييع الشنكاش"، إذ إن "السعي الى إنجاز الإصلاحات والتطوير لن ينجح من دون تحقيق استقرار فعلي".

وفي نفس الموقف ، تذكر القوات بمحطتين تعكسان الثقة برئيس الجمهورية وحكومة عهده الأولى أو الأخذ بضمانته أكان في مسألة توزير ياسين جابر في حقيبة المال أو من خلال التعيينات العسكرية حيث أخذ عون على عاتقه بعض الأسماء التي طرحت القوات علامات استفهام حولها. فتؤكد القوات أنها حريصة على ألا تضيّع الحكومة "الشنكاش" وأن تبقى بوصـلتَها وثيقة "البيان الوزاري".

لذا كانت مواقف "القوات" عالية السقف عند خروج بعض الوزراء عن هذا البيان كالوزير طارق متري بقوله "قلنا في البيان الوزاري أنّ حقّ وواجب الدولة احتكار حمل السلاح، لكن لم نقل متى وكيف سيتحقق ذلك" و"تسليم سلاح حزب الله غير مطروح في الوقت الحاضر" أو كالوزيرة حنين السيد واعتبارها أن "عودة النازحين السوريين يجب أن تكون طوعية وآمنة" رغم سقوط نظام الأسد في سوريا وانتفاء الأسباب الأمنية التي كانت تحول دون عودتهم.

بنظر "القوات" عامل الوقت ليس لمصلحة لبنان كي تتحمل الحكومة "دلع" "الحزب" في عدم تسليم سلاحه كما ارتضى خلال قبوله باتفاق وقف إطلاق النار ولا مروحة خيارات أمامنا إما الالتزام بالاتفاق وتسليم السلاح أو العودة إلى الحرب. فهي تشير الى الجو الملبّد في المنطقة مع عودة الحرب على غزة وتصاعد الغارات في لبنان والهجوم المتواصل على اليمن.

هل تقارن حكومة سلام قول رئيسها "إن صفحة سلاح حزب الله انطوت" بالفعل أما نستمر بالتأرجح على حافة الهاوية؟

من هذا المنطلق، دق نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب غسان حاصباني ناقوس الخطر بقوله إن "عدم تجريد الحزب من السلاح طوعا أو قسراً من قبل الجيش اللبناني سيضع هذه المهمة بيد الإسرائيلي والسوري، وهذا ما لا يريده أي لبناني"، فتعرض الأخير لحملة تخوين شعواء.

من هنا يعتبر طرح وزراء "القوات" و"الكتائب" على طاولة مجلس الوزراء ضرورة وضع جدولة زمنية لجمع السلاح "الحزب" استشرافاً لعواقب التلكؤ عن ذلك. فهل تقارن حكومة سلام قول رئيسها "إن صفحة سلاح حزب الله انطوت" بالفعل أما نستمر بالتأرجح على حافة الهاوية؟