أظهر مؤشر مديري المشتريات في منطقة اليورو والذي يُستخدم في قياس الأداء الاقتصادي، إلى أن الركود الاقتصادي في منطقة اليورو أتى أقلّ من المتوقّع حيث سجّل 49.3 في كانون الأول الماضي في حين أن التوقّعات كانت 48.8. هذا الإنكماش في إقتصاد منطقة اليورو أتى على خلفية رفع الفائدة التي قام بها المصرف المركزي الأوروبي ولكن أيضًا على خلفية المساعدات التي قامت بها الحكومات للقطاع الخاص وللمواطنين كما ودخول رساميل إلى المنطقة بتشجيع من السلطات الرسمية (مصدرها أوكرانيا والعديد من الدول النامية) مما خفّف من حدة الإنكماش.
بالطبع هذا الأمر لا يعني أن منطقة اليورو بدأت بالخروج من الأزمة الاقتصادية الواقعة بها نظرًا إلى أن أسباب الأزمة تعود إلى أزمة الطاقة، وإرتفاع أسعار المواد الأولية والغذائية، وهي عوامل غير نقدية في حين أن المعالجة تأتي من الباب النقدي حيث يقوم المركزي الأوروبي برفع الفائدة واضعًا بذلك النمو الاقتصادي في خطر. إلا أن ما يجب معرفته أن القيميين على السياسة النقدية في الإتحاد الأوروبي – كما في الولايات المتحدة الأميركية – يرون في التضخّم مرضًا يجب القضاء عليه بأي وسيلة حتى ولو على حساب النمو الاقتصادي. الجدير ذكره أن ردّة فعل الإحتياطي الفيدرالي الأميركي أتت أعنف من نظيرتها الأوروبية حيث عمد الإحتياطي الفيدرالي إلى رفع الفائدة ستة مرات في العام 2022!
التوقّعات للإقتصاديّن الأميركي والأوروبي هو الركود مع إحتمالات تفوق الـ 60% وهو أمر شبه حتمي نظرًا إلى أن مسار رفع الفائدة ما زال قائمًا في المنطقتين. وبالتالي فإن النمو الاقتصادي حتى ولو وُجد، سيتآكل بفعل التضخم. وكان صندوق النقد الدولي قد أشار سابقًا إلى أن الركود سيُصيب ثلث دول العالم على الأقل وسيكون عام 2023 عامًا صعبًا على الاقتصاد العالمي.
عمليًا ارتفاع الأسعار يأكل من القدرة الشرائية للمواطن وبالتالي يُخفض من الإستهلاك وإستطرادًا الناتج المحلّي الإجمالي. أيضًا ارتفاع أسعار الفائدة يزيد الكلفة على الشركات ويلجم شهيتها للإستثمار مما يعني أيضًا إنخفاضًا في الناتج المحلّي الإجمالي. أضف إلى ذلك العجز في الموازنات، كل هذا سيؤدّي حتمًا إلى ركود توافقت كل مراكز الدراسات العالمية على أنه حاصل لا محالة.
من جهته الدولار القوي – بحكم رفع الفائدة – يجعل من الولايات المتحدة الأميركية وجهة لرؤوس الأموال على حساب العديد من الدول وعلى رأسها الدول النامية والفقيرة التي تأن أصلاً تحت عبء ارتفاع الأسعار وكلفة الإستيراد وكلفة الإقتراض وبالتالي مزيد من الفقر. ولعل الدول العربية – غير النفطية – تأتي على رأس لائحة هذه الدول حيث من المتوقّع أن تزداد معاناة كل من لبنان ومصر وسوريا واليمن وتونس والأردن مع فقدان العملة الصعبة في هذه الدول وهو ما سيوسّع فجوة الفقر في مجتماعاتها.
السيناريو الأكثر طرحًا هو أن الركود سيضرب الاقتصاد الأول في العالم – أي الولايات المتحدة الأميركية – ومن ثم سيتمدد إلى بريطانيا وبعدها إلى الدول الأوروبية. وستأخذ الدول العربية – غير النفطية – حصتها من هذا الركود في العام 2023 حيث من المتوقّع أن تزداد حدّة الأزمة فيها مع بدء فرض قيود على حركة الدولار في هذه البلدان وخفض قيمة عملاتها مُقابل الدولار الأميركي.
أما الدول العربية النفطية وبالتحديد الدول الخليجية (المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، والإمارات العربية المتحدة، ودولة الكويت)، فقد نجحت إلى حدٍ بعيد بتنويع إقتصادها وتخطّت بنجاح أزمة كورونا، مُستفيدة من الفائض الآتي من عائدات النفط الخام والغاز الطبيعي. وتمتلك هذه الدول بالإضافة إلى كلٍ من الجزائر، والعراق إحتياطات مالية عالية.
الخطر الأكبر على الاقتصاد العالمي يبقى جائحة كورونا التي عادت إلى الظهور بشكل مُلفت في الصين مُهدّدة بذلك ثاني أكبر إقتصاد في العالم. وإذا كانت الصين قد تخلّت عن سياسة صفر كوفيد عبر التخلّي عن الإقفال، إلا أن هذا لا يعني أنها خرجت من الأزمة خصوصًا أن أسواق التصدير تُعاني كلها.
كل هذه العوامل – بالإضافة إلى العقوبات على النفط الروسي – تضع سقفًا لأسعار النفط العالمية عند الـ 80 دولار أميركي بحكم إنخفاض الطلب على النفط والغاز الأحفوري وهذا المستوى هو مستوى كافٍ للدول المنتجة للنفط إلا أنه سيكون كارثيًا للدول المستهلكة مثل الأردن وتونس التي ستشهد حكمًا إضطرابات إجتماعية نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات.