سابقة أن يشيّع أمينان عامان لـحزب معاً وحتماً 23/2/2025 يوم أمين عام "الحزب" السيد حسن نصرالله وخلفه بأربعة ايام السيد هاشم صفي الدين بامتياز، إذ ستبلغ مشاعر الفخر المجبول بالغضب والحزن الممزوج بالتبريكات ذروتها.
تشييع شعبي حاشد لا محال ووداع طال انتظاره منذ اغتيال نصرالله في 27/9/2025. فهو شخصية قيادية كاريزماتية تاريخية بإمتياز.
تشييع يلمّح "الحزب" إلى أنه استفتاء على سلاحه، فيما الاستفتاء الحقيقي يكون في صناديق الاقتراع وفي ساحة النجمة حيث النواب يمثّلون المكوِّنات كافة ويعكسون التعددية السياسية.
تشييع لا يمكن إلا أن يترافق مع خطاب يتخطى اللحظة على تاريخيتها والشخص على أهميته، ليرسم معالم اتجاهات "الحزب" للمرحلة الجديدة التي أمامها أربع سنوات على الأقل من حكم الرئيس الاميركي دونالد ترامب.
ماذا ما بعد بعد تشييع نصرالله؟ ماذا عن الإستحقاقات المفصلية والتحديات الوجودية التي تنتظر "الحزب" والمكوّن الشيعي؟
بعد التشييع سيستثمر "الحزب" في المشهدية الشعبية والمشاركة السياسية المحلية والعربية والدولية التي يسعى الى تأمينها وإن كان شبه مؤكّد أن لا حضور عربيا ودوليا رفيع كون "الحزب" مصنّفا على لوائح الإرهاب عالمياً ولديه مشاكل جمّة مع معظم الدول.
لكن ماذا ما بعد بعد تشييع نصرالله؟ ماذا عن الاستحقاقات المفصلية والتحديات الوجودية التي تنتظر "الحزب"؟ ماذا عن المكوّن الشيعي الذي نجحت "ثنائية" "الحزب" و"الحركة" في احتكار تمثيله النيابي وحصد 27 مقعداً من أصل 27؟
أكثر الاستحقاقات الداهمة إنهاء الحرب الدائرة مع إسرائيل منذ 8 أكتوبر 2023 يوم تبرّع "الحزب" بفتح جبهة الجنوب "إسناداً" لغزة وعملاً بـ "وحدة الساحات" بين مكوِّنات محور الممانعة. لذا رغم كل الانتهاكات السافرة والممارسات العنيفة من غارات واغتيالات وجرف وتفجيرات التي تقوم بها إسرائيل بالتزامن مع تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي ارتضاه "الحزب" ورعته الولايات المتحدة وفرنسا، ورغم التمديد المتكرّر لمهلة الـ60 يوماً التي نصّ عليها وعدم الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية وقرار البقاء في خمس نقاط استراتيجية، يتسلّح "الحزب" بـ "الصبر الإستراتيجي". فهو يدرك جيداً أنّ قدراته العسكرية أعجز من مقارعة إسرائيل بشكل ندّي وأكثر ما يمكن تحقيقه إرباكها وتهجير سكانها في الشمال.
لذا بالرغم من رفع سقوفه الكلامية ولعب ورقة الشارع أحياناً – وآخر تجلياتها كانت على طريق المطار - يحاول "الحزب" تحميل الدولة اللبنانية بعهدها الجديد المسؤولية والتلطّي خلفها لإخفاء عجزه عن تكبيد إسرائيل ضربات موجعة. من هنا، يبرّر أمينه العام الشيخ نعيم قاسم السير بالإتفاق "لأنّ الدولة قرّرت التصدي لحماية الحدود وإخراج إسرائيل وهذه فرصة لتؤدي الدولة واجباتها وتختبر قدرتها على المستوى السياسي (27/1/2025)".
غير أن كل هذا لا يجدي نفعاً، إذ إن جوهر المشكلة مصير سلاحه. فالمعادلة التي تفرضها إسرائيل برعاية أميركية وتأييد دولي هي استمرار الحرب على لبنان ما دام "الحزب" يمتلك قدرات عسكرية أو قتالية وإن كانت بدائية. معادلة واضحة في مضامين نص "وقف إطلاق النار" وملحقاته، فهل يلتزم "الحزب" بما ارتضاه عبر الموافقة على هذا النص ويسلّم سلاحه فينتقل من لعبة صناديق الرصاص الى لعبة صناديق الاقتراع؟ أم يحاول التنصّل من ذلك وكسب الوقت علّ الظروف القائمة تتغير ويستطيع الحفاظ على ما يتبقى من سلاحه على وقع تواصل الإستهدافات الإسرائيلية؟
ملف الإعمار هو استحقاق لا يقلّ إلحاحاً. ومع مرور الوقت يتكّشف أكثر فأكثر أنه مربك لـ "الحزب" ليس فقط لأنه عاجز حكماً عن تحمّله وحيداً بل لأن "الألف باء" كي تتدفق مساعدات الدول الصديقة وتستطيع الدولة اللبنانية إعادة الاعمار هي:
* القضاء كلياً على سلاح "الحزب" لأن أي إعمار بمثابة هدر ما دام شبح الحرب حاضرا.
* السير بالاصلاحات البنيوية لضمان الشفافية وعدم الهدر وتحاشي تجربة إعمار العام 2006 أو تجارب "الصناديق" و"المجالس" غير المشجعة في لبنان.
في 15/10/2024 أعلن قاسم: "أعدكم وعداً، وعده سيدنا الأمين العام السيد حسن رضوان الله تعالى عليه، أعدكم بأن تعودوا إلى بيوتكم، التي سنعمرها، وستكون أجمل مما كانت عليه، وقد بدأنا إعداد المقدمات التي تساعد عندما ننتهي وننتصر لنباشر العمل إن شاء الله بالتعاون مع كل الأطراف". أما في 16/2/2025، فسارع قاسم الى رمي المسؤولية أكثر فأكثر على الدولة قائلاً: "واجب الدولة أن تعمل على إعادة الإعمار، أن تأتي بتبرّعات أو تدعو لمؤتمرات أو تستعين بدول، فنحن حاضرون لأنّ نتعاون، نحن والدولة، حتى نستطيع تحقيق عمليّة الإعمار التي هي مسؤوليّة الدولة(...) هذه هي المعادلة، نحن الآن نقدم مساعدات في مجال الإيواء والترميم، يعني نحن نحلّ المشكلة بشكل مُوقّت إلى أن يبدأ الإعمار الذي هو مسؤولية الدولة، ونحن نتعاون مع مسؤوليّة الدولة، فنحن لا نتنصّل أبدًا، بل نساعد (...)".
تشييع يلمّح "الحزب" أنه إستفتاء على سلاحه فيما الإستفتاء الحقيقي يكون في صناديق الإقتراع وفي ساحة النجمة
العيش مع باقي المكونات بمساواة وندية تحدٍّ وجودي يواجهه المكوّن الشيعي. فهو يشعر أن المكتسبات التي حققها مع "ثنائية" "الحزب" – "الحركة" في ظل "الشيعية السياسية" مهدّدت اليوم وأبرزها:
* رفع لما يعتبره "حرماناً مزمناً".
* "فائض القوة" جراء إمتلاك السلاح.
* الإمساك بالقرار السياسي.
* الدخول الوازن الى العالم المالي والاقتصادي.
* الحضور الفاعل في إدارات الدولة ومؤسساتها.
ويتلمّس "الثنائي" أيضا موجات إحباط في الأفق كالتي أصابت بعض المسيحيين في زمن النظام الأمني "اللبناني – السوري" في منتصف تسعينات القرن الماضي. خير دليل على ذلك، الشعارات الطائفية التي يعكسها الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي والتي تعكس المكنونات الداخلية بعيداً عن الرقابة والحسابات السياسية من "شيعة شيعة شيعة" الى "يا زهراء ويا حسين والشيعة أخدوا لبنان". فكيف السبيل كي تعتاد بيئة "الثنائي" على المساواة في المواطنة والحقوق والواجبات تحت سقف القانون؟
هذا التحدي يشرّع الباب لمقاربة النظام اللبناني القائم بعيداً عن أي محرّمات والبحث في سبل:
* الخروج من دوّامة الحروب المتقطّعة بفترات من السلم.
* السعي لنظام يبدّد هواجس المكوّنات كافة ويحفظ لها الدور والوجود.
* العبور الى دولة القانون والمؤسسات والمواطنة.
فهل يتجرأ اللبنانيون على وقف "فلكلور" التعايش ووضع الأصبع على الجرح والبحث عن نظام يؤمّن الاستقرار المستدام والازدهار الواعد والأهم الشعور بالأمان والمساواة لدى جميع المكوِّنات؟