مرّة جديدة نعود إلى افتعال ملفّات وحوادث ضد مصلحة من حرّك الشارع، أوّلاً، وضد الحكومة ثانيا، وبالنتيجة ضد مصلحة لبنان. فالممسكون بما يحلو لهم تسميته "لعبة الشارع" يظنّون أنّهم ما زالوا قادرين على تحريك الشارع كما يشاؤون خدمة لأهدافهم السياسية. تبيّن لهم أخيرا أن الشارع لا يُمسَك والمبالغة في اللجوء إليه تعطي أحيانا كثيرة نتائج تخالف الهدف المنشود.
أيّا يكن سبب تحريك الشارع فهذا التحريك موجَّه ضد الحكومة. ومَن يقف وراء هذا التحريك قال للحكومة علنا إنّها عاجزة ومنصاعة لأوامر الخارج، خصوصا الولايات المتحدة وإسرائيل.
هذه الجهة التي حرّكت الشارع احتجاجا وتخويفا، مشارِكة في الحكومة. فلماذا لا تنسحب من الحكومة إذا كانت تعتقد أنّ الحكومة فعلا عاجزة ومنصاعة لأوامر الخارج.
وقد سارعت حركة "أمل" و"حزب الله" إلى "النأي بالنفس" و"التنصل" ممّن تسبّب بالصدام في الشارع فيما حاولا تبرئة المتظاهرين باتهام "عناصر غير منضبطة" بالتسبّب بالصدام. وهذا أمر لا ينطلي على أحد لأن لا أحد حيث كان التظاهر وحيث وقع الصدام يجرؤ أن يتحرك بدون أمر مباشر منهما أو على الأقل بدون إيحاء وغضّ نظر.
ثمّ إنّ قطع طريق المطار والاعتداء على المحالّ والسيارات لا يخدم قضية المتظاهرين ولا يحلّ مشكلتهم بل يعزز المطالبة بفتح مطار آخر أو أكثر لأن من غير الجائز إبقاء طريق المطار، وهي ممرّ إجباري لكل مسافر من لبنان وإليه، تحت رحمة الاحتجاج وعرض العضلات.
مَن حرّك الشارع ضد الحكومة يعرف أن الحكومة لم تتقدّم بعد من مجلس النواب طلباً للثقة ببرنامج عملها. ويعرف جيّدا أيضاً أن رئيس الجمهورية لا يتوقف عن استخدام زخم انتخابه، وكذلك رئيس الحكومة، لحلحلة العقد المستعصية، وأن هذه الصعوبات تحتاج إلى وقت وإلى جهد ولا تُحَلّ بمجرد تمنّي الحلّ.
ولعلّ مَن حرّك الشارع يدرك أيضاً أن البديل عن جهود الرئيس والحكومة، وهي جهود سياسية ودبلوماسية، هو العودة إلى مسار كانت نتيجته كارثية على لبنان بأكمله وليس فقط على أهل الجنوب البقاع وضاحية بيروت الجنوبية. فهل يتحمّل مّن حرّك الشارع أن يعود إلى هذا المسار وقد فقد ترسانته وقادته وقراره وقدرته المالية ونفوذه وهيبته وحلفاءه؟
يرغب اللبنانيون في أن تنسحب القوات الإسرائيلية من لبنان أمس قبل اليوم واليوم قبل الغد. لكنّها أُعطيت ذرائع للدخول وأعلنت الأهداف التي من أجلها دخلت، وهي تتضمّن تطبيق قرار مجلس الأمن 1701 والقرارات ذات الصلة، خصوصا القرارين 1559 و1680، أي حل الميليشيات وتسليمها سلاحها للدولة. والسيطرة على كامل الحدود الوطنية، وستبقى ما دامت الولايات المتحدة لا تجبرها على الانسحاب.
نقطة أخرى يجدر التوقف عندها وهي أنّ كلّ يوم يمرّ دون تسليم السلاح تدمّر إسرائيل مزيدا من المباني والمنشآت في الجنوب، وهو ما يصعّب العودة وإعادة البناء.
على محرِّكي الشارع والذين تحرّكوا أن يعوا أنّ ما يعانونه اليوم نتيجة لأفعالهم، وأن يقرروا العودة إلى لبنان والتخلي عن العقيدة الـ "ما فوق لبنانية " والتي تتعارض مع عقيدة الانتماء إلى لبنان.
ماذا ينفع افتعال المشاكل ضد الجيش الذي ينتشر في الجنوب للضغط باتجاه انسحاب إسرائيل من أرضنا؟ ولأي هدف تهاجَم الحكومة التي تستعجل الثقة للبدء بالعمل؟ وبدل افتعال ملفّات وحوادث ضد مصلحة البلاد، لماذا لا يتّفق الجميع للضغط لتحقيق انسحاب إسرائيل وجذب الاستثمارات؟