أثارت سياسة فرض الضرائب العشوائية الداخلية والدولية التي اتخذها الرئيس دونالد ترامب مدًّا قويًّا من ردود الفعل المحليّة والعالمية، لا سيما من الصين، الشريك الصناعي والتجاري المفضّل للولايات المتحدة.
ردّت الصين على الولايات المتحدة بالمثل وفرضت رسومًا جمركية تبلغ 15% على الغاز الطبيعي المسال والفحم الأميركيين، فيما كانت الولايات المتحدة تأمل في بيع هاتين السلعتين للصين لتقليل اعتمادها على روسيا. فبين عشية وضحاها فشلت هذه الخطة.
بشكل عام، لم تقتصر ردود بيجينغ على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على تدابير اقتصادية فورية، بل استفادت منها لتتّخذ لنفسها موقعًا وتحصل على مزايا استراتيجية على المدى الطويل في الاقتصاد العالمي. هذا السلوك يعكس الحكمة الأسطورية التي تتحلّى بها هذه الحضارة القديمة. وقد كانت للحرب التجارية بين العملاقين تداعيات كبيرة على ديناميات التجارة العالمية وسلاسل الإمداد والسياسات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم.
فجأة، وجد البيت الأبيض نفسه في دوامة، وعوضاً عن إعادة التفاوض، رفعت واشنطن عقيرتها واستمرّت في السياسة ذاتها مهدّدة برسوم جديدة. لكنّ بيجينغ، مرة أخرى، كانت سريعة في ردّها ففرضت رسومًا جمركية على النفط والمنتجات الزراعية الأميركية. ثم جاءت الضربة الأخيرة: فرضت الصين رقابة على تصدير المعادن النادرة، موجّهةً ضربة فورية لصناعة التكنولوجيا الأميركية حارمة إيّاها من مكوّنات متدنّية الكلفة. ثمّ أنشأت الصين هيئة رقابة فورية على تنظيمات مكافحة الاحتكار ضد أندرويد وكروم.
أدّى الارتباك في قطاع التكنولوجيا المتقدّمة في الولايات المتحدة إلى خسارته 1000 مليار دولار تقريبًا
هل هذا هو انتقام من فوز شركة هواوي في الحرب ضدها؟
إليكم لمحة عامة عمّا ردّت به الصين على الإجراءات الأميركية:
1. تكافؤ الرسوم: ردت الصين على الرسوم الأميركية بفرض رسومها الخاصة على مجموعة من المنتجات الأميركية. استهدفت هذه الرسوم الصادرات الأميركية الرئيسية مثل المنتجات الزراعية (الصويا، لحم الخنزير)، والسيارات، ومنتجات الطاقة. والهدف منها الضغط الاقتصادي على قطاعات سياسية مهمة في الولايات المتحدة، بخاصة في المناطق التي دعمت ترامب.
2. تنويع الاقتصاد: عجّلت الصين في جهودها للحد من اعتمادها على السوق الأميركية بتنويع علاقاتها التجارية. وشمل ذلك تعزيز الروابط مع اقتصادات كبيرة أخرى من خلال مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق وزيادة التبادلات مع الاتحاد الأوروبي ودول الآسيان وغيرها.
3. البعد المالي: في بعض الحالات، سمحت الصين بخفض عملتها، فانخفض يذلك سعر صادراتها وساهم في تعويض جزء من تأثير الرسوم الجمركية الأميركية. وقد أدى ذلك بالطبع إلى إطلاق الولايات المتحدة اتهامات للصين بالتلاعب المالي.
4. تعزيز السوق الداخلية: لتخفيف تأثير الحرب التجارية على اقتصادها، نفذت الصين تدابير التحفيز الداخلية. شملت هذه تخفيضات ضريبية وزيادة الإنفاق على البنية التحتية وتعديلات قي السياسة النقدية لدعم الصناعات المتأثرة والحفاظ على النمو الاقتصادي.
5. الاستقلال التكنولوجي: أبرزت الحرب التجارية المخاطر المرتبطة باعتماد الصين على التكنولوجيا الأميركية، خصوصًا في قطاعات التكنولوجيا مثل أشباه الموصلات. زادت الصين جهودها لتحقيق الاستقلال التكنولوجي من خلال زيادة استثماراتها في البحث والتطوير ودعم الشركات التكنولوجية المحلية.
6. عدم قطع الحوار: استخدمت الصين أيضًا القنوات الدبلوماسية لتكوين تحالفات لمواجهة النفوذ الأميركي. شمل ذلك زيادة الانخراط في المنظمات والمنتديات الدولية ومحاولة تشكيل قواعد التجارة العالمية بما يتماشى مع مصالحها.
7. التعديلات الاستراتيجية على المدى الطويل: إلى جانب الردود الفورية، قامت الصين بتعديلات استراتيجية طويلة الأمد في سياساتها الاقتصادية. تجلّى ذلك في تركيز متزايد على الاستهلاك المحلي والابتكار والصناعات ذات التكنولوجيا العالية للحد من تعرضها للضغوط التجارية الخارجية.
في حالة من الذعر، سعى ترامب بشكل عاجل للتحدث مع شي جين بينغ، لكن بيجينغ ردّت بصمت جليدي. والأسوأ من ذلك، في اليوم الذي كان ترامب يسعى فيه للاتصال بالزعيم الصيني، أطلقت الصين محرك الذكاء الصناعي DEEPSEEK AI، فأدّى الارتباك في قطاع التكنولوجيا المتقدّمة في الولايات المتحدة إلى خسارته 1000 مليار دولار تقريبًا. يبدو أن هذا هو أسوأ سيناريو لواشنطن، لأنه عندما لا تلزم الصين الهدوء حيال الاستفزازات الأميركية، فهذا يعني أن ردها جاهز.
منذ عقود، تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على الصين، لكنّ الصين لم تعد كما كانت في الماضي. وعليه، برز السؤال: هل لا تزال الولايات المتحدة قادرة على إدارة العلاقات مع منافس بهذا الحجم، أم أنّ التنّين أفلت من عقاله؟