بين الإصرار العربي والدولي على تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن والعراقيل الداخلية، بدأ رئيس الحكومة المكلف بالتعبير عن امتعاضه من العقبات التي تعترضه في عملية التشكيل. يختلف نواف سلام عن أسلافه ممّن استنزفتهم عمليات التشكيل سابقاً وأوّلهم السفير مصطفى أديب بكونه سارع إلى إعلان استيائه، ولم ينتظر طويلاً ليُخرِج مشاكله إلى العلن. لكأنه أراد أن يكون بيانه الأخير من بعبدا الذي تلاه عقب لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بمثابة البيان رقم واحد. وعلى قاعدة أعذر من أنذر تعاطى سلام محذّرا من مغبّة إغراقه في متاهات الحصص والحقائب .

في أولى جولاته اصطدمت أحلامه بالوقائع. أراد الخروج بمنهجية جديدة في التسميات. سمع آراء كل القوى السياسية وتطلعاتها ورغباتها. وأعدّ تشكيلة يراها مناسبة للعمل في المرحلة المقبلة. حتى أنه أبقاها بمعزل عن مشورة الرئيس الأول على اعتبار أن دوره استشاري فقط ولا يتدخل في التشكيل.

لا غبار على تعاطي سلام وطريقته في تشكيل حكومته. وهي يفترض أن تكون بمثابة فريق عمل متجانس للانخراط مع رئيس الحكومة في تنفيذ بيان وزاري يعكس تطلعاتها. ومن وجهة نظر دستورية فهو قائد السفينة، يشكل حكومته وله أن يترأس مجلس الوزراء وأن يحدد برنامج عمله . لكن في وضعيّة لبنان يتقدّم العرف على الدستور ومضامينه، بحيث بات تشكيل الحكومة محكوما بالتوافق، وتوزيع الحقائب على الطوائف قياساً إلى حجم الكتل النيابية.

خطأ سلام بادئ ذي بدء أنه رضخ لهذا المنطق منذ أعقب الاستشارات النيابية غير الملزمة بالاستماع مجدداً إلى الكتل النيابية ورؤساء الأحزاب للوقوف على تطلعاتها. خطأه الثاني أنه وافق على حصرية الثنائي الشيعي بتولي حقيبة المالية. ومنطق الأمور يقول أن التعاطي يفترض أن يتبع المعايير ذاتها، لأن مراضاة فريق تجبره على مراضاة آخرين.

أما في العلاقة مع رئيس الجمهورية فلا يمكن لأي رئيس حكومة أن يتعاطى مع أعلى منصب في الدولة على أنه في موقع إبداء المشورة. فالرئيس المنتخب بإجماع نيابي وخطاب قسم لاقى إجماعاً وطنياً يفترض أن يتمثل حكماً في الحكومة، وأن يكون له رأيه في الأسماء المقترحة. ومبدئياً يمكن التنبؤ بوجود اختلاف في مقاربة الصلاحيات ألمح اليها سلام بتشديده على الدستور ونصوصه.

مسألة ثانية ستترك تداعياتها حكماً على عمل الحكومة وهي مسألة الثقة المفقودة بين الثنائي والرئيس المكلف. لن يأسف سلام في حال فضل الثنائي البقاء خارج الحكومة، ولن يدعه الثنائي يحقق ذلك. والأمر يسري على تمثيل التيار الوطني الحر الذي لا يتحمّس له سلام خشية أن تحقق لحظة تقارب جديدة بينه وبين الثنائي ثلثاً معطلا ينغّص عليه رئاسته.

كل ما سلف يمكن تفهمه إلا أن تمارس القوى التغييرية والتي اعتبرت تسمية نواف سلام نصرا ثانيا لها بعد انتخاب جوزف عون، سلوك الأحزاب التقليدية في المحاصصة وطلب الحقائب.

يحتار الرئيس المكلف بين تشكيل حكومة ترضي طموحاته، أو حكومة تقليدية لتنال ثقة برلمان تقليدي. والمفارقة أن الحرب الصامتة بينه وبين الكتل النيابية وضمنها التغييرية تدور على حكومة لن يزيد عمرها على أشهر وهي حكومة إشراف على انتخابات نيابية وهنا مرتكز الأزمة.

دوليا المطلوب من سلام تشكيل حكومة تواكب الاصلاحات وتجري انتخابات نيابية لاختيار برلمان جديد يكون أستكمالا للتغير بعد رئيسي الجمهورية والحكومة، مطلوب منه اختيار وزراء اصلاح وتعيينات ادارية ومالية وقضائية. هنا أيضا ليس مستبعدا أن نتلمس خلافات عميقة واختلافاً على التسميات والحقائب قد يفجّر التشكيل ويضغط على الرئيس المكلّف لاعادة النظر بمهمته، أو ربما يستكمل الضغط الدولي لتشكيل حكومة تحاكي المرحلة والدفع باتجاه الثنائي للمقاطعة ومعهم التيار الوطني الحر .

بعد تكليفه وعقب الاستشارات خرج الرئيس المكلف ليعلن تفاؤله بتشكيل حكومة بعد أيام من تكليفه. اليوم طلب مزيدا من الوقت لإعلان التشكيلة بعدما رفضت أولى مسوّداته التي وضعها بمعزل عن مطالب الكتل النيابية.

يمكن الحديث عن وجود أزمة تشكيل لا تختلف عن الأزمات التي سبق وعانى منها لبنان عقب كل عملية تكليف، لكن ما ليس مؤكدا اذا ما كنا امام تجربة مصطفى أديب جديدة أو أن الاتي على ظهر الضغط الدولي سيستكمل خطواته لأن المكتوب قد كتب؟