تحدى "القضمة الواحدة" الذي أودى بحياة الطفل اللبناني جو إيلي السكاف، البالغ من العمر 12 عامًا، كشف عن جانب مظلم جديد من تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الأطفال والمراهقين. الحادث وقع في مدرسة “جنة الأطفال” في حارة صخر – جونيه، عندما حاول جو تناول قطعة كرواسان كاملة في لقمة واحدة، فتوفّي اختناقا رغم التدخل السريع من المدرسة والدفاع المدني.
وفقًا للمعطيات الأمنية، فقد علقت الكرواسان في حلق جو، ولم تنجح جميع محاولات إنقاذه. القضية الآن تحت تحقيق القضاء، الذي يسعى لتحديد المسؤوليات. العائلة المفجوعة، التي تضم والديه إيلي وهنادي وشقيقه شربل، ودّعت ابنها في جنازة مؤثرة، بينما أعلنت المدرسة إقفال أبوابها حدادًا.
مخاطر التحدّيات الرقمية على الأطفال والمراهقين
التحدّيات الرقميّة على تطبيقات مثل "تيك توك" تحولت إلى ظاهرة تنتشر بسرعة بين المراهقين. تحدي "القضمة الواحدة" ليس إلا مثالاً من بين العديد من التحديات الخطرة التي أودت بحياة الكثير من الأطفال والمراهقين أو تسببت بإصابتهم بجروح خطيرة. من بين التحديات الأخرى:
1. تحدي "تعتيم النفس" (Blackout Challenge): دفع المشاركين إلى كتم أنفاسهم حتى الإغماء. سُجّلت حالات وفاة عديدة نتيجة الاختناق.
2. تحدي "القرفة": تناول ملعقة كبيرة من مسحوق القرفة دفعة واحدة، ويؤدي ذلك إلى الاختناق أو تهيج الرئتين.
3. تحدي "الوشاح": يستخدم فيه الأطفال أو المراهقون أوشحة لخنق أنفسهم حتى يفقدوا الوعي. هذا التحدي تسبّب في وفيّات بين الأطفال الذين لا يدركون العواقب.
4. تحدي "التنقل بين السيارات": يطلب من المشاركين القفز بين سيارات متحركة. وقد أدى إلى إصابات بليغة وحالات وفاة.
تأثير التحديات الرقمية على نفسية الأطفال والمراهقين
تظهر الدراسات أن الأطفال والمراهقين أكثر عرضة لتأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي بسبب:
الضغط الاجتماعي: الرغبة في تحقيق القبول والإعجاب من أقرانهم.
التقليد: لميل إلى تقليد الأشخاص المشهورين أو المؤثرين.
قلة الوعي بالمخاطر: غياب القدرة على تقييم المخاطر بشكل صحيح.
في هذا الإطار رأت د. رنا حمدان، المختصة في علم الاجتماع، في حديثها لموقع "الصفا نيوز" أنّ "ما نشهده اليوم هو انعكاس مباشر لتأثير التكنولوجيا الحديثة على مجتمعاتنا، بخاصة بين الفئات العمرية الصغيرة. الأطفال والمراهقون في مرحلة عمرية حرجة يتأثرون فيها بالضغط الاجتماعي والشعور بالرغبة في الانتماء. للأسف، تحديات مواقع التواصل تُظهر الجانب السلبي لهذا التأثير. غياب الرقابة الأسرية وعدم وجود توعية كافية يسهم في تفاقم المشكلة. يجب أن تتحمل المنصات الرقمية مسؤوليتها تجاه المحتوى المنشور، مع فرض رقابة أكثر صرامة.”
أمّا د. هدى منصور المختصة في علم النفس فاعتبرت في حديثها لموقع "الصفا نوز" أنّ "الأطفال والمراهقين يتعرضون لضغط كبير لتقليد ما يرونه على مواقع التواصل، بدون إدراك المخاطر الحقيقية. الحل يكمن في تعزيز التواصل بين الأهل والأطفال، وتثقيفهم حول أخطار هذه التحديات. يجب أن يكون للمدارس أيضًا دور توعوي في هذا السياق. على المستوى النفسي، يمكن تعليم الأطفال مهارات التفكير النقدي وكيفية اتخاذ قرارات واعية، مما يساعدهم على مقاومة الضغوط الاجتماعية.”
الحلول الممكنة
ومن الحلول الممكنة التي اقترحتها كل من د. حمدان ود. منصور نذكر:
1. زيادة الوعي:
o إقامة حملات توعوية تستهدف الأطفال والمراهقين وأولياء الأمور.
o إشراك المدارس في تنظيم ورش عمل حول أخطار الإنترنت.
2. تعزيز دور الأهل:
o مراقبة استخدام الأطفال للإنترنت.
o فتح قنوات حوار مع الأطفال حول المحتوى الذي يشاهدونه.
3. تشديد الرقابة على المحتوى الرقمي:
o مطالبة المنصات مثل "تيك توك" بإزالة المحتوى الخطير.
o وضع قيود عمرية صارمة على التحديات الخطرة.
4. التشريعات والقوانين:
o سن قوانين تُلزم منصات التواصل الاجتماعي بتحمل المسؤولية عن المحتوى المنشور.
o معاقبة الجهات أو الأفراد الذين يروّجون لهذه التحديات.
5. التوجيه النفسي:
o تقديم الدعم النفسي للأطفال الذين يتعرضون لضغط المشاركة في هذه التحديات.
o تدريب المعلمين على اكتشاف العلامات المبكرة للسلوكيات الخطرة.
رسالة إلى الأهل والمجتمع
الحادثة المأساوية التي أودت بحياة جو السكاف ليست مجرد حادثة فردية، بل إنذار بضرورة التحرك السريع لحماية الأطفال من المخاطر الكامنة في العالم الرقمي. يجب أن يتكاتف الجميع – الأهل، المدارس، والمجتمع – لمواجهة هذه الظاهرة وحماية الأجيال القادمة.
يبقى الوعي هو السلاح الأقوى في مواجهة تحديات مواقع التواصل الاجتماعي. التحديات الرقمية قد تبدو ممتعة أو غير مؤذية، لكنها تحمل في طيّاتها أخطارا قد تكون قاتلة. علينا جميعًا أن نكون جزءًا من الحل لحماية أطفالنا من الوقوع ضحايا لضغوط الإنترنت والمجتمع الرقمي.