بعد سنوات من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أنهكت لبنان، انطلقت الآمال مجددًا مع انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، وتكليف القاضي نواف سلام برئاسة الحكومة. هذا العهد الجديد يحمل في طياته تطلعات اللبنانيين نحو الاستقرار والإصلاح، وسط أجواء من التفاؤل المشوب بالحذر.

ما ينتظره اللبنانيون من العهد الجديد

يضع اللبنانيون ثقتهم في القيادة الجديدة لتحقيق جملة من الأولويات التي تُعتبر مفتاحًا لإعادة بناء الدولة، وأبرزها:

1. إصلاح النظام السياسي: تعزيز الشفافية، وإصلاح النظام الانتخابي، والتصدي للفساد المستشري في مؤسسات الدولة.

2. إنقاذ الاقتصاد: وضع خطة اقتصادية واضحة تتضمن إصلاح القطاع المصرفي، وتنظيم السياسات المالية، وجذب الاستثمارات الأجنبية لدفع عجلة الإنتاج.

3. إعادة الثقة بالدولة: عبر محاربة الفساد، وتعزيز استقلالية القضاء، وضمان حقوق المواطنين الأساسية.

4. تخفيف معاناة الشعب: تقديم حلول فورية لأزمة الكهرباء، والمياه، والنقل العام، وضمان وصول الخدمات الأساسية لكل مواطن.

5. إعادة بناء العلاقات الخارجية: العمل على تحسين العلاقات مع الدول العربية والمجتمع الدولي، وضمان دعم لبنان في المحافل الإقليمية والدولية.

6. ملف اللاجئين السوريين: إيجاد حلول إنسانية ودبلوماسية لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم مع ضمان حقوقهم الإنسانية.

7. إعادة بناء الثقة في المؤسسات العسكرية: تأكيد دور الجيش اللبناني كضامن للاستقرار وحماية وحدة الوطن.

خطاب القسم للعماد جوزيف عون

ركز العماد جوزيف عون في خطاب القسم على:

• وحدة لبنان: أكد أن حماية لبنان من الانقسامات الداخلية ستكون أولوية قصوى في عهده.

• دعم المؤسسة العسكرية: شدد على أن الجيش اللبناني سيظل الضامن الأساسي للأمن والاستقرار.

• مكافحة الفساد: وعد بتفعيل مؤسسات الدولة لتعمل بفعالية وشفافية بعيدًا عن المصالح الشخصية.

• التنمية المتوازنة: تعهّد بالعمل على تعزيز التنمية في جميع المناطق اللبنانية لتقليص الفجوة بين الريف والمدن.

لا شكّ بأنّ خطاب القسم الذي أدّاه عون، أحدث ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي ونال اعجاب الكثيرين واحترامهم، وأعاد الأمل للمواطنين اللبنانيين بامكانية بناء وطن جدي. في المقابل كان موقف بعض اللبنانيين حذر من ما اسموه بـ"التسوية" التي أوصلت كل من سلام وعون إلى الحكم. وفيما يلي أبرز ما رصده "موقف الصفا نيوز" من آراء مؤيدة ومعارضة:

الآراء المؤيدة:

- الثقة بالمؤسسة العسكرية: رأى كثيرون أن انتخاب جوزيف عون هو خطوة إيجابية تعزز الاستقرار، خصصوصا أنه شخصية تنتمي إلى المؤسسة العسكرية التي لا تزال تحتفظ بثقة شريحة كبيرة من اللبنانيين.

- الخبرة في الأمن: اعتبر المؤيدون أن خلفية عون العسكرية تؤهله للتعامل مع التحديات الأمنية التي تواجه البلاد، خصوصًا في ظل التوترات الإقليمية.

- التزامه بالوطنية: أشاد البعض بخطاب عون الذي ركز على حماية وحدة لبنان، مشيرين إلى أنه قد يكون الشخص المناسب لإنهاء حالة الانقسام السياسي.

الآراء المعارضة:

- خشية من عسكرة الدولة: عارض بعض اللبنانيين انتخاب عون، معتبرين أن اختيار رئيس ينتمي إلى الجيش يعزز مخاوف عسكرة السياسة في لبنان.

- العلاقة مع الطبقة السياسية: اتهم المعارضون جوزيف عون بأنه لم يقدم موقفًا واضحًا ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد، مما يثير قلقًا من استمرارية الوضع الراهن.

- التركيز على الأمن فقط: انتقد البعض تركيز عون على الجانب الأمني دون تقديم رؤية اقتصادية واجتماعية شاملة لحل الأزمات الراهنة.

هذا وحّذر عدد من الناشطين من تصوير انتخاب جوزيف عون كانتصار للثورة إذ قال هادي منلا "صيحة لأغلب نواب التغيير ...لا تضفوا طابع ثوري على تصويتكم لجوزيف عون عبر القول انه لم يرضخ للضغوطات لقمع المظاهرات...اولاً لأنه غير دقيق ...وثانياً لأن اكيد التصويت الثوري لا يكون لشخص مثل جوزيف عون ...أعطوا التبريرات التي تريدون...هذا حقكم وخياركم...ولكن أبعدوا الثورة والتغيير عن هذا الكأس".


تصريح القاضي نواف سلام بعد تكليفه تشكيل الحكومة

جاء خطاب القسم لرئيس الحكومة نواف سلام مشددًا على النقاط التالية:

- استعادة الثقة الدولية: أكد سلام أن حكومته ستسعى لتفعيل الشراكات مع المجتمع الدولي لدعم لبنان ماليًا واقتصاديًا.

- إصلاح النظام القضائي: تعهّد بضمان استقلالية القضاء ومحاسبة الفاسدين، مهما علت مناصبهم.

- إطلاق عجلة الإصلاح الاقتصادي: وعد بخطة إنقاذ شاملة تعتمد على الشفافية وإعادة هيكلة القطاعات المتعثرة، وعلى رأسها الكهرباء والمصارف.

- تمكين الشباب: شدد على ضرورة إشراك الشباب اللبناني في عملية صنع القرار والعمل على وقف نزيف الهجرة.

وأخذ تعيين سلام رئيسا للحكومة أيضاً ضجة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رافقها نزول لعدد من الناشطين والصحافيين إلى ساحة الشهداء للاحتفال بهذا التعيين، ولكن انقسمت الآراء بدورها أيضا بيم مؤيد ومعارض وفيما يلي أبرز المواقف:

الآراء المؤيدة:

- السمعة الدولية والإصلاح: أشاد المؤيدون بتعيين نواف سلام، مشيرين إلى سمعته الجيدة على الصعيد الدولي كرجل قانون ودبلوماسي، واعتبروا أنه قد يكون قادرًا على استعادة الثقة الدولية بلبنان.

- استقلالية القضاء: رحب كثيرون بتوجه سلام نحو إصلاح القضاء ومكافحة الفساد، ورأوا فيه أملًا لتحقيق العدالة التي طال انتظارها.

- رؤية اقتصادية متزنة: أبدى البعض تفاؤلًا بخطط سلام لإنقاذ الاقتصاد وإعادة هيكلة القطاعات المتعثرة.

الآراء المعارضة:

- ضعف الدعم السياسي الداخلي: رأى المعارضون أن سلام، رغم كفاءته، يفتقر إلى دعم القوى السياسية التقليدية، مما قد يعيق تنفيذ أي إصلاحات جدية.

- الاتهامات بالارتباط الخارجي: انتقد بعض الأطراف تعيين سلام، معتبرين أنه مدعوم من جهات دولية، وهو ما قد يؤثر على استقلالية قراراته.

- فقدان الثقة بالحكومات السابقة: أبدى كثيرون شكوكهم في قدرة أي رئيس حكومة على إحداث تغيير حقيقي في ظل استمرار الطبقة السياسية ذاتها.

وعلّق قسم كبير من الناشطين على الأحاديث التي قالت بوجود اتفاقيات مع الخارج للاتيان بميقاتي وتم مخالفة هذه الاتفاقيات. وفي ما يلي أحد التعليقات لعلي نور الدين الذي قال "لا أفهم مطلقًا القول بأن تكليف سلام خرق لتعهّدات وإلتزامات سابقة. أي تعهدات؟

على حد علمي، كل نواب المعارضة والتغيير وكثير من المستقلين كانوا يعلنون رفضهم لميقاتي قبل وخلال وبعد انتخاب جوزيف عون. جبران باسيل لم يكن جزءًا من التوافق على انتخابه، وعلاقته متوترة بميقاتي على أيّ حال.

من التزم بماذا؟ ورئيس الجمهورية لا يملك أمر التكليف بمعزل عن الاستشارات ورأي النواب.

هناك احتمال واحد: أطراف خارجيّة.

وما علاقتنا نحن في لبنان، إذا كان هناك في الخارج من أعطى إلتزامًا لا يقوى على تنفيذه؟ وبأي حَق نصبح مسؤولين عن تعهد كهذا؟

لا أحاول أن أكون مثاليًا، لكن أرفض أن يُقال أنني ملتزم بشخص مثل ميقاتي لأن أحدًا في الخارج أوحى أو ألمح بقبوله! لستُ ملزماً بهذا.

إذا في دولة مقتنعة كتير فيه، تاخدو تحطو رئيس حكومة عندها. وخليه يوزّع بنيتهم التحتية لبيت سعادة هونيك."

التحديات أمام القيادة الجديدة

رغم الآمال الكبيرة، يواجه هذا العهد تحديات جمة، أبرزها الانقسام السياسي الداخلي الذي قد يعرقل تنفيذ الإصلاحات، بالاضافة إلى الأزمة المالية التي تحتاج إلى دعم دولي كبير، فضلا عن استمرار التوترات الإقليمية وتأثيرها على الداخل اللبناني. فيما طبيعة النقاشات على مواقع التواصل الاجتماعي لا تبشر بالخير، حيث انقسمت التعليقات على مواقع التواصل بناءً على الانتماءات الطائفية والسياسية، حيث دعمت كل طائفة أو تيار سياسي المرشح الذي يعتقد أنه يخدم مصالحها. كما شهدت خطابات القسم لجوزيف عون ونواف سلام نقاشات واسعة. فقد ركز المؤيدون على الوعود الإيجابية، بينما اعتبر المعارضون أنها تكرار للشعارات السابقة دون ضمانات للتنفيذ.

هذا وأطلقت مجموعات على فيسبوك وتويتر حملات لدعم كل من عون وسلام، بينما أطلقت مجموعات أخرى حملات معارضة ركزت على التشكيك في قدرتهما على إحداث التغيير.

ويعكس الانقسام على مواقع التواصل الاجتماعي عمق الأزمة اللبنانية وتآكل الثقة بالمؤسسات السياسية. فرغم الآمال التي حملها انتخاب جوزيف عون وتعيين نواف سلام، لا تزال مخاوف اللبنانيين قائمة، لا سيما في ظل غياب أي ضمانات لتنفيذ الإصلاحات الضرورية.

في المحصلة، إن عهد العماد جوزيف عون والقاضي نواف سلام يحمل فرصة حقيقية لإنقاذ لبنان من أزماته المتراكمة. لكن النجاح يتطلب تعاونًا داخليًا بين مختلف الأطراف، ودعمًا شعبيًا لخطوات الإصلاح. اللبنانيون ينتظرون أفعالًا تُترجم الخطابات إلى واقع ينعكس إيجابًا على حياتهم اليومية، مع أمل أن يكون هذا العهد بداية لعصر جديد من الاستقرار والازدهار. كما يبقى نجاح القيادة الجديدة مرهونًا بقدرتها على تجاوز الانقسامات وتقديم حلول ملموسة تُعيد بناء الثقة بين الدولة والمواطن. ومع استمرار النقاشات الحادة على مواقع التواصل، فإن الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كان هذا العهد قادرًا على تلبية تطلعات اللبنانيين أم أنه سيواجه مصير العهود السابقة.