كإنسان أولاً مؤمن أنّ كل فرد بشري هو قيمة بذاتها ومن حقّه البحث عن السعادة وأن كرامة الإنسان هي أولوية الأولويات...

كمواطن حالم ببساطة بوطن لا يكون فندقاً لأبنائه أو ساحة مستباحة للآخرين، وطن يوفّر المساواة في الواجبات والفرص والحقوق على قاعدة "عدل لا ظلم في السوية عدل في الرعية"...

كلبناني معتنق أن "التعددية" هي نكهة لبنان وغنى له لذا وجُبَ العمل دوماً على صيغة تصونها ونظام يضبط أي تفلّت فيها...

كلبناني مسيحي متمسّك بالدور والانفتاح على الآخر بندّيّة وبعيداً عن الذمّيّة ولا يستطيع أن يعيش عمق إيمانه بالتقوقع والخوف والإكتفاء بالوجود...

لن أخفي عليك سرّاً أن ثمة "نقزة" مشروعة جراء تجارب أسلافك العسكر غير المشجعة في سدّة الرئاسة الأولى بعد "الطائف" وبعضها مخزية ومفجعة. لكن مناقبيتك العسكرية المتكاملة مع معادلة "ح – ح": الحكمة والحزم تكاد تقضي على هذه "النقزة".

كلبناني ماروني ضنين على وصية كبير من لبنان شارل مالك تحت عنوان "الكثير المطلوب من الموارنة"...

أتوجهّ إليك يا رئيس بلادي الواعد العماد جوزاف عون بعيداً عن أي تبجيل أو كذب أو تنظير أو تذاكٍ لم أعتد أن أمارسها يوماً ولم أكن لأقدم على ذلك لولا خطاب قسمك الذي زرع الرجاء في قلوب اللبنانيين وأعاد الروح الى أرواحهم.

لن أخفي عليك سرّاً أن ثمة "نقزة" مشروعة جرّاء تجارب أسلافك العسكر غير المشجعة في سدّة الرئاسة الأولى بعد "الطائف" وبعضها مخزية ومفجعة وأنت الرابع الآتي مباشرة من اليرزة الى بعبدا:

* أولهم عهده من ألفه الى يائه كان جزءاً من الحقبة السورية في لبنان ومن رابع المستحيلات أن يشبهه عهد.

* ثانيهم، وصل من باب إدارة أزمة على وقع الدماء التي أزهقت في 7 أيار 2008 وحين انتفض على واقعه وضغط لإنجاز "إعلان بعبدا" في 11 حزيران 2012 أُجهز على عهده وخرج رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد في 14 آب 2013 ناعياً "إعلان بعبدا" بقوله "ولد ميتاً ولم يبقَ منه إلا الحبر على الورق".

* ثالثهم، على خلاف السابقَين جاء مستنداً على تمثيل شعبي وازن والتفاف سياسي كبير وواعداً "شعب لبنان العظيم" بـ"العهد القوي"، إلا إن عهده شهد أسوأ إنهيار عرفه لبنان واكبر أزمة مالية وإنفجار غير نووي منذ أكثر من قرن. أضاع فرصة تاريخية بدخول نادي الرؤساء العظماء وانتهى به الأمر بالإقرار بالعجز.

لكن مناقبيتك العسكرية المتكاملة مع معادلة "ح – ح": الحكمة والحزم في أثناء السنوات الثماني لتوليك قيادة الجيش تكاد تقضي على هذه "النقزة". يكفي المقارنة بين حقباتهم في اليرزة وحقبتك. الأمثلة تطول ولكن لنتذكّر مقاربتهم لما جرى خلال حوادث 23 و25 كانون الثاني 2006 وفي "غزوة" 7 ايار 2008 لبيروت والجبل مثلاً ومقاربتك لما جرى خلال حراك 17 تشرين الاول 2019 وفي الطيونة في 14 تشرين الاول 2021.

هذه "النقزة" يقابلها بأضعاف حنين مستدام للجنرال الأول في سدّة رئاسة الجمهورية فؤاد شهاب يحمله له كل الشعب اللبناني وبإجماع قلّ نظيره.

شهاب الذي لم يستغل الحكومة الإنتقالية التي ترأسها عام 1952 لينقلب على مهامه ويقبض على كرسي الرئاسة الاولى كما جرى مع العماد ميشال عون والحكومة الانتقالية عام 1988.

شهاب الذي أقدم في العام 1960 - بعد عامين من ولايته الرئاسية التي انطلقت عقب ثورة 1958 وبعد إجراء الانتخابات النيابية في حزيران من ذلك العام - على تقديم استقالته لأنه شعر بأن الوقت حان لإعادة تسليم أمانة الرئاسة إلى السياسيين خصوصاً مع تثبيت الاستقرار في البلاد وعودة الحياة الديمقراطية الطبيعية. غير أن زهده بالمناصب جعل اللبنانيين يتمسكون به فتراجع عن استقالته.

شهاب الذي صان شرف السيادة باجتماعه الشهير في 8 شباط 1959 في خيمة نصبت على الحدود اللبنانية – السورية مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر في زمن الوحدة مع سوريا.

شهاب الذي رفض رفضاً قاطعاً تعديل الدستور للتمديد له أو السماح بترشّحه لولاية ثانية.

شهاب الذي أضحى اسمه رديفاً لصانع المؤسسات في الدولة والذي أسّس لنهج في الحكم ولم يسعَ لتأسيس حزب.

مطمئن توجّهك للبنانيين في خطاب القسم بـ "أيها الشعب الحبيب" عوض "يا شعب لبنان العظيم". فيما طرح "الجيش هو الحل" بحثاً عن "حصان طروادة" استغلال للجيش الذي هو أداة لخدمة أي حل وطني دستوري

فرجاء، كنْ فؤاد شهاب ولكن بلا "مكتب ثاني" تسببت ممارساته القمعية وتدخلاته بالحياة السياسية والانتخابات النيابية بالقضاء على الحالة الشهابية في السلطة.

أما من أسلافك رؤساء الجمهورية من خارج المؤسسة العسكرية، فخذ من "فخامة الملك" كميل شمعون دهاءه السياسي وحنكته الديبلوماسية. حوّل مناقبية الرجل العسكري الساطعة فيك الى هيبة رجل الدولة في السياسة وتذكّر تجربة الرئيس الشهيد بشير الجميل الذي استطاع في 21 يوماً من إنتخابه وقبل وصوله الى قصر بعبدا أن يفرض إنتظام العمل في المؤسسات بمجرّد هيبته.

اليوم أنت في القمة وطبيعي أن يتكوكب حولك كثر. لكن حذار، قد يكون بينهم من يتملقون ويتسلقون، يصيحون اليوم "هوشعنا" وربما غداً "أصلبه". أن تخوض غمار الحياة السياسية من بابها الواسع وأن تؤسس حزباً أو تياراً سياسياً أمر مشروع ولكن ثمة شعرة بين الحماسة وإستغلال السلطة. رجاء تنبّه لفخ الشعارات الشعبوية التي تدغدغ النفوس وتحدّ من عمل العقول.

مطمئن توجّهك للبنانيين في خطاب القسم بـ "أيها الشعب الحبيب" عوض "يا شعب لبنان العظيم". فرفْع شعار "شعب لبنان العظيم" وطرْح "الجيش هو الحل" بحثاً عن "حصان طروادة" استغلال للجيش الذي هو أداة لخدمة أي حل وطني دستوري.

مطمئن قولك إنك "الخادم الاول في الحفاظ على الميثاق ووثيقة الوفاق الوطني والإلتزام بتطبيقها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا وممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة كحكَم عادل بين المؤسسات بهدف حماية قدسيّة الحريّات الفردية والجماعية التي هي جوهر الكيان اللبناني". تجنّبْ أن تكون "بيّ الكل" بل كن "بيّ الدستور" والقوانين ما يؤمن العدالة والمساواة بين الكل.

مطمئن تمسكك بـ "حق الدولة في إحتكار حمل السلاح " و "الإستثمار في الجيش لضبط الحدود ومحاربة الإرهاب وحفظ وحدة الأراضي اللبنانية".

مطمئن وضعك الإصبع على الجرح حين تحدثت عن أنّ ما نعيشه "أزمة حكم وحكّام وعدم تطبيق الأنظمة أو سوء تطبيقها وتفسيرها وصياغتها".

مطمئن أكثر تجرؤك على طرح ممارسة سياسة "الحياد الإيجابي" بعدما هدروا سياسياً دمّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وكل من ايّده حين طرحوا "الحياد". إنها خطوة يجب ان تفتح الباب بشفافية على بحث أي لبنان نريد.

رجاء بإسم كل اللبنانيين الذين أنهكتهم الحروب والأزمات المتتالية وبعضهم أضحى على مشارف "اليأس الأبدي" من إمكان تغيير واقع هذا البلد، بإسم جيلي أنا الذي أبصرت النور في مطلع حرب الـ75 وفي اليوم الذي كانت تتعرض بلدتي الحبيبة دير الاحمر لهجوم بهدف تكسيرها وتهجيرها، هذا الجيل الذي شبّ في زمن الحقبة السوري ونظامه الأمني والاضطهاد والاعتقال والتنكيل وها هو اليوم يكاد يشيب على أمواله المنهوبة وأحلامه المسلوبة. رجاء إغتنم اللحظة الذهبية والظرف التاريخي وكن مزيجاً من حنكة "فخامة الملك" كميل شمعون وعزيمة البشير وهيبته وزهد فؤاد شهاب وقدرته على المأسسة ولكن أكرّر بلا "مكتب ثاني" وتأكد أن الناس كما التاريخ سينصفوك حتماً كما أنصفوا فؤاد شهاب.