مع بدء فصل الشتاء في لبنان، يرتفع عدد حالات الإصابة بالرّشح والأمراض الموسمية، إذ يلاحظ انتشار واسع للفيروسات والالتهابات التنفّسية. هذا العام تحديدًا، تزايدت الحالات بشكل ملحوظ، هذا ما أثار قلقًا بين الأطباء والمواطنين. فهل هي موجة رشح عادية أم هناك فيروسات معيّنة في الجو؟
أسباب ارتفاع حالات الرشح والأمراض
قد يكون هناك العديد من الأسباب الكامنة وراء ارتفاع حالات الرشح والأمراض في لبنان، ومن أبرزها، التغيّرات المناخية والطقس البارد، وانخفاض درجات الحرارة الذي يؤدي إلى تقليل المناعة الطبيعية للجسم، فيجعله أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات. كما يسهّل الوجود في أماكن مغلقة وغير جيّدة التهوية انتقال العدوى. كذلك يلعب تلوّث الهواء دورًا رئيسيًا في ارتفاع حالات الرشح، بعدما تعرّض لبنان لموجات من القصف الإسرائيلي أسفر عن انبعاث غازات سامة في الجو، مثل أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت، واستنشاق هذه الغازات يسبّب التهابات الجهاز التنفسي ويضعف المناعة.
في هذا الإطار، قال لـ"الصفا نيوز" رئيس قسم جراحة الصدر والشرايين في مستشفى الزهراء وعضو اللجنة العلمية في نقابة الأطباء، د. نزيه أبو شاهين: "هذه الظاهرة تُعدّ طبيعية بعد بدء موسم الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، إذ يؤدي ذلك عادةً إلى ظهور فيروسات مثل الإنفلونزا وفيروس H1N1، كما أنّ الأشخاص الذين يعانون الحساسية أو الربو يواجهون زيادة في النوبات نتيجة استنشاق الغازات والروائح الناتجة عن القصف".
ويشير الخبراء البيئيون إلى أنّ الغازات الناتجة من القصف الإسرائيلي تحتوي على ملوّثات خطيرة تزيد من مخاطر الأمراض التنفّسية. هذه الغازات قد تؤدّي إلى:
- التهابات رئوية حادّة.
- زيادة خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل الربو.
- تدهور عام في جودة الهواء، وهذا ما يزيد من انتشار الفيروسات والبكتيريا.
ومع ذلك، لم تُسجل موجة كبيرة من الإصابات أو ارتفاعًا كبيرًا في أعداد المرضى الذين يتوجهون إلى المستشفيات، بحسب أبو شاهين، ولم تصدر أي جهة صحية رسمية في لبنان بيانات تشير إلى أزمة صحية واسعة النطاق.
ولفت أبو شاهين إلى أنّ "قلّة تساقط الأمطار هذا الموسم أدّت إلى بقاء الجزيئات الملوّثة الدقيقة في الهواء، وهو ما سبّب ردود فعل في الجهاز التنفّسي لدى البعض".
تجدر الإشارة إلى أنّ الوضع الصحي العام يلعب هو أيضًا دورًا في ارتفاع حالات الأمراض، فمعاناة القطاع الصحي نتيجة الأزمات الاقتصادية جعلت من الصعب توفير اللقاحات والأدوية بأسعار مقبولة، فيما نقص التغذية بسبب الأوضاع الاقتصادية يؤثّر على قدرة الجسم على مقاومة الأمراض.
الأعراض وطرائق الوقاية
ومن أبرز الأعراض الشائعة، سيلان الأنف، والعطس المتكرر، والتهاب الحلق، وتعب وإرهاق خفيف، هذه كلها من أعراض الرشح. أمّا أعراض الإنفلونزا، فهي ارتفاع درجة الحرارة، وآلام في العضلات والمفاصل، وصداع شديد، وسعال جاف وحاد، وفقدان الشهية.
ومن طرائق الوقاية من الأمراض التي ينصح بها الأطباء، يأتي في الدرجة الأولى تعزيز المناعة بتناول الغذاء المتوازن الغني بالفيتامينات، مثل فيتامين C الموجود في الحمضيات، وشرب كميات كافية من الماء للحفاظ على رطوبة الجسم.
كذلك يجب التنبه إلى النظافة الشخصية، من خلال غسل اليدين بالماء والصابون على نحو منتظم، خاصة بعد ملامسة الأسطح العامة، واستخدام المناديل عند السعال أو العطس لتجنّب نقل العدوى.
ويُنصح بتحسين جودة الهواء في المنازل، عبر استخدام أجهزة تنقية الهواء وتهوية المنزل بانتظام للتخلّص من أي ملوّثات قد تكون في الداخل. خصوصًا في فصل الشتاء إذ تكون العائلة مجتمعة إلى جانب المدفئة مقفلةً جميع النوافذ بسبب البرد، وهذا ما يساهم في تراكم البكتيريا داخل المنزل.
وأخيرًا يجب الوقاية من الغازات السامة من خلال تجنّب الخروج في الأيام التي تُسجل فيها نسب عالية من التلوث، بالإضافة إلى ارتداء الكمامات في المناطق التي تعرضت للتلوث نتيجة الحرب التي شهدتها مناطق واسعة من لبنان خلال الأشهر الماضية.
ومن الحلول التي اقترحها رئيس قسم جراحة الصدر والشرايين في مستشفى الزهراء، "تحسين المناعة من خلال شرب المشروبات الدافئة مثل الزهورات، والحفاظ على تدفئة الجسم، وتجنّب التعرض المباشر للهواء البارد. وليس ثمة حاجة إلى ارتداء الكمامات أو المبالغة في القلق".
أما العلاجات المستخدمة في هذه الحالات فغالبًا ما تكون الأدوية الشائعة كخافضات الحرارة، مثل الباراسيتامول لتخفيف الحمى وآلام العضلات، ومضادات الاحتقان، مثل الديكستروميثورفان لتخفيف انسداد الأنف، ومضادات السعال،للسيطرة على السعال الجاف.مع التذكير بضرورة مراجعة الطبيب قبل البدء بأي علاج أو اعتماد الأدوية لوجود حالات تختلف عن أخرى وحساسية عند بعض المرضى يعود إلى الطبيب وحده تقدير طبيعة العلاج ومدته. بالإضافة إلى الأدوية، هناك المكمّلات الغذائية، مثل فيتامين C والزنك لتعزيز المناعة، والسوائل الدافئة، كالأعشاب الطبيعية مثل الزهورات والبابونج لتهدئة الحلق.
وهناك بعض التوصيات للحد من التأثير السلبي لهذه الأمراض، كتعزيز الوعي الصحي من خلال نشر نصائح وقائية على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، كما يمكن توفير لقاحات الإنفلونزا بأسعار مدعومة لضمان حصول الفئات الأكثر عرضة للخطر عليها. وأخيرًا يمكن الشركات تطبيق العمل والدراسة عن بُعد خلال فترات انتشار الفيروسات لتقليل فرص انتقال العدوى.
طرائق العلاج التي يوصي بها الأطباء (لا بد من مراجعة الطبيب قبل البدء بها)
1. الأدوية الموصوفة
- استخدام المسكّنات وخافضات الحرارة مثل الباراسيتامول لعلاج الأعراض.
- المضادات الحيوية تُستخدم فقط في حالة الإصابة بعدوى بكتيرية، ويعود إلى الطبيب تشخيص الحالة.
2. العلاجات الطبيعية
- شرب الأعشاب الدافئة مثل الزنجبيل مع العسل، لأنها تساعد على تهدئة الجهاز التنفسي.
- استنشاق البخار مع قطرات زيت الأوكالبتوس لتخفيف الاحتقان.
3. الراحة
- الحصول على قسط كافٍ من النوم يساعد الجسم على التعافي بسرعة.
- تجنب الإجهاد البدني والنفسي خلال فترة المرض.
موسم الشتاء في لبنان هذا العام يشكّل تحديًا مزدوجًا بسبب انتشار الأمراض الموسمية وتأثير التلوث الناتج من الغارات الإسرائيلية. لذلك، من الضروري اتخاذ الإجراءات الوقائية لتعزيز الصحة العامة وتخفيف العبء عن القطاع الطبي. بتضافر الجهود بين الأفراد والجهات الصحية، يمكن تقليل آثار هذه الأزمة وحماية المجتمع من المزيد من التداعيات الصحية.