مع دخول لبنان هدنة وقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا بعد حرب مدمّرة، واستمرار الأزمة الاقتصادية للعام الخامس على التوالي، تتأرجح أجواء عيد الميلاد هذا العام بين الأمل بالتعافي والخشية من مواصلة الصعوبات. تكاليف الاحتفال بالمناسبة، سواء في زينة العيد أو مائدة العشاء، أصبحت عبئًا كبيرًا على الأسر اللبنانية، وهذا ما دفع الكثيرين إلى البحث عن بدائل اقتصادية تناسب ظروفهم الحالية.
زينة العيد: بهجة بأقلّ التكاليف
لطالما كانت زينة عيد الميلاد جزءًا لا يتجزأ من الاحتفال بهذه المناسبة في لبنان، حيث تزيّن البيوت والشوارع بالأضواء والأشجار. لكن هذا العام، تغيّرت الأولويات، إذ ارتفعت التكاليف مع ارتفاع أسعار الزينة المستوردة بنسبة تتجاوز 50% مقارنة بالعام الماضي، بسبب ارتفاع كلفة الشحن وتقلّب سعر الدولار. وفي جولة لـ "الصفا نيوز" على بعض محالّ الزينة الميلادية، تبيّن أنّ سعر أرخص شجرة ميلاد يبدأ من 100 دولار، أي 8 ملايين و900 ألف ليرة، للحجم الوسط وقد يتخطّى الـ 700 دولار أي 62 مليونًا و300 ألف ليرة، بحسب اختلاف الحجم، والمتجر. أمّا أسعار الزينة فتراوح بين الـ 15 دولارًا، أي مليون و335 ألف ليرة، مقابل كل 30 "بول"، وقد تصل إلى 50 دولارًا، أي 4 ملايين و450 ألف ليرة، والـ100 دولار، بحسب حجم "البول" واسم المتجر. في مجال الإنارة، يبدأ سعر الشريط الواحد بـ 5 دولارات وقد يتخطّى الـ30 بحسب طوله، وإذا ما كان مضادًا للمياه أم لا. أما شخوص المغارة فتراوح أسعارها بين الـ 5 والـ 20 دولارًا. ويبدأ سعر الواحدة من ورقات المغارة بـ 3 دولارات. لتصبح تكلفة شراء شجرة جديدة وزينة ومغارة بنحو الـ 200 دولار، أي 17 مليونًا و800 ألف ليرة، (إذا ما اعتمد الشاري سياسة التقشّف واكتفى بأرخص الأسعار)، فيما الحدّ الأدنى للأجور في لبنان هو 18 مليون ليرة.
في هذه الأجواء، يستعدّ اللبنانيون بفرح وغصّة، لاستقبال عيد الميلاد بزينة متواضعة تناسب مدخولهم، في ظلّ الأزمة الاقتصادية المستمرّة في عامها الخامس. إذ أنزلوا شجرة الميلاد وشخوص المغارة، مكتفين بما تبقّى منها، لعدم قدرتهم على شراء زينة جديدة. هكذا لجأ العديد من اللبنانيين إلى إعادة استخدام زينة الأعوام السابقة أو صناعة الزينة يدويًا باستخدام موادّ بسيطة مثل الورق والكرتون.
أمّا البلديات، التي تعاني نقصًا في التمويل، فقلّصت زينة الشوارع واكتفت بتزيين الساحات الرئيسية بشكل محدود.
أمّا الهدايا هذا العام، فـ"عالقد"، إذ إنّ الوضع المادّي لا يسمح بالتبذير. وعلى الرغم من ذلك حرص العديد من الأسر على شراء الهدايا ولو من متاجر رخيصة، لضمان أن يكون لكل ّفرد حصّته من العيدية. وهنا تجدر الإشارة إلى قيام بعض المتاجر لا بل عدد كبير منها في مناطق كسدّ البوشرية وبرج حمود، والدكوانة، بتخفيض أسعارها بشكل يتناسب ووضع اللبنانيين، في مبادرة طيبة تضمن لأصحاب المتاجر تحقيق بعض الأرباح وللمواطنين شراء الهدايا، خصوصًا لأولادهم.
تكاليف عشاء عيد الميلاد: احتفال بنكهة التقشّف
مائدة عيد الميلاد، التي تعدّ رمزًا للفرح والتجمّع العائلي، تأثّرت بشكل كبير بالأزمة، بعدما ارتفعت أسعار المواد الغذائية، بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة من جهة، ولأنّه "موسم" من جهة ثانية، وهو ما يجعلها بعيدة عن متناول الكثيرين.
وبجولة لـ "الصفا نيوز" على بعض أسعار المواد الغذائية تبيّن أنّ سعر طبق الديك الرومي الجاهز للعيد يبدأ من 100 دولار ويصل إلى نحو الـ300 دولار حسب حجم الطبق وعدد الأشخاص والقلوبات المستخدمة، والسعر نفسه ينطبق على طبق الشاركوتريه، المؤلّف من عدّة أنواع من الجبن واللحوم. أمّا الحلو الميلادي، فأسعار الشوكولا تبدأ من 15 دولارًا للكيلوغرام، وسعر "البوش دو نويل" يبدأ من 20 دولارًا للقالب الصغير.
هذا الواقع دفع بعدد من اللبنانيين إلى اعتماد الوجبات البديلة. ومن حديث لـ"الصفا نيوز" مع عدد من الأسر اللبنانية، تبيّن أنّه بدلاً من الديك الرومي، يفضّل البعض تقديم أطباق محلّية أقلّ تكلفة مثل الدجاج والبطاطا بالصينية، أو الرز مع الدجاج، والتبولة أو البطاطا المشوية، وقررت أُسر كثيرة الاستغناء عن طبق الأجبان، واعتماد الحلويات التقليدية أو الحلويات المصنّعة منزليًا، والتي أصبحت خيارًا شائعًا.
على مقلب آخر، لجأت بعض الأسر إلى تقاسم التكاليف إذ اعتمد بعضها فكرة المشاركة الجماعية. كل فرد يعدّ طبقًا معيّنًا لتقليل العبء المالي على المضيف.
برغم الضغوط الأمنية والاقتصادية، يسعى اللبنانيون للحفاظ على أجواء العيد، ولو بأساليب بسيطة، من خلال الاعتماد على المبادرات المجتمعية، كتنظيم حفلات صغيرة أو فعاليات خيرية توزع الهدايا على الأطفال من قبل جمعيات محلية. واعتماد الهدايا الرمزية، كالتركيز على الهدايا المصنوعة يدويًا أو المستوحاة من التراث. فضلًا عن الاجتماعات العائلية البسيطة، كالاحتفال ضمن نطاق ضيق لتوفير التكاليف من دون التخلّي عن جوّ العيد.
يحيي اللبنانيون عيد الميلاد هذا العام في ظلّ تحديات استثنائية، فيوازنون بين الالتزام بتقاليد العيد والظروف الراهنة. على الرّغم من المصاعب، يبقى العيد فرصة لإحياء الأمل والتمسّك بالفرح، ولو بأبسط الطرائق. التضحيات التي يقوم بها اللبنانيون اليوم قد تكون خطوة نحو مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا.