قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للرئيس السوري بشار الأسد إنّه "يلعب بالنّار" في موضوع إمرار السّلاح إلى حزب الله عبر الأراضي السورية، وفي اليوم التالي تحرّكت "هيئة تحرير الشام" ومن معها وهاجمت مناطق النظام في حلب وحماة وسيطرت على أجزاء كبيرة منها، ما بعث على توقّع أن يؤدّي هذا إلى جولة جديدة من الحروب في المنطقة، في ظلّ تقدير إيراني لا يجافي هذا التوقّع على رغم ما يبذل من مساع روسية ـ إيرانية لدى تركيا لإنهاء ما يحصل.
تقول المصادر الديبلوماسية إنّ طهران نزلت إلى الميدان في سوريا لهدف إعادة ضبط الوضع الناشىء هناك، بفعل عودة التنظيمات المتطرّفة إلى هجماتها ضدّ النظام، لكنّها في الوقت نفسه تقوم بوساطة بين السوريين والأتراك، لكن ليس واضحًا لديها بعد إلى أيّ مدى يمكنها النجاح في هذه الوساطة التي تشترك فيها مع الجانب الروسي، لما له هو الآخر ولها من تأثير في الواقع السوري وكذلك على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي يقال إنّه بنحو أو آخر أعطى الضوء الأخضر أو غض الطرف عن مهاجمة "هيئة تحرير الشام" ( جبهة النصرة سابقاً) وغيرها من التنظيمات المتطرّفة للمناطق التي يسيطر عليها النظام في حلب وحماه وريفيهما، انطلاقًا من منطقة إدلب وبقية المناطق الشمالية السورية التي كانت لا تزال هذه التنظيمات تسيطر عليها وتتحصّن فيها.
طهران نزلت إلى الميدان في سوريا لهدف إعادة ضبط الوضع الناشىء هناك، بفعل عودة التنظيمات المتطرّفة إلى هجماتها ضدّ النظام
لكن ليس واضحًا لدى موسكو وطهران حتّى الآن مدى إمكانية تجاوب إردوغان مع وساطتهما وضغوطهما عليه للمساعدة على لجم تلك الجماعات المسلّحة المتطرّفة، التي كان لجمها سابقًا بموجب اتفاق خفض التصعيد الذي تم توقيعه في استانة قبل أكثر من سنتين، فإذا لم يستجب فإنهما قد يردّان بخطوات كبيرة على الأرض من شأنها أن تدفعه إلى التجاوب والتراجع، بحسب هذه المصادر الديبلوماسية، التي تؤكّد أنّ ما يجري في سوريا ولبنان ومناطق شرق أوسطية أخرى يصادف أنّه يحصل في فترة الشهرين الفاصلة عن موعد تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مقاليد الرئاسة الأميركية في 20 كانون الثاني المقبل، إذ يبدو أنّ كلّ دولة أو طرف سياسي أو عسكري في المنطقة سيحاول تحقيق مكتسبات على الأرض يعتقد أنّها ستفرض نفسها على إدارة ترامب التي سيكون لها دور رئيسي في كلّ شؤون المنطقة. ولهذا السبب، تضيف المصادر، يمكن فهم محاولة إسرائيل فرض موازين قوّة جديدة فيها، وفي لبنان وسوريا تحديدًا قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض، وكذلك يفعل إردوغان الذي يحاول استغلال الوضع القائم من باب الرغبة في فرض موازين قوّة جديدة في سوريا، يعتقد أنّ الإدارة الأميركية الجديدة ستكون ملزمة بأخذها في الاعتبار.
وفي هذا الخضم، تؤكّد المصادر الديبلوماسية أنّه لم يظهر حتّى الآن أيّ معالم للهجمة المرتدّة التي تستعد إيران وحلفاؤها لشنّها ردًّا على ما يجري في الشمال السوري، لأنهم يعملون الآن على التصدّي لهجوم التنظيمات المتطرفة وإحباطه لينتقلوا بعدها إلى شنّ الهجمة المرتدّة أو الهجوم المضاد. بمعنى آخر إنّ طهران مع حلفائها يحاولون استيعاب هذا الهجوم ومنع توسّعه إلى ما هو أبعد من المناطق التي وصل إليها قبل أن يشنوا هجومهم، وهم لأجل ذلك أخلوا عددًا من المناطق والمواقع أمام زحف تلك الجماعات وانسحبوا إلى مواقع ونقاط أساسية وحساسة لهم حتى لا يخسروها ولتكون نقطة انطلاقهم في الهجوم المضاد، خصوصًا الذي سيقومون به في حال عدم تجاوب إردوغان مع وساطة طهران وموسكو لديه.
وتؤكّد المصادر نفسها أنّ إيران حريصة على أن لا تكون موجودة في أيّ موقع واهن أو ضعيف قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض، وهي تراهن حتّى الآن على مساعيها السياسية والدبلوماسية لاستيعاب التطور السوري المفاجئ، ولكنّها إذا فشلت فلن يكون أمامها وأمام حلفائها إلّا شنّ هجومهم المضاد الذي لن يقتصر على استعادة المناطق التي سيطرت عليها "هيئة تحرير الشام" وأخواتها فقط، وإنّما الدخول إلى مناطق جديدة في الشمال السوري هي الآن تحت سيطرة هذه الجماعات المسلحة.
وأكثر من ذلك تقول المصادر الدبلوماسية المطّلعة على الموقف الإيراني إنّ طهران لا يمكنها القبول بتكرار تجربة هجوم تنظيم "داعش" الشهير على سوريا والعراق بقيادة أبو بكر البغدادي، وهذا ما يعبّر عنه المسؤولون الإيرانيون على مختلف مستوياتهم هذه الأيام في معرض تعليقهم على التطورات العسكرية في الشمال السوري، إذ يؤكّدون أنّهم لن يسمحوا بعودة سوريا والعراق إلى ما كانا عليه أيام داعش و"النصرة" .
وفي الوقت الذي تراجع الحديث عن الرد ّالإيراني المنتظر على الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران، تقول المصادر الديبلوماسية نفسها إنّ طهران حريصة دائمًا على التأكيد أنّ هذا الرد قائم، ولكن الاتفاق على وقف النار في لبنان والهدنة التي أرساها إلى حدّ ما، وفي الوقت الذي ينتظر أن يحصل مثيله في غزة، فإنّ هذا الرد على إسرائيل "يبقى مؤجّلًا من دون إعلان"، لأنهّا ترى أنّ هناك استهدافات إسرائيلية منتظرة نتيجة نيات تل أبيب المبيّتة ضد إيران ومحورها، ويمكن إدراج ما يحصل في سوريا الآن وما قد يحصل في العراق وغيره لاحقًا في إطار هذه الاستهدافات الإسرائيلية.
وتقول المصادر إنّ الجانب الإيراني يقرأ في ما جرى وسيجري محاولات إسرائيلية لتحييد سوريا والعراق عن أيّ هجوم يمكن أن تشنّه ضد إيران، وأنّ الهجوم الذي يتعرّض له النظام السوري في المناطق الشمالية الآن إنّما يستهدف بنحو أو آخر قطع طرق الإمداد التي تغذي حزب الله بالسلاح والذخيرة من إيران عبر العراق وسوريا. ويرى الإيرانيون أنّ الإسرائيلي يراهن على أن يؤدي ما تقوم به التنظيمات المتطرفّة في الشمال السوري الآن إلى قطع الطرق السورية على حزب الله.
وحيال ما يحصل في لبنان في ضوء وقف إطلاق النار، تقول المصادر الديبلوماسية إنّ لدى الجانب الإيراني تقدير موقف يقول إنّ الإسرائيلي يمكن أن يعود إلى استهدافات جديدة في لبنان وسوريا وغيرهما، ولكن تعاطي حزب الله الهادئ حاليًا والتزامه اتفاق وقف النار وعدم الردّ على الخروقات الإسرائيلية المتلاحقة لهذا الاتفاق، إنّما الغاية منه هي الإظهار لمن يعنيهم الأمر والقائلين إنّ الولايات المتحدة الأميركية لم تضمن الاتفاق بعد، ولم تلزم إسرائيل به. إلّا أنّ الحزب في لحظة ما وفي ضوء هذه الخروقات معطوفة على التطورات الجارية في سوريا سيغير مقاربته لها بنحو سيكون شديدًا وصارمًا. وتكشف المصادر الديبلوماسية أنّ لدى الإيرانيين تقدير موقف جدي يرى أن الأوضاع قد تعود إلى التدهور الذي كانت عليه قبل وقف النار، خصوصًا إذا استمرت الخروقات الاسرائيلية وتدهور الوضع السوري أكثر مما هو عليه الآن، والذي سيدفع الإسرائيلي إلى التفكير في حسابات بل في استهدافات جديدة قد تشعل المنطقة. لكن في المقابل، وعلى عكس المرات السابقة، فإنّ الجانب الإيراني، تقول المصادر، نزل هذه المرة إلى الأرض السورية "بطريقة نادرة" من أجل تأمينها حتّى إذا لم ينجح في ذلك "فسيلجأ إلى القوة مهما كلّفه الأمر"، على حد تعبيرها.