في الوقت الذي يحقّق الجيش الروسي فيه تقدّمًا ميدانيًا في الجبهة الأوكرانية، بعدما نجح في محاصرة القوات الأوكرانية في إقليم كورسك، وفي الوقت الذي تتأهّب فيه الولايات المتحدة لاستقبال رئيس جديد هو دونالد ترامب الذي أعلن صراحة أنّه ينوي إنهاء الحرب الأوكرانية بتسوية سياسية مع روسيا، فإنّ الدولة العميقة في الولايات المتحدة تسعى، بالتعاون مع إدارة الرئيس جو بايدن، إلى فرض أمر واقع في أوكرانيا لعرقلة مساعي الرئيس ترامب إلى حلحلة الأزمات مع موسكو، ومن ضمنها الأزمة الأوكرانية.
لذا، وضعت الدولة العميقة الأميركية، بالتعاون مع حلفائها من القادة الأوروبيين، مخططًا لتقسيم أوكرانيا مناطق احتلال بذريعة تقديم العون وضبط الأمن في هذا البلد، وذلك بغية فرض حضور عسكري يمنع موسكو من تحقيق مزيد من التقدم الميداني. بناء على ذلك، كشف جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية، في 29 تشرين الثاني 2024، عن أنّ حلف شمال الأطلسي "الناتو"، يسعى إلى تجميد الصراع الأوكراني من أجل إعطاء كييف الفرصة لترميم قواها القتالية. وجاء في بيان المكتب الصحافي لهذا الجهاز: "وفقاً للمعلومات التي تلقّاها جهاز الاستخبارات الخارجية، ونظراً للافتقار الواضح إلى احتمالات إلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا في ساحة المعركة، فإنّ حلف شمال الأطلسي يميل بشكل متزايد إلى تجميد الصراع الأوكراني باعتباره يقدّم فرصة لاستعادة الفعالية القتالية للقوات المسلّحة الأوكرانية، وإعداد نظام الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلنسكي للانتقام لاحقًا من موسكو. ووفقًا للبيان نفسه، فإنّ حلف شمال الأطلسي بدأ بإنشاء مراكز في أوكرانيا، لتدريب اكثر من مليون مجنّد أوكراني جنْدتهم كييف أخيرًا".
لكنّ أخطر ما كشفه الجهاز نفسه هو أنّ الغرب يخطّط لنشر حوالى 100 ألف شخص في إطار ما يسمّى "وحدة حفظ السلام" في أوكرانيا، وذلك بهدف استعادة القدرة القتالية للبلاد، بما يؤدّي إلى احتلال قوّات الناتو أوكرانيا تحت مسمّى وحدة حفظ السلام التي سيتمّ بناءً عليها نشر قوة من دول الناتو قوامها مئةألف جندي، وهذا ما يجعل أوكرانيا عمليًا جزءًا من مخططات الناتو ضّد روسيا.
ترامب يعي تمامًا أنّ لا حلّ عسكريًا للأزمة الأوكرانية، وأنّ الحلول السياسية هي الوحيدة الكفيلة بوضع نهاية للحرب في أوكرانيا
وبناء على هذا المخطّط تُوزّع الأراضي الأوكرانية مناطقَ نفوذ على الدول الأعضاء للناتو، فتسيطر رومانيا على ساحل أوكرانيا على البحر الأسود، وتسيطر بولندا على المناطق الغربية من أوكرانيا، علمًا أنّها كانت تعتبر هذه الأراضي تابعة لها وتطالب باستعادتها، فيما تسيطر ألمانيا على وسط وشرق أوكرنيا، وبريطانيا على المقاطعات الشمالية بما فيها العاصمة الأوكرانية كييف.
ويلقى هذا المخطط دعمًا من المجمّع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة الذي ينسّق مع شركة رينميتال الألمانية لتصنيع معدّات عسكرية عالية الأداء وإعداد خبراء عسكريين من أجل هذا المخطط.
ويرى مراقبون سياسيون أنّ المخطّط بذاته يؤشّر إلى فشل المخطّطات الغربية في تحويل أوكرانيا إلى قاعدة لضرب العمق الروسي، مشيرين إلى أنّ الهدف من هذا المخطّط هو عرقلة الانفتاح المرتقب للرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهم يعتبرون أنّ ترامب سيكون في ولايته الثانية أكثر قدرة على المبادرة بحكم أنّه تمكّن من تشكيل فريق عمل متجانس. عدا أنّه يتمتّع هذه المرة بشعبية كبيرة مدعّمة بغالبية جمهورية في الكونغرس، علمًا أنّ القيادات الأوروبية التي يواجهها الآن ضعيفة ولا تتمتّع بمزايا قيادية شبيهة بتلك التي كانت تتمتّع بها المستشارة الألمانية السابقة انجيلا ميركل.
ويرى هؤلاء المراقبون أنّ ترامب يعي تمامًا أنّ لا حلّ عسكريًا للأزمة الأوكرانية، وأنّ الحلول السياسية هي الوحيدة الكفيلة بوضع نهاية للحرب في أوكرانيا. ويرجّح هؤلاء أن يدعم ترامب تغييًرا في السلطة في أوكرانيا بغية التخلّص من زيلنسكي غير المؤهل لانتاج حلول سياسية للأزمة.
ويعتبر المراقبون أنفسهم أنّ من شأن حدوث انفراج في العلاقات الأميركية الروسية خلال عهد ترامب أن يؤدّي إلى تداعيات على الدول الأوروبية الغربية التي يمكن أن تشهد تحوّلًا في نوعية قياداتها، علمًا أنّ روسيا تطالب بمنظومة أمن جماعي في أوروبا تكون موسكو جزءًا منها.
والجدير ذكره أنّ الفريق الجمهوري في أميركا يرى أنّ التصعيد في أوراسيا غير منطقي. ولا بد من احترام مصالح روسيا ومطالبها الأمنية.