تلتئم اللجان المُشتركة المؤلّفة من لجنة المال والموازنة، الإدارة والعدل، الإقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط التابعة للمجلس النيابي غدًا الخميس (5 كانون الثاني) في الساعة العاشرة والنصف صباحًا، لإستكمال البحث في مشروع القانون المعجّل الرامي إلى وضع ضوابط إستثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقديّة أو ما يُعرف بالكابيتال كونترول (مشروع القانون المعجّل الوارد بالمرسوم رقم 9014).

والمعروف أن هذا القانون هو عبارة عن إجراء تقوم به السلطات المحلّية في أوقات الأزمات لضبط حركة تنقل رؤوس الأموال من الداخل إلى الخارج. وكان من المفروض إقراره فور بدء الإحتجاجات الشعبية في 17 تشرين الأول من العام 2019، إلا أن معوقات سياسية منعت هذا الأمر ولا يزال المجلس النيابي في مرحلة دراسة المشروع داخل اللجان.

إختلفت وجهات النظر حول هذا المشروع الذي عُدّل عدة مرّات، إلا أنه من الواضح من تقييم عملية المناقشات التي تدور في أروقة مجلس النواب أن العديد من القوى السياسية لا تزال ترفض المشروع لأسباب عديدة منها غياب مُعطيات جديدة على صعيد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ومنها ما هو تقاطع مصالح سياسية أو شخصية.

ومن الواضح اليوم أنه وبغياب الأفق في ما يخص الحلّ للأزمة السياسية المُتمثّلة بإنتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة قادرة – ولو بالحدّ الأدنى – على القيام بإصلاحات، لن يكون هناك من إقرار لهذا القانون وستكون جلسة الغدّ شبيهة بسابقاتها.

في المُعطيات المُعلّن عنها رسميًا، ترى الكتل الرافضة لمشروع القانون أنه لا يحمي حقوق المودعين ويعفي المصارف اللبنانية من مسؤوليتها تجاه الودائع بالإضافة إلى إعتراضات على حجم التحويل المسموح به إلى الخارج لكل مودع وتكوين الهيئة المنوط بها الإشراف على تطبيق القانون. بعض القوى السياسية ترفض البحث في هذا القانون إلا إذا ترافق مع خطّة حكومية للتعافي المالي.

وكان نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب قد أشار في وقت سابق، إلى أنه تمّ إقرار المادّة 4 من مشروع القانون وأن البحث يدور حول الإستثناءات التي سيحتويها المشروع. وشدّد على أن المشروع "لا يناقش شطب الودائع بل يهدف إلى إعادة الثقة بالقطاع المصرفي" مُضيفًا "لا يمكننا محاصرة المصارف بقانون الكابيتال كونترول كي لا تذهب إلى إعلان إفلاسها فالهدف هو إعادة أموال المودعين".

في البعد القانوني، عملية إقرار قانون الكابيتال كونترول أصبحت إلزامية وذلك بهدف حماية القطاع المصرفي من القضاء الخارجي. فالدعاوى التي يُقيمها المودعون في الخارج، يتمّ ربحها بشكل تلقائي وتُصبح المصارف مُلزمة تحويل المبالغ إلى المودعين في حسابات خارجية عائدة لهم على حساب المودعين المحليين الذين لا يُمكنهم الوصول إلى نفس نتائج المودعين غير المقيمين. وبالتالي فإن عدم المساواة بين المودعين هو مُخالف للدستور الذي نصّ على المساواة. أمّا من ناحية مسؤولية المصارف تجاه الودائع، فهو أمر منصوص عليه في مقدمة الدستور الذي أعطى قدسية للملكية الخاصة وبالتالي لا يُمكن التنصّل من هذه المسؤولية بأي شكل من الأشكال حتى ولو أقرت ضمن إطار قانون!

في البعد الاقتصادي، قانون الكابيتال كونترول هو أمر مُخالف لمبدأ الاقتصاد الحرّ. إلا أن كل الدول التي تتمتّع بأنظمة ليبيرالية تُشرّع مثل هذا القانون في أوقات الأزمات على مثال ما حصل في الولايات المُتحدة الأميركية إبان جائحة كورونا حيث منعت السلطات الأميركية السحوبات فوق سقف مُعيّن. لكن هذا القبول مشروط بفترة زمنية مُحدّدة وبخطّة واضحة للخروج من الوضع المتأزم.

في البعد التشغيلي، لا يُمكن لأي إقتصاد أن ينمو أو يستقطب إستثمارات بدون ثقة، وبالتالي يُعدّ قانون الكابيتال كونترول خطوة أساسية في تدعيم الثقة في لبنان حيث أن أي ضخّ لأموال من الخارج بهدف المساعدة (مثلًا قرض صندوق النقد أو البنك الدولي) يجب أن يكون ضمن أطر قانونية تُعيد الثقة في بلد أصبح يغوص في الفساد.

على صعيد الفساد، لا يزال العديد من التجار يستفيدون – بحجّة الاقتصاد الحرّ – من إمكانية لمّ الدولارات من السوق وإرسالها إلى الخارج من دون حسيب أو رقيب. هذا الأمر لا يتطرّق إليه قانون الكابيتال كونترول بصيغته الحالية خصوصًا أن لبنان إستورد في العام المنصرم ما يفوق الثمانية عشر مليار دولار أميركي مع العلم أن قدرة المُقيمين في لبنان لا تتعدّى الستة مليارات دولار أميركي. وبالتالي من الضروري وضع حدّ لعمليات التهريب وُمقاضاة التجار المتورطين في هذه العمليات.