عاملان يمهّدان لمرحلة ما بعد الحرب بالنسبة إلى الثنائي الشيعي: خطاب رئيس مجلس النواب نبيه بري والكلمة التي كتبها رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد. في كليهما دعوة إلى الحوار، اكتملت خطواته بتحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعدًا لجلسة انتخاب رئاسية. هاتان الخطوتان اقترنتا باتفاق وقف اطلاق النار، وهو ما سينعكس حكمًا على أمور كثيرة عالقة في الداخل، أولها رئاسة الجمهورية.

قلبت الحرب الموازين، وما كان ممكنًا بات مستحيلًا. 

يشكّل الاتفاق على تطبيق القرار 1701 الذي كان سببًا لوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان، بداية مسار طويل من الخطوات على مستوى المعالجة الداخلية تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية ولا تنتهي بإعادة الإعمار. الأنظار شاخصة إلى ما سيكون عليه موقف الثنائي الشيعي بعد وقف إطلاق النار، وكيف سيكون تعاطيه مع رئاسة الجمهورية، وما سيكون عليه موقفه من المرشح سليمان فرنجية، الذي كان متمسّكًا به إلى ما لا نهاية قبل بدء الحرب واغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

قلبت الحرب الموازين، وما كان ممكنًا بات مستحيلًا. حتّى حال حزب الله تغيّر من قيادته إلى المسؤولين عن ملف الرئاسة. في الوقت الراهن، جيّر الحزب جميع ملفّات الداخل إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري. وكما في التفاوض لوقف الحرب كذلك في رئاسة الجمهورية. عملية مفاوضات شائكة ومعقّدة ليست أبسط من حوار على وقف الحرب. حكمًا لم يعد ممكنًا لحزب الله أن يخرج إلى الرأي العام ويعلن تمسّكه بمرشّحه سليمان فرنجية، وليس للأخير أن يُعيّره بتغيّر موقفه، وهو الذي خرج من حربه مع إسرائيل متعبًا، وقد مني بخسارة فادحة حين فقد أمينه العام.

وفي ضوء تغيّر الظروف، سينحو حزب الله إلى تغيير موقفه، أمّا بري فمنذ بداية الحرب كانت الانعطافة، وخرج من المقربين من يتحدث عن تغيير من حيث التمسّك بفرنجية والانفتاح على مرشّحين آخرين.

بحنكته تلقّف رئيس مجلس النواب المبادرة. كان أوّل من تحدّث عن انتخاب الرئيس بعد وقف الحرب، ثم دعا إلى جلسة انتخاب الرئيس في التاسع من كانون الثاني المقبل مشرّعًا أبواب التفاوض على المرشح الرئاسي على مصراعيه. بخطوته هذه امتصّ رئيس المجلس غضب النواب في الجلسة التشريعية، وبادرهم قبل أن يبادروه إلى طلب الجلسة بتحديد موعدها، وعلى سبيل تأكيد المؤكد طلب دعوة السفراء إلى حضورها، وهذا ما يؤشّر إلى أنّ الجلسة يمكن أن تنتهي إلى انتخاب رئيس للجمهورية. وإلى أن يحين موعدها يكون حزب الله قد التقط أنفاسه واستعاد إمكان التواصل مع الفرقاء السياسيين لتحديد الموقف.

تقول مصادر سياسية إنّ حزب الله، وإن كان مستمرًا في المعادلة الرئاسية، لكن رأيه ليس هو الأساس، ولم يعد يمكنه الخروج بموقف يقول إمّا أن يُنتخب مرشّحي الرئاسي وإمّا ليس هناك رئاسة. ذلك أنّ ملف الرئاسة، وإن لم يدرج في الاتفاق لوقف الحرب، يدخل المفاوضات بشأنها، وقد كان الموفد الرئاسي آموس هوكستين صريحًا حين أكد انتخاب الرئيس لمواكبة المرحلة المقبلة.

تتابع المصادر أنّ انتخاب رئيس جمهورية سيكون مدرجًا على جدول البحث بقوّة، وأنّ الثنائي سيتعاطى بمرونة مطلقة مع المرشحين المحتملين. والمعادلة المقبلة تقول أن لا رئيس بلا موافقة الثنائي، ولكن لا رئيس يفرضه الثنائي. وعلى هذا الأساس، ستبدأ المشاورات عمّا قريب للاتفاق على الرئيس، وستكون السعودية لاعبًا أساسيًا في عملية الاختيار وكذلك فرنسا والولايات المتحدة الأميركية. وستكون هذه الانتخابات مؤشرًا إلى وضعية حزب الله وتعاطيه في المرحلة المقبلة. وهي مرحلة عبّر عنها رئيس كتلته النيابية الحاج محمد رعد في اعتباره أنّ الأولوية بعد الحرب هي لـ"احتواء الانقسام على أهمّية السجال وفتح النقاش على مصراعيه، تلافيًا لكلّ ما من شأنه أن يعبث باستقرار الداخل". وهو نفسه كان دعا قبل أن تنتهي الحرب إلى "حوار لبناني داخلي".

عبارتان تختصران معالم المرحلة المقبلة بالنسبة إلى حزب الله يضاف إليهما ما أعلن عنه بري ليؤسّس لمرحلة ما بعد الحرب التي يفترض أن يكون انتخاب الرئيس أولى خطواتها. وهنا، تقول المصادر إنّ وضعية حزب الله القديمة لا يمكن أن تستمر، بمعنى أنّ ثمّة تغييرًا في التعاطي وفي مقاربة الأمور، وإن كانت الأولوية هي لاستيعاب الحزب وتلافي أيّ شرخ داخلي يشكّل انعكاسًا لحدّة المواقف التي برزت ضد حزب الله خلال الحرب.

بحكنته السياسية، عرف بري كيف يدير الدفة لمصلحة الثنائي، ويمتص المواقف التي ستدعوه إلى تحديد الجلسة، وإذا به يرمي كرة اللهيب الرئاسي من ملعبه باتجاه المعارضة والقوى المسيحية على وجه التحديد، وقد دخلت منذ اليوم في حساباتها الرئاسية الضيقة. رئيس المجلس عرف كيف يسحب بساط البحث الرئاسي من الموفد الفرنسي جان ايف لودريان ليرد عن فريقه السياسي تهمة التعطيل، فتتحوّل مهمة لودريان من المطالبة بالجلسة إلى البحث في أسماء المرشحين مع النواب والقوى المسيحية.

مرحلة ما بعد الحرب لن تكون كما قبلها، أقلّه بالنسبة إلى الثنائي الذي سيكون أكثر انفتاحًا، لكن ليس بالضرورة أقلّ تشدّدًا.